الدكتور حسن مرهج*

لا يُخيل لعاقل أن يتوقع بأن أحد مكونات الشعب السوري، أن تصل به درجة الغدر والخيانة والخسّة إلى ما وصلت إليه ميلشيا قسد، ولا يُخيل لعاقل أن يتوقع أن مكوناً سورياً يذهب لحقل الألغام الأمريكي بقدمية، مع التأكيد أن أحد هذه الألغام سينفجر به عاجلاً أو أجلاً، ولن يجد مُداوياً له إلا من قام بطعنه والغدر به، كما لا يُخيل لعاقل أن تكون عصابة أمريكية تُدعى قسد قد بات شأنها شأن داعش جملةً وتفصيلاً في الغدر بالسوريين، بل وسرقة مقدرات الجغرافية التي احتوتهم على امتداد عقود وعقود.

نعم، أنها الأداة الأمريكية قسد، فما تقوم به في شمال شرق سوريا، يرقى إلى درجة خيانة الوطن، إذ لا يحق لهم ابرام صفقات مشبوهة مع أمريكا، التي تستغلهم وتستغل تطلعاتهم السياسية، وقد خذلتهم مراراً وتكراراً في سوريا والعراق، وستخذلهم مجدداً عند الانتهاء من ورقتهم، فقد أبرمت قسد اتفاقاً جديداً مع واشنطن بخصوص النفط، في محاولة من الكرد لتشكيل معادلة جديدة في شمال شرق سوريا، هي معادلة لن تجلب ل سوى المزيد من الانكسارات، ولا يبدو بأن ذاكرة الكرد تستحضر ذكريات الماضي القريب، فما حدث في عفرين ولاحقاً إبان القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، وما تبعه من تحركات تركية كادت أن تُهلكهم، لولا الوساطة الروسية والاتفاق مع دمشق، كل هذا يبدو أن الكرد تجاهلوه عن عمد، فهم يصرون أن يبقوا ورقة ضغط بيد واشنطن ضد دمشق، لكن في المقابل فإن دمشق وموسكو وإيران وكذا أنقرة، لن يسمحوا للاتفاق الكردي الأمريكي بأن يرى النور، خاصة أن دمشق وحلفاؤها يُعدون العدة لاستعادة إدلب، ومن ثم الوثب نحو شرق الفرات وغربه.

الاتفاق الجديد أثار حفيظة الحكومة السورية، التي أدانت عبر وزارة الخارجية هذا الاتفاق، وأعلنت أن شركة نفط أمريكية وقعت اتفاقاً مع مسلحين بقيادة الأكراد، ويسيطرون على حقول النفط في شمال شرق البلاد، واصفة الصفقة بالباطلة “لسرقة النفط السوري”. وأضافت “هذا الاتفاق يعد سرقة موصوفة متكاملة الأركان ولا يمكن أن يوصف إلا بصفقة بين لصوص تسرق ولصوص تشتري ويشكل اعتداء على السيادة السورية واستمراراً للنهج العدائي الأمريكي تجاه سوريا في سرقة ثروات الشعب السوري وإعاقة جهود الدولة السورية لإعادة إعمار ما دمره الإرهاب المدعوم بمعظمه من قبل الإدارة الأمريكية نفسها”.

حقيقة الأمر، الاتفاق الأمريكي الكردي فيما يتعلق بحقول النفط السورية، لا يحمل أبعاداً اقتصادية بقدر ما يحمل ابعاداً سياسية، ويبدو ان الكرد ورطوا انفسهم من جديد مع الأمريكي، الذي سيغدر بهم عند أول مفترق طرق، مع العلم أن الحكومة السورية مدّت يدّ العون للكرد مراراً وتكراراً ودعتهم الى دمشق للاتفاق على بنود معينة، وقدمت لهم تنازلات وساعدتهم في الحرب ضد الارهاب، وعندما حوصر الكرد طرقوا أبواب دمشق، عندما هاجمهم التركي وانقلب عليهم الامريكي، وتركهم لقمة سائغة لدى الاتراك، وغالباً سيتكرر هذا المشهد ولا نعتقد أن دمشق سيكون لها ردة الفعل السابقة نفسها.

السناتور الجمهوري ليندسي غراهام قال إن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أبلغه بالصفقة التي وقعت مع شركة أمريكية “لتحديث حقول النفط في شمال شرق سوريا” وسأل بومبيو إن كانت الإدارة الأمريكية تدعم ذلك، ورد قائلا “نعم الصفقة استغرقت وقتاً أطول مما كنا نأمل والآن نحن في مرحلة التنفيذ”.

في الختام؛ بصرف النظر عن السياسات التركية في شمال شرق سوريا ودعم الارهاب، إلا أن هذا الاتفاق إن تم سيُعطي ذريعة كبرى لـ تركيا للتدخل عسكريا ضد الكرد، خاصة أن تركيا تدرك بأن دمشق وحلفاؤها غير راضيين عن هذا الاتفاق، ما يعني بأن غطاءً من سوريا وحلفاؤها سيكون بمثابة شرعنة التدخل هذه المرة، وفي المقابل فإن الحشود العسكرية السورية تُجاه إدلب، قد تُغير وجهتها إن توافقت جُملة المصالح التركية الروسية السورية والإيرانية، ليكون المشهد القادم عنوانه الكرد وواشنطن والنفط، حينها ستُقطع يد الأمريكي من شمال شرق سوريا، وسيكون الكرد في مواجهة الحشود العسكرية السورية والمدعومة روسياً وإيرانياً، ولا نستغرب أن يكون هناك دعم تركي، خاصة أن المتضررون من هذا الاتفاق كُثر.

* كاتب فلسطيني
* المصدر : موقع رأي اليوم