ترامب أم بايدن: مستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
الدكتور عماد البشتاوي*
أشهر قليلة تفصلنا عن انتخابات الرئاسة الأمريكية وتحديداً في الثالث من تشرين ثاني 2020 ونتساءل كعرب وكفلسطينيين، من سيفوز؟ وهل الفائز سيغير المعادلة؟ من هو صانع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس أم المؤسسات؟
في البداية يجب أن نشير إلى أن النظام السياسي سواء أكان ديمقراطياً أم ديكتاتورياً فانه يحكم من خلال النخبة الحاكمة (السياسية و الأمنية و العسكرية و الاقتصادية بالإضافة لجماعات الضغط أو المصالح, واللوبيات).
فالنظام الديكتاتوري يحكم من قبل فرد إلا انه محاط بنخبة حاكمة متمثلة بقيادة الحزب الحاكم و المستشارين و المقربين ,يستشيرهم أو يطلب رأيهم ( شروط و ظروف وتوقيت و نتيجة المشاورات يحددها الرئيس أو الأمير حسب رأي مكيافيللي ), وهو صاحب القرار النهائي بعد أن تقليب الآراء . وبالنسبة للنظام الديمقراطي و تحديداً النظام السياسي الأمريكي – محور هذا المقال – فنلاحظ انه و بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسة , يقوم الرئيس المنتخب و بناء على الصلاحيات الممنوحة له حسب الدستور الأمريكي, بتشكيل فريقه أو طاقمه الذي سيدير به الحكومة و الدولة لمدة أربع سنوات من: سفراء و وزراء و مستشارين وقادة أجهزة أمنية و عسكرية و استخباراتية , و بالمحصلة يصبح هذا الفريق أو هذه النخبة هم صناع القرار.
أما العلاقة بين الرئيس و الكونجرس – الذي يتشكل عادة من الحزبين الكبيرين ( الديمقراطي و الجمهوري )– فهذا مرتبط بتشكيلة الكونجرس فإذا كانت الأغلبية بشقيه( النواب والشيوخ) من حزب الرئيس فان القرارات تمر بيسر و بسهولة , أما إذا كان أحدهما أو كليهما من الحزب المنافس فان ذلك يعيق – لكن لا يمنع – الرئيس من التحرك , و هناك عشرات الأمثلة في هذا الاتجاه , وذلك ضمن سياسة التنازلات أو المساومات المتبادلة بين الرئيس و المعارضة داخل الكونجرس .
فوجئ البعض من التبدلات والتبديلات التي أجراها ترامب في المناصب العليا في الادارة الأمريكية , وكذلك من تقلباته و انقلاباته في علاقاته مع أصحاب هذه المناصب. وكان التساؤل الذي يراود الأذهان أين الكونجرس و الاعلام و الشارع الأمريكي من كل ما يجري (قبل حادثة مقتل جورج فلويد) ؟ نعم لم يتحرك الكونجرس و الشارع الامريكي, لأن كل ما قام به ترامب يقع في دائرة صلاحياته واختصاصه . و أكثر من ذلك فان شعبية ترامب وفق استطلاعات الرأي حتى بداية هذا العام أي مع مطلع 2020 هي الأعلى وكان الأوفر حظاً للفوز بولاية ثانية , على الرغم من كل ما قيل حول شخصيته و صفاته, سواء من قبل المواطنين أو علماء النفس – حسب تقرير أعده مجموعة من علماء النفس الأمريكيين – أو حتى من خلال الكتب و المذكرات التي نشرها أبرز مستشاريه و مقربيه. ومع كل ذلك قد كانت شعبيته هي الأعلى , ان ما يهم المواطن والناخب الأمريكي هو الاقتصاد وهذا ما أنجزه ترامب للشعب الأمريكي مدعوماً بخطاب شعبوي يعزف من خلاله على مشاعر التطرف و العنصرية لدى شريحة من الشعب الأمريكي .
لكن الحدث الدراماتيكي وغير المتوقع و الذي عصف بترامب و شعبيته هو أزمة كورونا, و لاحقاً حادثة مقتل جورج فلويد , و التي جاءت متزامنة مع ذروة الانكماش و الجمود الاقتصادي و ارتفاع نسبة البطالة إلى أرقام قياسية. ومن الملفت للنظر هنا ان مقتل فلويد أثار المخاوف من خطر الانقسام الذي يهدد المجتمع الأمريكي بفعل هذه السياسة العنصرية . أليس هذا المجتمع المتخوف الآن هو نفسه الذي انتخب ترامب؟ كيف انتخبه ؟ مع أن خطابه العنصري كان بيناً و واضحاً منذ الدعاية الانتخابية عام 2015 و ما قبلها .
و فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط و مستقبلها ما بين ترامب و بايدن , ندرك تماماً أن للولايات المتحدة الأمريكية سياسة ترتكز على ثوابت ثابتة نسبياً, و لكنها تتباين و تختلف من حيث التكتيكات و الأسلوب من رئيس لآخر . إن من أبرز هذه الثوابت الحفاظ على وجود إسرائيل و أمنها, و الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة , ومنع ظهور قوة إقليمية تهدد إسرائيل والمصالح الأمريكية . أما المتغير في السياسة الأمريكية فهو هامش الحركة الإسرائيلية بمقدار تعارضها أو انسجامها مع المصالح الأمريكية .
إن الخطوط العامة التي امتازت بها إدارة ترامب في الولاية الأولى, – والتي من المتوقع أن يستمر بها في حال إعادة انتخابه لولاية ثانية – تمتاز بتناسق و تماهي كبير مع السياسة الإسرائيلية , و هذا ما بدا واضحاً و جلياً على مدار السنوات الثلاث الماضية, سواء على صعيد القضية الفلسطينية , أو على صعيد الملف الإيراني , و توثيق ( التحالف ) أو ( الهيمنة ) مع دول الخليج العربي و مصر والاردن , وذلك من خلال إثارة مخاوف هذه البلدان من إيران من جهة, ومن جهة أخرى التقارب بل والتنسيق مع إسرائيل بما ان ايران هي (العدو) المشترك . وفيما يتعلق بالملفات الساخنة مثل سوريا وليبيا و العراق, فقد اتبع ترامب سياسة الانسحاب التدريجي, وكان في طريقه للانسحاب الكلي من هذه الملفات عسكرياً, مع عدم التنازل عن الدور الأمريكي في رسم مستقبل هذه البلدان بما يخدم مصالح الولايات المتحدة و مصالح حليفتها إسرائيل, وذلك من خلال قوى إقليمية تقوم بهذا الدور.
ومن خلال تتبعنا لموضوع التدخلات العسكرية فإننا نلاحظ أن ترامب هو ( ظاهرة صوتية ) فيما يتعلق بالحروب و التدخلات العسكرية , فهو يهدد و يتوعد و يزمجر, و لكن سرعان ما يتحول إلى النقيض تماماً, و هذا ما حدث مع كل من: الصين و إيران و كوريا الشمالية و فنزويلا و سوريا , لأنه يتخوف من النتائج السلبية لهذه التدخلات على مستقبله الانتخابي . و نحن نعرف تماماً ان هاجس الفوز بالانتخابات ,هو المحرك الوحيد لسياسات ترامب داخلياً و خارجياً , و هذا ما أكده أيضاً جون بولتون في مذكراته مؤخراً .
وبالنسبة للمرشح الديمقراطي جو بايدن فمن المتوقع في حال فوزه بالانتخابات ( هذا مرتبط باستمرار الأزمة الاقتصادية ) , أن تكون سياساته امتداداً لسياسة أوباما بخطوطها العامة مع مراعاة التغيرات الإقليمية و الدولية التي استجدت وستستجد في مرحلة ما بعد كورونا من ناحية و من ناحية أخرى قيام الدول الكبرى- الإقليمية والعالمية – بإعادة ترتيب أوراقها و تحالفاتها, لاسيما وان ترامب خلق لها التربة الخصبة لذلك, إن لم نقل أنه دفعها دفعاً بهذا الاتجاه .
نستطيع أن نستقرأ بعض ملامح سياسة بايدن في المنطقة , من خلال تحليل سجله السياسي الطويل, وخاصة على صعيد السياسة الخارجية بحكم خبرته السياسية في هذا المجال, و كذلك من خلال عمله كنائب للرئيس أوباما , بالإضافة لتصريحاته ومقابلاته ضمن ( الدعاية الانتخابية ).
نلاحظ ان هناك تخوفاً مصرياً و خليجياً من وصول بايدن للبيت الابيض – ومن الممكن استثناء قطر التي تشعر بالرضا بسبب الانتقادات و الملاحظات التي وجهها بايدن لهذه الدول ولقادتها – والذي من المتوقع أن يتخذ سياسة أكثر حزماً ضمن سياسته فيما يتعلق بإعادة ترتيب العلاقات معها , بعيداً عن موضوع الابتزاز المالي الذي أصبح في عهد ترامب ملازماً لكل حديث أمريكي عن الخليج العربي بشكل سافر ومستفز، وعلى الرغم من كل ما قام به ترامب من ابتزاز لها فان دول الخليج متخوفة – في حال فوز بايدن – من أن تكون عملية تحسن العلاقات الإيرانية الأمريكية , أو العودة للعمل بالاتفاق النووي على حساب مصالحها وعلى حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة. كما ان السعودية و الإمارات متخوفتان من دعوات بايدن لهما بإيقاف الحرب في اليمن ,مع تأكيده على إستراتيجية العلاقات مع دول الخليج العربي .
وفيما يتعلق بمصر فان ملف حقوق الانسان سيكون الورقة التي سيضغط بها بايدن على مصر , متوعداً بأنه لن يمنحها صكوكاً بيضاء بعد الآن , واصفاً رئيسها ب (ديكتاتور ترامب المفضل ) و هو المصطلح الذي أطلقه ترمب سابقاً على الرئيس السيسي.
وبالنسبة لفلسطين فان الوضع بجميع حالاته سيكون أفضل من دون ترامب ,كما وسيكون بوسع الفلسطينيين داخلياً إعادة ترتيب البيت الداخلي, وخارجياً ستعود العلاقات الفلسطينية الأمريكية الى ما كانت عليه في عهد أوباما على أقل تقدير . ومن المؤكد ان بايدن لن يكون متسرعاً في تنفيذ سياسات و مخططات نتنياهو, ليس بسبب عدم اقتناعه بها بل لأن الوقت و الظروف لا تسمح بذلك, فلدى الإدارة الأمريكية مشكلاتها وأولوياتها , و خصوصاً مواجهة الأزمة الاقتصادية المتشعبة و المركبة التي تعيش تحت وطأتها , يضاف الى ذلك الخطر الحقيقي المستقبلي المتمثل ب الصين , ومن المؤكد أن يكون الشرق الأوسط من أهم محطات هذا الصراع و التنافس الأمريكي الصيني .
وفيما يتعلق بملف العلاقات مع إيران , فمما لا شك فيه أن إيران سترحب بأي خليفة لترامب , فما بالنا إذا كان القادم الجديد للبيت الأبيض هو بايدن , الذي وقع الاتفاق النووي في عهد رئيسه اوباما عام 2015 , وفي جميع الأحوال فان إيران تعتبر بايدن أهون الشرور أو أحلى الأمرين .
و على صعيد الأزمات و الجبهات الملتهبة عسكرياً و تحديداً ليبيا و سوريا و العراق , فان فهم سياسة بايدن يتم من خلال فهم سياسة أوباما لأن هذه الأزمات اندلعت في عهده, لكن الفارق هنا ان أوباما كان لديه تصوراً ورؤية لمستقبل المنطقة في ظل ( الربيع العربي ) , لكن هذه الرؤية لم تعد ذات جدوى بعد مرور عقد من الزمن , لأن الظروف و المعطيات و بالتالي التصورات سيعاد رسمها, باتجاه محاولة ايجاد تسويات سياسية بعد انهاء المرحلة الأولى من ( الربيع العربي ) تراعى فيها مصالح الدول الكبرى- العالمية و الإقليمية – المنخرطة بهذه الأزمات بشكل مباشر أو غير مباشر.
*أستاذ العلوم السياسية جامعة الخليل- فلسطين
* المصدر : موقع رأي اليوم
* المادة : تم نقلها حرفيا من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع