من فمك تُدان يا ابن سلمان
السياسية – رصد :
باقر التاروتي*
معقدة هي الأوضاع في “السعودية” منذ تولي محمد بن سلمان للسلطة. أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية تنتشر في البلاد، التي يعيش مواطنوها في عالم من التصريحات والمزاعم التي يرسم عبرها ولي العهد صورة حالمة للبلاد العائمة على الثروات النفطية التي لا يبدو أنها تستغل سوى لمصلحة المسؤولين، فيما يحرم منها المواطن القابع تحت وطأة العجز والصدمات والقرارات والمراسيم المجحفة. ومع كل أزمة محلية أو عالمية تنهال القرارات السلمانية على المواطنين لتبتزهم وتقتص من حقوقهم، على الرغم من رؤية 2030 الاقتصادية التي أعلن أنها ستكون المنقذ من المعضلات التي تجتاح البلاد.
سنوات ولاية العهد الثلاث كانت قادرة على فضح مضامين الأسس الهشة التي وضع عليها ابن سلمان رؤيته الاقتصادية، وقد انكشف المسار المفصلي للرؤية خلال عام 2020، وباتت الرؤية في حالة من الموت السريري، حيث لم ينتج عن الرؤية أي شيء سوى المأساة الاقتصادية التي حلّت بالمواطن وتركته يصارع الانهيارات المتمخضة عن نتائج القرارات التي اتخذتها السلطة، رغم مزاعم ولي العهد بأن دوره ومخططاته ستنقل البلاد إلى مرحلة جديدة لم يسبق أن عاشها المواطن عنوانها الرفاهية، ولكن لا يبدو أن ابن سلمان يدرك معاني وماهية المفاهيم التي وضعت، فهو صاحب القرارات المتهورة، والذي يحمل هواجسا يعمد عبرها للتعامل مع من يعتبرهم خصومه بحدّ السيف.
لاشك أن الإفراط بالتفاؤل الاقتصادي الذي أدلى به ابن سلمان في مقابلته مع وكالة “ بلومبيرغ” عام 2018، حينما قال حول الرؤية “إذا حقّقنا 100%، هذا رائع… وإذا حقّقنا 50% رائع أيضاً! أفضل من عدم تحقيق أيّ شيء. لذلك، لا توجد مشكلة في رفع سقف طموحاتنا”، تصريح يبدو اليوم أبعد ما يكون عن الواقعية والتحقق على الأرض، حيث تشهد البلاد مزيد من الإخفاقات، خاصة تلك التي تولدت مع انهيار أسعار النفط الذي ادعى ابن سلمان أن الاقتصاد سيكون غير معتمد عليه وسيكون هناك بدائل لدعم الميزانية، التي لا تزال تتكبد خسائر فادحة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. ولعل القرارات المتلاحقة بفرض الضرائب تعاكس تماماً زيف مزاعمه في تصريحات عدة مع وسائل إعلام غربية ومحلية، بأن رفاهية المواطن أولى الأولويات، وأن الواقع الاقتصادي سيتحسن، إلا أنه ومنذ بدء تنفيذ قراراته بات المواطن يرزح تحت أحلام الحصول على قوت يومه فقط.
ضرائب وإعادة هيكلة
ما بين الواقع وتصريحات ابن سلمان، تتضح جملة من التناقضات، خاصة مايتعلق بفرض الضرائب التي أنهكت جميع المواطنين ولم تقترب من المسؤولين. في حواره مع “بلومبيرغ” في (أكتوبر2018) شدد ولي العهد على أنه لا ضرائب جديدة ستفرض حتى عام 2030، ولكن هذا التصريح كان مجرد ادعاء، إذ أن الضرائب توالت خلال الأعوام الماضية، وفُرضت ضريبة القيمة المضافة في أول مرحلة 5 بالمائة وارتفعت من 5% إلى 15%، بداية يونيو المنصرم، وتم إلغاء بدل غلاء المعيشة لنحو 1.5 مليون موظف حكومي، رغم قول ابن سلمان إن “الدعم الحكومي سيكون لأصحاب الدخل المتوسط وما دون، وأنه سيتم عمل برنامج إعادة هيكلة الدعم بحيث لا يتضرر أصحاب الدخل المتوسط وما دون”، ولكن هذا الأمر بعيداً عن الواقع، خاصة وأن إلغاء الدعم والعلاوات أضر بجميع المواطنين، وقد أشارت استطلاعات للرأي “أُجريت بعد مضاعفة الضريبة على القيمة المضافة إلى أن 38% من السعوديين “قلقون بشدّة” من ذلك الإجراء، وإن 51% منهم سيعمدون إلى تخفيض مستوى استهلاكهم، وهو ما ينقض التوقعات بجني قرابة 26 مليار دولار من إجراءات خفض الإنفاق”. ولعل الصدمة الكبرى التي وجهت قبل أسابيع للمواطنين، بإعلان تعليق العمل بما يسمى “حساب المواطن”، رغم ادعاء ابن سلمان أن هذا “البرنامج يهدف إلى تعويض المواطنين عن أي ارتفاع في أسعار الخدمات الأساسية كالطاقة والمياه، ولا يتأثر أصحاب الدخل فوق المتوسط وما دون من ارتفاع أسعار المياه والكهرباء والبنزين”، ولكن ذلك الادعاء يتبلور بحقيقته اليوم، مع إنهاء الحساب، وزيادة الضرائب ورفع الدعم عن السلع الأساسية، ورفع أسعار الوقود بصورة متواصلة فبدلا من زيادة أعداد المستفيدين من حساب المواطن نظراً للإجراءات المفروضة من ارتفاع الأسعار في موارد الطاقة وإلغاء البدلات تم تقليص أعداد المستفيدين!!!.
ولي العهد الذي أراد أن يبدل البلاد العائمة على ثروات النفط بالاقتصاد البديل ويخفف من اعتماد الميزانية العامة على النفط بخلق وتوفير موارد أخرى مع ضمانته الكلامية من أجل الحفاظ على قدرة الميزانية العامة والتخفيف من عجزها قال ” أن الزيادة في الميزانية لعام 2019 تجاوزت تريليون ريال لأول مرة في السعودية وارتفاع الإيرادات غير النفطية إلى 300% في الميزانية” في حواره مع بلومبيرغ ، فأين ذهب هذا الفائض في الميزانية والارتفاع لثلاثة أضعاف من المداخيل الغير النفطية حسب قول بن سلمان لكي تتخذ المملكة كل هذه الإجراءات التقشفية, يسأل مراقبون؟ التناقض العلني بين ما أعلن وما تم تنفيذه من إجراءات تقشفية لاحقة يؤكد تماما ما قاله عدد من المراقبين الاقتصادييين بالتشكيك في صحة وحقيقة الأرقام التي تطرحها السلطات.
التخلي عن الذهب الأسود
وفي سياق، التناقضات بين ما أعلنه وما نفذه ولي العهد، كان للذهب الأسود النصيب الوافر، خاصة مع محاولة ابن سلمان أن يجعله أمراً ثانوياً في عامود الاقتصاد، وفي حواره مع داوود الشريان على أم بي سي، في مايو 2017، قال “إنه تم الحفاظ على الكثير من المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير جدا، رغم انخفاض النفط”، كما سبق أن أكد خلال حوار “العربية” مع تركي الدخيل (في أبريل 2016) على أن الحكومة ستتخلص من “إدمان النفط وقال بأنه تم تأسيس الدولة بدون نفط”، وحينها أيضا “رفض تقديس أرامكو واعتبارها كأنها والنفط من الدستور الأساس للسعودية مع الكتاب والسنة ثم البترول، وقال رغم إننا نحتاج النفط لكن في 2020 لو توقف النفط نستطيع أن نعيش بدونه”؛ ولكن، ها وقد حلّت 2020، وحلّت معها جميع مصائب الاقتصاد المخالفة لما ادعاه ابن سلمان. وبالنظر إلى الإخفاقات المتتالية التي وقعت فيها برامج الرؤية، واضطرار الرياض إلى خفض اعتماداتها بقيمة 26.6 مليار دولار، يغدو التقشّف مُهدّداً للعقد الاجتماعي، ونذيراً باضطرابات، حيث أنه ادعى بأن التقشف لن يكون له مكان، بل إن الاعتماد كله سيكون على الرؤية التي أساسها الترفيه، إذ قال “في رده على سؤال الشريان إنه إذا انخفض البترول إلى ما دون 30 دولار، هل سيرجع إلى التقشف؟ فكان الرد إنه إذا مررنا في مرحلة حرجة سنرجع إلى إجراءات التقشف، ولكن إذا نجحت مبادرتنا ستجعلنا أقوى في تلقي الصدمات بشكل جدا أقوى ولن نحتاج لإتخاذ إجراءات وربط الأحزمة”، وهذا ما يدلل على فشل الرؤية وموتها الحتمي.
