لماذا نرجح أن إسرائيل وراء انفجار ميناء بيروت؟
حماد صبح*
مازال لبنان والمنطقة وأكثر العالم في ذهول من هول الانفجار الذي وقع في ميناء بيروت مساء الثلاثاء ، وقتل فيه 137 ، وجرح 5000 ، وفقد العشرات، وتضرر نصف مباني المدينة. ووسط الذهول والصدمة يدوي التساؤل: من وراء الانفجار؟! الجواب الأولي كان أن 1275 طنا من نترات الأمونيوم السريعة الاشتعال خزنت 6 سنوات في الميناء بطريقة ليست ملائمة، وأن عملية لحام لإحدى البوابات في مكان التخزين سببت الانفجار الذي حدث على مرحلتين، الأولى صغيرة، والثانية كبرى مدمرة مهلكة.
وسارع أعداء حزب الله في الداخل اللبناني والخارج، خاصة العربي، إلى اتهامه أنه وراء الانفجار ولو بصورة ليست مباشرة لسيطرته غير الرسمية على معابر لبنان البرية والبحرية والجوية كما يقولون، وأنه هو الذي خزن نترات الأمونيوم بعد أن صادرها من سفينة روسوس التي يملكها الروسي إيجور جريشوشكين. والاتهام متوقع من أعداء الحزب. ونفي أمينه العام سماحة الشيخ حسن نصر الله في حديثه عن المأساة مساء جمعة أمس نفيا حاسما مقنعا أي صلة له بأي شيء في ميناء بيروت، وأكد اقتناعه بأن التحقيق النزيه العادل سيكشف من وراء الانفجار.
وبديهي أن يوجه كثيرون، ونحن منهم، أصابع الاتهام إلى إسرائيل في المأساة ، وما أكثر الأسباب المسوغة له. نحصي بعضها:
أولا : يأسها من حسم المعركة مع الحزب عسكريا دفعها إلى البحث عن وسائل ليست مباشرة للتخلص منه أو إضعافه، وأفضل هذه الوسائل تفجير الأوضاع الحساسة والهشة في لبنان لإطلاق صراعات طائفية وسياسية يكون الحزب طرفا فيها. وبدأ التفجير بالأزمة المالية والاقتصادية التي تولت أميركا الدور الرئيس فيها.
ثانيا: شحنة النترات قدمت من جورجيا في طريقها إلى موزمبيق، وعلاقات إسرائيل قوية بجورجيا، ويحرك الشك أن تتعطل رادارات السفينة الناقلة ومحركها في ميناء بيروت تحديدا ، ويجري تخزين الشحنة في الميناء، ويتخلى مالكها جريشوشكين عنها وعن قبطانها الروسي بروكوشيف مع بحارته الأوكرانيين.
ثالثا: لبثت الشحنة في الميناء ست سنوات، وهذه المدة الطويلة، مثلما يرى بعض الخبراء العسكريين، قد تؤكد دور إسرائيل في الانفجار، ويفسرون رأيهم بأن الموساد يقوم أحيانا بمهام تدوم سنوات ، وربما تكون هذه المهمة إحداها.
رابعا: سارعت إسرائيل الإفادة من المأساة بعرض مساعدتها المباشرة على لبنان ، ولما رفضت مساعدتها سعت لتقديمها من خلال الأمم المتحدة ، والمتوقع أن ترسل طواقم طبية إلى قبرص لمعالجة من يصل إليها من الجرحى ، والمقدر بيقين أن تضم هذه الطواقم عناصر مخابرات ، ولن تختلف عن طواقم المستشفى الميداني الذي أقامته في معبر بيت حانون ، تسميه إسرائيل إيرز ، في عدوان 2014 على غزة لاصطياد المعلومات من الجرحي، ولم يذهب إليه أحد منهم لعلم الجميع بمهمته الحقيقية . ومسارعة إسرائيل إلى الإفادة من المأساة بزعم علاج الجرحى ، ورفع بلدية تل أبيب علم لبنان على مبناها؛ يفسر حوافزَهما النفسية الماورائية التعبيرُالمشهور: “يكاد المريب يقول خذوني”. سلوك إسرائيل محاولة ليست مباشرة لإبعاد الاتهام عنها .
خامسا: أشار نتنياهو في خطاب أمام الجمعية العامة في 2018 إلى شحنة الأمونيوم في ميناء بيروت ، وإشارته تكشف متابعة إسرائيل لها ، وجديتها في الإفادة منها في الوقت المواتي، وعملها على إبراء ذمتها مسبقا عند قيامها بالتفجير، على قاعدة: “حذرناكم من قبل”، أي أنها بريئة . سادسا : الفرحة الطاغية التي أبداها موشيه فيجلين زعيم حزب ” هوية ” الإسرائيلي اليميني ؛ فرحة مريبة قد تدل على علم بيد إسرائيلية في الانفجار. قال: “اليوم يوم شكر حقيقي وكبير لله ولكل العباقرة والأبطال الحقيقيين الذين نظموا هذا الاحتفال الرائع لنا، وتكريما لعيد الحب”. “ولكل العباقرة والأبطال الحقيقيين” تلمح إلى معرفته عنهم أو بهم.
استلفت انتباه المراقبين أن حزب الله لم يتهم إسرائيل رسميا أو إعلاميا بالانفجار، ويعللون امتناعه عن اتهامها بأنه، الاتهام، يحتم رده عليها، وهو الآن ليس جاهزا له بعد المأساة، وأن الاتهام سيشعل غضب أعدائه في لبنان عليه بمنطق أن ما فعلته إسرائيل جزء من حربها معه. وعلى كل حال، حزب الله معروف بحذره وحكمته في ما يقول وفي ما يفعل، ويحسن اختيار وقت قوله ووقت فعله.
وما أكثر ما سيقال حول هذه المأساة الكبرى ، وقريبا أو بعيدا سيعرف من وراءها ، وإن كنا نرجح أن إسرائيل وراءها بآلية من الآليات.
*كاتب فلسطيني
* المصدر : موقع رأي اليوم
* المقال تم نقله حرفيا من المصدر ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع