“مبادرة “الرئيس أحمدي نجاد للسعودية بشأن الحرب في اليمن .. حقيقتها ومضمونها
طالب الحسني *
نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية ما قالت أنها مبادرة يتبناها الرئيس الأيراني السابق السيد أحمدي نجاد ووجهت إلى محمد ابن سلمان بشأن إنهاء الحرب في اليمن، ملخص الرسالة “المبادرة” أن يتولى نجاد «تشكيل لجنة تضم عدداً من الشخصيات الموثوقة عالمياً والمعنية بالحرية والعدالة لإجراء محادثات مع الطرفين المتخاصمين (في اليمن) وذلك بهدف إنهاء الأزمة وإحلال السلام والصداقة.
قبل أن نفكك “الرسالة” يجب أن ننوه إلى أن حساب أحمدي نجاد على تويتر لم يتبنى حتى الآن هذه المبادرة، وبالتالي إما ان تكون غير صحيحة أو أن السيد أحمدي نجاد بصدد انتظار الرد السعودي قبل أن يعلن ذلك رسميا . وكل هذا وارد خاصة إذا دققنا في موقع نجاد الحالي في إيران.
دعونا نناقش الأفكار التي وردت في هذه “المبادرة” على ضوء الإحتفاء السعودي بها.
– يخاطب نجاد السعودية باعتبارها طرف لا علاقة له بالحرب ويمكن أن تلعب دورا وسيطا ومساعدا لوقف الحرب التي يعتبرها ( بين الطرفين )
– يعتبر نجاد السعودية غير راضية عن هذه الحرب ومتضررة وحريصة على وقفها ولكنها بحاجة إلى مساعدة دولية وإقليمية “لإقناع ” الأطراف ” المتحاربة ” في اليمن على إيقاف النزاع وإحلال السلام .
– يخاطب نجاد محمد ابن سلمان ، وليس الملك سلمان ابن عبد العزيز
– يخاطب الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في ” المبادرة ” السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بصفته قائد لحركة أنصار الله ، ويستبعد من ” الرسالة ” المجلس السياسي الأعلى الحاكم في اليمن برئاسة المشير مهدي المشاط ، وكذلك يستبعد حكومة الإنقاذ الوطني ( حكومة إئتلافية تضم عدد من الأحزاب السياسية من بينها المؤتمر الشعبي العام )
كل هذه النقاط التي ذكرتها ، هي نقاط تعتبرها السعودية ركائز للتعامل مع ” الأزمة ” في اليمن ، فالرياض حريصة أن تقدم نفسها باعتبارها طرف يمكنه أن يكون وسيطا وأن يحتضن مفاوضات برعايته وإشرافيه مثلما فعلت مثلا في المبادرة الخليجية خلال الربيع العربي في اليمن 2011 ومثلما يفعل الآن مع ” حكومة عبدربه منصور هادي ” و ” الانتقالي الجنوبي ” لإيقاف الحرب بين الطرفين في المحافظات الجنوبية اليمنية .
هذه مقاربة خاطئة تماما وغير مقبولة من الجانب اليمني المتمثل بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الانقاذ الوطني ، فالسعودية طرف رئيس في العدوان وهي من تقود الحرب منذ مارس 2015 بعد أن شكلت تحالفا ” عربيا ” واقليميا وأفريقيا ، وبمساندة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ، وهي أيضا من تقود حصارا جويا وبريا وبحريا على اليمن منذ لك الحين ، ومن يقوم بهذا الدور ليس طرفا مساعدا على الإطلاق بل طرف رئيس .
علىنا التذكير وربما أيضا للرئيس أحمدي نجاد إن كانت ” المبادرة ” فعلا من طرفه ، أن السعودية كانت قد دعت إلى مؤتمر في الرياض يشابه ما طرح في ” الرسالة ” تتضمن الدعوة حضور أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام إلى الرياض ولكن باعتبارهم طرف ” انقلابي ومتمرد ” وهو مارفض تماما ولا يزال مرفوض حتى اللحظة ولن يكون مقبولا مستقبلا ، على الرغم من المفاوضات السرية التي تقوم بها السعودية مع الفريق الوطني اليمني المفاوض والذي يقيم في العاصمة العمانية مسقط ، ولكن هذه المفاوضات ندية ، وتجري بين اليمن والسعودية .
ما يحصل في اليمن يتجاوز تماما أي طروحات مشابهة ” للمبادرة ” المنسوبة للرئيس السابق أحمدي نجاد ، وخاصة مع الفشل العسكري السعودي في تحقيق رغبة الرياض والولايات المتحدة الأمريكية في إعادة الوضع في اليمن مثلما كان في السابق ” دولة ” تحت الوصاية الخليجية والهيمنة الأمريكية ، إنها رغبة شيطانية مدمرة لا تريد الاعتراف باليمن كدولة مستقلة وغير تابعة ، شعور متجذر في الدول الخليجية منذ عقود ، مقتضاه أن اليمن يجب أن يكون دولة ناقصة ” الأهلية ” لا يجب أن ينهض لأنه سيشكل بالتالي ” خطرا ” على الأمن القومي الوطني للخليج ، وربما أيضا تهديد وجودي ” هذا ما يقوله ” إمراء المملكة ” لن نستطرد في شرح نقاط ومراحل عديدة مؤلمة تؤكد ما نقوله تماما بشأن كيف تنظر دول الخليج إلى اليمن على الأقل منذ 50 عام .
نعود إلى ” المبادرة ” التي تقول السعودية أنها رسالة من الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد ، نذكر أنه لم يتبناها رسميا ولكننا نناقشها باعتبارها أفكار تحتفي بها الرياض ، هي أمنيات للخروج من المستنقع اليمني ، وربما آخر الأوراق التي تراود السعودية مع صعوبة تحققها الآن بعد أقسى حرب عدوانية واجهها اليمن ، دمرت بنتيها التحتية وقتلت ما يزيد عن 100 ألف انسان حتى الآن ، هذه الحصيلة لا يمكن إسقاطها بمبادرة تعتبر السعودية طرف ليس له علاقة بهذه الحرب ولا بتداعياتها ، جنون كبير الإعتتقاد بأنه يمكن قبول صفقة تسقط تماما هذه الحرب من على كاهل السعودية حاضرا ومستقبلا .
” النزاع الداخلي ” هو جزء طفيف من الحرب التي تحصل في اليمن ، السعودية والإمارات استخدمتا أحدث الطائرات الأمريكية وقصفت اليمن بما يقارب 300 ألف غارة جوية ، وتصل خسارة اليمن إلى ما يزبد عن 200 مليار دولار ، 20 مليون انسان مهددون بانعدام الأمن الغذائي ، السبب الرئيس في ذلك ليس ” النزاع ” الداخلي ، بل الحصار المطبق وإغلاق 5 موانئ يمنية على الأقل ، إغلاق جميع المطارات اليمنية بما في ذلك المدنية ، هذا لا يمكن أن يعتبر نزاعا داخليا ، الأطراف الداخلية لا تمتلك السلاح والقدرة العسكرية التي يمكن أن يحدث كل هذا التدمير لليمن .
في المقابل عندما يستهدف اليمن العمق السعودي بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وتتحدث المؤسسة العسكرية في العاصمة صنعاء بتوسيع مروحية أهدافها لتشمل 300 هدف عسكري وحيوي في السعودية والإمارات ، وتعترف الرياض بهذا الإستهداف والذي كان أكبره ضرب أرامكو في خريص وابقيق واوقف نصف انتاج السعودية من النفط 2019 ، هو يؤكد أن الحرب يمنية سعودية وبالتالي لا يمكن للرياض ان تكون طرف يمكن ان يمثل وسيط .
* المصدر : موقع رأي اليوم