في هذه الآونة، تبرر السلطات إجراءاتها القاسية، بتراجع أسعار النفط في حين أنه وحسب مراقبين اقتصاديين لم يتراجع النفط إلى ما دون 30 دولاراً أي حسب ما قاله “بن سلمان” عن إمكانيته للتصدي لهذا التراجع دون اتخاد إجراءات, هذا وتلقي السلطات باللوم أيضاً على انتشار الوباء العالمي كوفيد19، ولكن، المضاعفات الناتجة عن القرارات المنضوية تحت رؤية 2030 تبرز ماهية الانتقاصات والعناوين البراقة التي أطلقها ابن سلمان ولا مكان لها على أرض الواقع، خاصة مع تخصيصه عائدات النفط من أجل المشاريع التي تضرب عصب العقد الاجتماعي في البلاد التي كانت إلى فترة قريبة تعيش ضمن دائرة البلاد المحافظة، فيما أراد هو إخراجها عبر إدخال المفاهيم الغربية المتطرفة إليها بغية جذب جيل الشباب لتأييده.
نتيجة للإخفاقات، يبرز تخفي السلطات وراء الأزمات لتبرير فشلها، لأن حزمة الإدعاءات بأن البلاد ستكون أقوى مع تنفيذ البرامج والخطط المزعومة، لا يبدو أن لها مكان على الأرض، حيث أفرزت مزاعمه الكثير من الصدمات بالنسبة للمواطنين والمقيمين، مع ارتفاع أسعار مواد الطاقة، وانتشار فايروس كورونا وانعدام القدرة بالسيطرة عليه، وما ادعاه من القدرة على امتصاص ومواجهة أكبر الصدمات، لا يبدو سوى أنه توجيه للصدمات واللكمات لوجه المواطنين الذين يعانون من ارتفاع معدلات البطالة، ونسب الفقر وغلاء المعيشة، فضلا عن أن الكلام وبسبب عدم واقعيته وصحته، يبرز تناقضه من فم المسؤولين عينهم في الحكومة نفسها وإمرة ولي العهد، فمع ادعائه القدرة على تلقي أكبر الصدمات “ولن يحتاجوا إلى اتخاد إجراءات”، في حين قال وزير المالية محمد الجدعان في حديثه مع “العربية” إن تداعيات أزمة كورونا والنفط، تفرض وجوب “أن نخفض مصروفات الميزانية بشدة”، مضيفا أن “أثر الفايروس على المالية العامة السعودية سيظهر اعتبارا من الربع الثاني من العام”، وتابع “المالية السعودية تحتاج إلى ضبط أكبر والطريق أمامنا طويل”، خاصة وأنه مع بداية يوليو، لم يستبعد أن يتم فرض ضريبة على الدخل، وهذا الأمر أثار ريبة لدى المواطنين، الذين باتوا يعانون من كثير من الضرائب ونتائجها، ولم يعد أمامهم الكثير من الخيارات للاستمرار بوضع اقتصادي أقل من طبيعي، وسط انعدام قدرة السلطات على الحد بأقل تقدير، من تفشي الوباء الذي كشف عن الحالة المهترئة للقطاع الصحي.
كورونا تتحمل المصائب
اليوم، ومع الإجراءات التقشفية المفروضة والتهديد بالمزيد منها، تقف السلطات خلف مزاعم تدايعات كوفيد19 لتبرير إجراءاتها، على الرغم من أن الوباء عالمي واجتاح معظم الدول الفقيرة منها والغنية، غير أن الإجراءات التي اتخذتها الرياض تحت ذريعة الوباء وأنهكت المواطن، لم يكن لها مثيل في غير دول، حيث أن معظم دول العالم عمدت إلى تقاسم هموم المواطن والتخفيف من الأعباء لكي تتحمل السلطة والمواطن التداعيات الناتجة عن كورونا، إلا أنه في “السعودية” الأغنى نفطياً، وجهت السلطات جميع ارتدادات الفايروس نحو المواطن وعمدت إلى تحميله تبعاته وفرضت عليه إجراءات لتمويل ميزانيتها، وهو ما لم تشهده أي من دول العالم.
ولعل فايروس كورونا، جاء ليكشف الكثير من المصائب المضمرة، أكان في القطاع الصحي، أم في الأرقام غير الصحيحة لأعداد الإصابات، فرغم أن “السعودية” ليست من الدول العشر الأكثر تضررا مقارنة بعدد السكان، إلا أن إجراءاتها كانت الأقسى بين دول العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن “دولا بينها فنزويلا المحاصرة، وأعداد الإصابات بها كبير جدا، ودونكم دولة قطر التي حسب تقرير نشرته قناة العربية على موقعها بأنها “باتت هي أكثر دولة تضم إصابات بفيروس كورونا مقارنة بعدد سكانها متجاوزة كلا من أمريكا وإيطاليا” لم يعمدوا إلى اتخاذ مثل تلك الإجراءات التي اتخذت في السعودية”. وهنا، تحضر أسئلة عن حقيقة ما قيل عن التلاعب بأرقام الإصابات، ما يعني أن المصيبة مزدوجة، فهي إما أنها لا تعلن الأرقام الحقيقية أو أنها تتذرع بجائحة كورونا لسحب ما تبقى من جيب المواطن وأنها تتبع سياسة التهويل من أجل دعم ميزانيتها من جهة ثانية، فيما يعاني المواطن من كل صوب من انعدام الحقيقة.
في خلاصة القول، لا بد من التأكيد على أن ما أدلى به ولي العهد مخالف مع ما ينفذ، وما ادعاه لم يكن له مكان على أرض الواقع، وعلى وجه الخصوص اليوم، حيث تبرز انعدام أهليته لقيادة البلاد التي بانت أنها في مرحلة الكهولة الاقتصادية، وسط مبررات الرياض بأن كل إجراءاتها تأتي نتيجة الأزمة النفطية، بعد أن سعى ابن سلمان للتخلي عن النفط ما يثبت أن المبادرة أو الرؤية السلمانية فاشلة، وليس باستطاعة البلاد تلقي الصدمات سواء أزمة النفط أو كورونا. الأزمات، بولاية عهد ابن سلمان تشي بأن “العمر الاقتصادي والمالي للسعودية، بات في مرحلة العد العكسي، ووضع البلاد على سكة الانهيار وصولاً الى الموت السريري، ما يعني أن خط هذا الانهيار سيؤول لامحالة إلى دفع السلطة نحو مصير مجهول، تلعب بخياراته المؤدية نحو الهاوية العادات التي تأصلت في المجتمع النفطي، ولا يمكن الاستعاضة عنها اجتماعيا بسهولة والتي ستتحول إلى عبء على الناس ضمن نظام البلاد القائم على تقديس “العائلة المالكة” وإهمال المواطن، الذي يبدو أن إنذاراً خطيراً يواجه مستقبله بمزيد من الإجراءات التقشفية الحادة خاصة الضريبة على الدخل، ما يعني، أن ” “السلطات السعودية مقبلة على صيف وخريف حارين جداً، وسنين من القحط كسنيي يوسف، ولعل خير دليل على ذلك أنك من فمك تدان يا ابن سلمان فلا في” جبال مران” نجحت حربك ولم تستطع أيضا نقلها إلى وسط “طهران”“.
* المصدر : الوكالة العربية للأخبار
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع