دخول تركيا في الأزمة اليمنية.. الأهداف والرؤى
السياسية – رصد :
إن تبعات تورط تركيا في ملف اليمن كبيرة جدا في حد ذاتها، وهذا سيؤدي إلى مواجهة أكثر خطورة بين محور الإخوان في المنطقة (قطر وتركيا) والمحور السعودي الإماراتي المصري، وهذا سيزيد من حساسية مصر والسعودية والإمارات فيما يتعلق بتحركات تركيا، التي يشار إليها باسم التحركات التي تهدف إلى تقويض الأمن العربي.
شهدت الأمم المتحدة خلال الفترة السابقة، مواقف عديدة لم يسبق لها مثيل تقريباً من قبل تركيا، بشأن توجيه انتقادات للدول المشاركة في العدوان على اليمن، وخاصة الإمارات في الأسابيع الأخيرة، وتشير التقارير الحالية، إلى أن تركيا تجنّد المرتزقة الذين يقاتلون في سوريا، لإرسالهم إلى اليمن لدعم حزب الإصلاح المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا الصدد، زعم رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هناك معلومات تفيد بأن القوات التركية تنقل مجموعة من القوات المسلحة السورية (المرتزقة) من عفرين إلى قطر مقابل دفع آلاف الدولارات لهذه القوات لنقلها إلى اليمن.
وبناءً على ذلك، يبدو أن تركيا تدخل الآن على خط الملف اليمني على الرغم من ممانعتها ذلك خلال السنوات الماضية، والآن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الأهداف التي تنوي تركيا تحقيقها من خلال الدخول في اليمن وما آثار ذلك على الأزمة اليمنية وعلى التطورات الإقليمية؟
وكالة الأمن التركية واستراتيجية استخدام المرتزقة السوريين
في السنوات الأخيرة، زادت الحكومة التركية تدريجياً من دور مجلس الأمن التركي، برئاسة هاكان فيدان، في بعض الملفات الإقليمية المهمة، ولا سيما في سوريا. وأدى ارتياح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أداء المنظمة إلى دفعها للعب دور أكثر بروزًا في السياسة الخارجية التركية.
تتعامل المنظمة على وجه التحديد مع القضية الليبية وتلعب دوراً رئيساً في دفع استراتيجيات تركيا في هذا الملف، بما في ذلك وجود هاكان فيدان في معظم زيارات الوفد التركي إلى طرابلس وفي معظم الاجتماعات المتعلقة بالقضية الليبية وقد أثنى الرئيس التركي مؤخرًا على الدور الإيجابي للوكالة في ليبيا.
وفي هذا الصدد، من المهم ملاحظة أنه بعد أن دخول الوكالة في الملف الليبي، قامت بتصميم وتنفيذ خطة يتم بموجبها إرسال القوات المسلحة التي تقاتل في سوريا إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطنية. واستطاعت هذه الخطة، ضمن خفض التكاليف المالية والخسائر البشرية لتركيا، مساعدة حكومة الوفاق الوطني وحتى تغيير حالة قوات فائز السراج من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم, بسبب الخبرة العالية لهذه القوات في الحرب الأهلية السورية لسنوات عديدة.
هذه الخطة التي أسفرت عن نتائج جيدة لتركيا حتى الآن في ليبيا، دفعت مجلس الأمن التركي إلى تنفيذ السيناريو نفسه في اليمن. وفي هذا السياق؛ يمكن الإشارة الى تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان الصادر في أواسط شهر حزيران كدليل على هذا الادعاء، والذي على أساسه كانت قوات المخابرات التركية قد أقامت في عفرين بسوريا غرفة عمليات لنقل المرتزقة السوريين للمشاركة في الحرب اليمنية. لذلك، يبدو أن استخدام المرتزقة السوريين أصبح استراتيجية رئيسية لجهاز الأمن التركي لمتابعة أهدافه في الملفات الإقليمية الحساسة.
الغايات التركية من الدخول في أزمة اليمن وتبعاتها
بشكل عام، يبدو أن تركيا لديها العديد من الأهداف الرئيسة من دخولها الملف اليمني، والتي تعتمد فيها بشكل رئيس على وكالة الأمن التركية وهي كالتالي:
1 – تعتزم تركيا زيادة وجودها ونفوذها في مضيق باب المندب من خلال دعم الجماعات القريبة منها في اليمن، وبالنظر إلى توفر وإمكانية استخدام قاعدة عسكرية في الصومال، وهي أقرب قاعدة عسكرية تركية لتلك المنطقة، فإن ذلك يسهل الأمر للأتراك.
2. فيما يقترب الملف السوري من التوصل إلى نتيجة نهائية ومع وجود اتفاقيات بين تركيا وإيران وروسيا في هذا الصدد، تعتزم تركيا استخدام بعض من مرتزقتها المسلحين المقربين منهم والذين انتهت صلاحيتهم في سوريا لاستخدامهم في ملفات أخرى في المنطقة من أجل تحقيق أهدافها.
3 – تنوي تركيا تعزيز جبهة الإخوان المسلمين في الملف اليمني، من خلال اتباع ذات الاستراتيجية السياسية التي اتبعتها في السنوات الأخيرة، لفتح جبهة جديدة ضد المحور السعودي الإماراتي، بسبب قربها الجغرافي من البلدين حيث لديها فرصة جيدة لإلحاق الأذى بهم، ومن ناحية أخرى، فإنها تزيد من قدرة تركيا على المساومة في ملفات أخرى في المنطقة، حيث تواجه بطريقة ما هذا المحور.
4 – في السياق الحالي للأزمة اليمنية، خاصة التطورات في جنوب اليمن، التي تدخل في وضع حرج وحاسم، لا تنوي تركيا من خلال اتخاذ موقف سلبي، التأخر عن منافسيها الإقليميين الآخرين، الذين يلعبون دوراً مهمّاً في هذه المنطقة الاستراتيجية، لذلك لا تركز اعتبارات تركيا فقط على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما تأخذ تركيا بعين الاعتبار دور جمهورية إيران الإسلامية في هذا الملف.
من ناحية أخرى، فإن تبعات تورط تركيا في ملف اليمن كبيرة جدا في حد ذاتها، وهذا سيؤدي إلى مواجهة أكثر خطورة بين محور الإخوان في المنطقة (قطر وتركيا) والمحور السعودي الإماراتي المصري، وهذا سيزيد من حساسية مصر والسعودية والإمارات فيما يتعلق بتحركات تركيا، التي يشار إليها باسم التحركات التي تهدف إلى تقويض الأمن العربي. وفي هذا السياق، سيكون لتدخل تركيا الأكثر جدية في الأزمة اليمنية مع قطر، تأثير كبير بلا شك على علاقات قطر مع الدول المحاصرة، بالإضافة إلى التأثير وتعقيد معادلات القضايا الأخرى، بما في ذلك الملف الليبي.
* المصدر : موقع الوقت التحليلي
* المادة : تم نقلها حرفيا من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع