إعداد/ محفوظ الفلاحي
في تطور قوي للصراع السياسي والعسكري المرتبط بالأزمة الليبية والتنافس المصري – التركي في ليبيا أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السبت الماضي تحذيراً وتهديداً وصف بالقوي بالتدخل العسكري المصري المباشر في ليبيا إذا لزم الأمر .
واشار في كلمته الموجة للجيش المصري ان ذلك لن يكون إلا في حال تقدمت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا في مدينة سرت .
وقال الرئيس السيسي” إن سرت والجفرة إلى الجنوب منها تمثلان “خطا ً أحمر” وأنه إذا تم تجاوز هذا الخط، فستتدخل القوات المصرية بشكل مباشر في ليبيا.
الخطوة المصرية أثارت الكثير من التساؤلات حول إمكانية اندلاع حرب مصرية – تركية في ليبيا وما إذا كانت خطوة حتمية وضرورية بالنسبة لمصر ولمصالحها ومخاوفها من تطورات الوضع في ليبيا والتدخل التركي هناك أم أنها استجابة لفخ نصب لمصر في ليبيا وسيناريو رسمته أطراف دولية وإقليمية لتوريط مصر في حرب لا تخدمها ولا تخدم استقرار المنطقة بقدر ما تخدم أهداف أطراف أخرى كالسعودية والإمارات وإسرائيل أيضا علاوة على مدى إمكانيات مصر على التورط في هذه الحرب وانعكاساتها عليها على المدى الطويل.
الظروف العسكرية التي دفعت لهذا الموقف:
كما نعلم أن الصراع الدائر منذ 2015 على السلطة في ليبيا أفرز طرفين متنازعين رئيسيين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج المدعومة من تركيا والمتمركزة في طرابلس في غرب ليبيا، والقائد العسكري خليفة حفتر الذي يدعي شرعية من برلمان منتخب مقره في طبرق في شرق ليبيا والذي يحاول بدعم من مصر وروسيا والإمارات منذ إبريل من العام الماضي الاستيلاء على العاصمة طرابلس دون جدوى على الرغم من وصول قواته إلى ضواحي طرابلس.
ومنذ بداية يونيو الجاري مكّن الدعم التركي المتزايد القوات الموالية لحكومة الوفاق من السيطرة على غرب ليبيا منهية هجوم وتهديد قوات حفتر على طرابلس واستمر تقدم قوات حكومة الوفاق وانسحاب قوات حفتر إلى خارج مدينة سرت الساحلية، وهي نقطة وصول استراتيجية إلى حقول النفط الرئيسية في ليبيا، التي لا تزال تحت سيطرة حفتر.
ومع تواصل القوات الموالية للحكومة الليبية هجومها نحو سرت، المدينة الاستراتيجية على البحر المتوسط جاء تحذير الرئيس المصري من أنه إذا تقدمت قوات حكومة الوفاق في مدينة سرت فقد يدعو ذلك القاهرة إلى التدخل المباشر قائلا إن سرت والجفرة إلى الجنوب منها تمثلان “خطا أحمر” وقال السيسي إنه إذا تم تجاوز هذا الخط فستتدخل القوات المصرية بشكل مباشر في ليبيا.
وتعتبر مصر الخط الواصل بين سرت والجفرة شديد الحساسية ويمس مباشره بأمنها القومي لذلك تحركت منذ أسبوعين تقريبا ميدانيا بإرسال أرتال عسكرية ضخمة للحدود الغربية والنظر فيما يمكن فعله على ضوء التطورات.
حيثيات واهداف التدخل المصري بحسب الرئيس السيسي:
كان لتحذير الرئيس السيسي دلالة كبيرة كونها كانت أمام أفراد الجيش المصري خلال تفقده الوحدات المقاتلة للقوات الجوية المصرية في المنطقة الغربية العسكرية بحضور وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش المصري وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.
ومن أبرز ما جاء في كلمة الرئيس المصري وحملت عدة رسائل للقوى الخارجية:
* “أن مصر تقف “ أمام مرحلة فارقة..تتأسس على حدودها تهديدات مباشرة..من العدوان الذي تشنه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة بدعم كامل من قوى” خارجية.
* “إذا كان يعتقد البعض أنه يستطيع أن يتجاوز خط سرت أو الجفرة فهذا بالنسبة لنا خط أحمر”.
وفي إشارة إلى استعداد مصر للتدخل عسكرياً وبشكل مباشر قال السيسي أن “الجاهزية والاستعداد القتالي للقوات صار أمراً ضرورياً وحتمياً في ظل حالة عدم الاستقرار والاضطرابات التي تسود منطقتنا”.
ووجه السيسي رسالة للجيش المصري قال فيها: “الجيش المصري من أقوي جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد .. يحمي ولا يهدد .. يؤمن ولا يعتدي .. تلك هي عقيدتنا وثوابتنا التي لا تتغير .. كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة داخل حدودنا وإذا تطلب الأمر خارج حدودنا”.
واعتبر السيسي “إن اي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة لجهة حق الدفاع عن النفس أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي، مجلس النواب” في إشارة إلى أن رئيس البرلمان الليبي المتمركز في طبرق عقيلة صالح كان قد “ناشد لبرلمان المصري” في يناير الماضي ودعا إلى تدخل مصري في ليبيا، ومن جانبهم فوض نواب البرلمان المصري وفي كلماتهم التي ألقوها خلال جلسة استضافة عقيلة صالح الرئيس السيسي لاتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة للحفاظ على الأمن القومي المصري.
وحدد السيسي أهداف التدخل المصري المحتمل بأنه “حماية وتأمين الحدود الغربية” لمصر “بعمقها الاستراتيجي”، و”سرعة استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي”.
وحيث و أن الحدود الليبية المصرية تتجاوز الـ1200 كيلومتر وليست مأهولة بالسكان، ويرى مراقبون أن مصر تتخوف من حدوث عمليات تسرب من حدودها وأن تتحول ليبيا إلى حاضنة جديدة للدواعش وبقية الجماعات الأصولية الإرهابية، بدعم وتشجيع من تركيا وقطر، الأمر الذي يضع مصر في مواجهة الخطر الأعلى من التهديد.
كما شدّد السيسي على أن من أهداف أي تدخل مصري أيضا “وقف إطلاق نار فوري وإطلاق مفاوضات العملية السياسية الشاملة برعاية الأمم المتحدة وفق مقتضيات مؤتمر برلين وتطبيقا لإعلان القاهرة”.
مخاوف مصر من تطورات الوضع في ليبيا والتدخل التركي:
مخاوف أمنية:
تنطلق هذه المخاوف من أن ليبيا تؤثر كثيراً على الأمن القومي المصري بسبب حدودها المشتركة البرية التي تمتد مئات الأميال والبحرية التي تشكل في بعض الأحيان حدوداً متداخلة ولعل ذلك ما حدا بمصر إلى إجراء مناورات بحرية على الحدود مع ليبيا لإظهار قوتها العسكرية وقدرتها على التدخل في الشأن الليبي.
وتتخوف مصر من أنه إذا ما قدر لقوات وميليشيات حكومة الوفاق السيطرة على المدن الليبية الشرقية لاسيما المتاخمة للحدود المصرية الزج بالميليشيات المتطرفة إلى داخل العمق المصري والقيام بعمليات إرهابية خاطفة، وسبق أن تسلل إرهابيون من الحدود الليبية ونفذوا هجمات داخل مصر.
وجاء الموقف المصري الأخير نتيجة متغيرات جرت على الأراضي الليبية خلال الفترة الأخيرة والمتمثلة في سعي قوات حكومة السراج التقدم نحو مدن الشرق الليبي المتاخمة للحدود المصرية خاصة أن مصر تعتبر أن هذه القوات تشكيل من ميليشيات وتنظيمات إرهابية جلبت من سوريا وهو ما تعتبره القاهرة تهديد لأمن مصر بشكل مباشر.
مخاوف اقتصادية:
لمصر مصالح اقتصادية في ليبيا التي تمثل سوقًا هائلة للعمالة والمنتجات المصرية، ويمكن أن تكون أحد مصادر النفط الرخيص لمصر، ولمصر مصالح في البحر الابيض المتوسط تتمثل في حقول الغاز والتي تنظمها الاتفاقيات المصرية اليونانية القبرصية، كما أن هناك الملايين من العمالة المصرية العاملة في ليبيا والتي تحول ملايين الدولارات إلي مصر التي تعاني من مشاكل اقتصادية كثيرة.
وتتخوف مصر أن تتعرض هذه المصالح للضرر جراء أي تغييرات غير مواتية كما حصل عام 2015 عندما أعدمت مجموعة مسلحة أطلقت على نفسها “ولاية طرابلس” أقباطا مصريين في مدينة سرت الليبية، فأثارت موجة من الغضب داخل مصر وخارجها، وأوقعت السلطة المصرية في إحراج دفعها إلى شن غارات متعجلة على مدينة درنة حيث توجد معسكرات الثوار التابعين لمجلس شورى مجاهدي درنة فأوقعت مدنيين قتلى وجرحى.
مخاوف سياسية:
تنطلق هذه المخاوف من أن مصر تعتبر حكومة السراج ضعيفة جداً وتعتبر رهينة الميليشيات التي يشكل تنظيم «الإخوان» سوادها الأعظم، وتتخوف القاهرة من إمكانية إحياء دولة الخلافة على الأراضي الليبية، ومن ثم العودة إلى مصر بعد أنهى الجيش المصري نظام الإخوان المسلمين عام 2013.
كما أن القاهرة لم تكن مرتاحة للدعم العسكري التركي الآخذ في التزايد لميليشيات «الوفاق» التي تقول مصر أنها تضم في صفوفها عناصر حركات خرجت من رحم «القاعدة» وأنها المأوى لمطلوبين مصريين إبان سيطرتها وحلفائها على شرق ليبيا، ومنحتهم نقطة انطلاق لعمليات إرهابية استهدفت الجيش والشرطة في مصر، وأدت إلى سقوط عشرات الضحايا خصوصاً في منطقة الواحات.
وسبق أن قتلت قوات حفتر واعتقلت عدد من المطلوبين للنظام المصري في شرق ليبيا منهم مؤسس تنظيم «المرابطون» المصري هشام عشماوي في درنة، وسلمته إلى القاهرة التي نفذت حكماً بإعدامه لتورطه في عمليات قتل جنود مصريين قرب الحدود مع ليبيا.
عموما إن مصر متخوفة أن يؤدي الاقتراب أكثر من حدودها إلى زج الدولة المصرية ودفعها لدوامة الفوضى وخروج الأوضاع عن السيطرة وربما فتح طريق القاهرة وتهديد كيان الدولة.
قلق مصر من التدخل التركي في ليبيا:
بداية في هذا المجال ينبغي أن نقف على أبرز أهداف التدخل التركي في ليبيا:
إذ يتوقع أن يمنح التفوق العسكري الذي قدمته تركيا لحكومة الوفاق الليبية مزيداً من الزخم للتعاون السياسي والعسكري والاقتصادي بين تركيا وليبيا خلال المرحلة المقبلة، وهو ما سيجعل من طرابلس بوابة جديدة لأنقرة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية في القارة الإفريقية التي وضعها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ضمن أهدافه وخططه الاستراتيجية منذ وصوله إلى الحكم قبيل 17 عاما اذ يعطي اردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم أولوية كبيرة لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية.
وعلى الرغم من أن ليبيا تتمتع بأهمية استراتيجية من حيث موقعها ومساحتها وخيراتها وغيرها من العوامل، إلا أن أهميتها الاستراتيجية الخاصة لتركيا تضاعفت بشكل سريع جداً خلال السنوات الماضية مع تصاعد الصراع على النفوذ والحدود والموارد في شرقي البحر المتوسط، ومع محاولات محور “الثورات المضادة” بقيادة السعودية والامارات لضرب منطلقات النفوذ التركي في إفريقيا التي بات بحاجة إلى تعزيز لمجابهة هذه المحاولات وإنهاءها.
فاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا منحت أنقرة ورقة مهمة في ملف الصراع شرق المتوسط، فإلى جانب ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة بين البلدين وبدء تركيا في التنقيب بالمناطق التابعة لها وعرضها على طرابلس التنقيب لها في مناطقها، وضعت جداراً فولاذياً أمام مشروع مد خط أنبوب تصدير غاز من شرق المتوسط إلى أوروبا دون مشاركة تركيا، وهو ما يعني إجبار دول التحالف المعادي لتركيا في شرق المتوسط على طلب الإذن منها لتمرير هذا المشروع الذي لن تمرره أنقرة دون تحقيق مطالبها في هذا الصراع الكبير.
وبشأن اتفاقيات تقاسم الموارد بين دول شرق البحر المتوسط، ترى انقرة أن أي اتفاقية تجري بمعزل عن تركيا بأنها “باطلة” وأن نشر تركيا سفن للتنقيب عن مصادر الطاقة في شرق المتوسط نجح في إفهام هذه الدول بأهمية مشاركة أنقرة، التي أعلنت انها مُستعدة للحوار مع مختلف الأطراف حول موار شرق المتوسط ومنها اليونان.
كما أن تركيا وفي حال نجاحها بحسم الأمور لصالح الوفاق في ليبيا فإنها تنهي محاولات الإمارات الهادفة لأن تصبح ليبيا منطلقاً لتكون جزءاً من تحالف شرق المتوسط الهادف لمحاصرة تركيا في هذه المنطقة الاستراتيجية رغم أن الإمارات لا تربطها أي امتدادات جغرافية أو أمنية بليبيا ويدفعها لذلك مساعيها لمحاصرة تركيا والضغط عليها.
وسيعتبر الجانب الاقتصادي بمثابة تحصيل حاصل خلال الفترة المقبلة التي يتوقع أن تتحول فيها المنتجات التركية إلى الخيار الأول للمستوردين الليبيين، وفي أول مؤشر على ذلك دعوة مفتي ليبيا إلى استيراد المنتجات من تركيا ووقف استيرادها من الدول الداعمة لحفتر، هذا إلى جانب العقود التي ستظفر بها الشركات التركية لإعادة تأهيل المناطق المدمرة من الحرب والنجاح في الملف الليبي لن تقتصر نتائجه على حدود ذلك البلد وحسب وإنما سوف يمتد ليشمل القارة الإفريقية بشكل عام.
وعن ارتباط التحذير المصري الأخير بالدور التركي في ليبيا يجمع المراقبون على أن التحذير المصري بالتدخل العسكري في ليبيا جاء رداً وتعبيراً عن القلق المصري الشديد من زيادة تركيا من تدخلها العسكري في ليبيا في الأشهر الأخيرة، بناءً على مذكرتي التفاهم البحرية والعسكرية اللتين جرى التوقيع عليهما نهاية العام الماضي، حيث أرسلت السفن قبالة الساحل، وطائرات لجلب الأسلحة والمقاتلين والطائرات المسلحة من دون طيار إلى ليبيا.
وهو الأمر الذي قلب موازين القوى وأدى إلى تحول في المسار العسكري على الأرض ما يفتح الباب أمام سيطرة لحكومة الوفاق على طرابلس وغرب ليبيا بالحد الأدنى، أو حل سياسي يضمن سلطة أكبر لطرابلس في عموم ليبيا، وفي أسواء الأحوال يمكن أن تؤدي لسيطرة كاملة لحكومة الوفاق على عموم ليبيا.
وما يزيد من مخاوف مصر من هذه التطورات هو إمكانية السيطرة التركية على مناطق الغاز والنفط، خاصة مع رغبة أردوغان بالسيطرة على الهلال النفطي ليضع يده على الثروة النفطية الليبية، علاوة على نية أنقرة إقامة قواعد عسكرية في ليبيا أهمها قواعد جوية في الوطية، وهناك حديث عن قاعدة بحرية في مصراتة.
ويعزز التدخل التركي في ليبيا مخاوف مصر من محاولة إعادة إحياء دولة الخلافة في الأراضي الليبية، ومن ثم العودة إلى مصر خاصة أن توتر العلاقات مع مصر يحمل تراكمات سابقة منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي على يد الجيش المصري.
كما تتخوف مصر من تكرار السيناريو السوري من خلال تكثيف تركيا تجنيد المقاتلين والمتطرفين من الجماعات التابعة لها في سوريا وهو مؤشراً مقلقاً لمصر التي ترى أن أنقرة تعمل على تمكين حلفائها من التقدم شرقاً لحصار مصر.
وتعتبر مصر أن التدخل التركي في ليبيا يهدد مصالحها الاقتصادية فمن ناحية هناك شركات تركية ضخمة تعمل في إعمار ليبيا بملايين الدولارات تعود فوائدها إلى تركيا ومن ناحية منازعة مصر فيما يتعلق بحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، وإفساد وإبطال الاتفاقيات المصرية اليونانية القبرصية.
فتركيا تعمل على ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا الأمر الذي أثار قبرص واليونان بالإضافة إلى مصر بسبب المصالح التركية في البحر الأبيض المتوسط ما جعل تركيا تسارع إلى البحث عن البترول والغاز في المناطق الاقتصادية المتنازع عليها مع كل من قبرص واليونان التي تجمعهما بأنقرة عداء تقليدي في ضوء عجزهما عن مواجهة تركيا عسكرياً ولذا لجأتا إلى تحريض الدول الأوروبية على تركيا إلا أن تركيا تلوح بفتح باب الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي وإغراق دوله بالمهاجرين.
إذاً فالأجواء في البحر الأبيض المتوسط مهيأة لحرب طويلة الأمد بين مصر وتركيا حول ليبيا مع احتمال تفوق تركيا في هذه الحرب خاصة إذا ما اتفقت مع إحدى الدول الأوروبية وخاصة فرنسا أو إيطاليا على تقاسم البترول والثروات الطبيعية الليبية
مما سبق أن الأزمة الليبية والصراع الدائر حولها يكشف عن صراع تركي مصري حول ليبيا ودفاع كل من هاتين الدولتين عن مصالحها في ليبيا والإقليم والاستعدادات الجارية لدى كل منهما والتي تكاد تقترب من إعلان حرب شاسعة بينهما للحصول على ليبيا.
قلق مصري ودولي من فخ ينصب لمصر وتوريطها في حرب خاسرة مع تركيا:
على الرغم من المخاوف المصرية فيما يتعلق بمصالحها وأمنها وأهداف التدخل التركي ومستقبل الوضع السياسي في ليبيا يبقى السؤال هل قرار التدخل العسكري والدخول في حرب غير مضمونة هو الخيار الوحيد أمام الرئيس المصري وهل استنفدت كل الوسائل السياسية والدبلوماسية للتوصل إلى حل في ليبيا يراعي المصالح والمخاوف المصرية أم أن هناك “فخاخ منصوبة” لمصر وسيناريو معد لتوريطها في حرب طويلة وربما خاسرة في ليبيا؟.
ويمكن أن ندرك أن احتمال وسيناريو توريط مصر ونصب الفخاخ لها هو الأقرب للمنطق ويتضح ذلك من طبيعة ردود الفعل الدولية حيال تحذير وتهديدات السيسي إذ نجد أنه لم يؤيد ويشجع السيسي على هذه الخطوة بالإضافة طبعا إلى معسكر حفتر وبرلمان طبرق سوى السعودية والإمارات، اللتان تخوضا غمار منافسة إقليمية مع تركيا مع عدم قدرتهما على خوض مواجهة عسكرية مباشرة معها.
فقد سارعت كل من السعودية والإمارات بتأييد تصريحات السيسي وقالت الرياض في بيان نشرته الوكالة السعودية الرسمية، إن السعودية تقف إلى جانب مصر، وحقها في الدفاع عن حدودها وشعبها، وتعبر عن تأييدها لما جاء في تصريحات الرئيس المصري بشأن “حق مصر في حماية حدودها الغربية”.
من جانبها حذت دولة الإمارات العربية المتحدة نفس الحذو إذ أعربت عن تأييدها لما ورد في خطاب السيسي، وأكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، في بيان لها أن “دولة الإمارات تقف إلى جانب مصر في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها من تداعيات التطورات المقلقة في ليبيا”.
وليس من المستبعد إن قررت القاهرة التدخل في ليبيا أن تتكفل دولة الإمارات بالتكاليف المالية للعملية.
وأسهبت وسائل الإعلام التابعة للرياض وأبوظبي في بث التقارير والتحليلات وآراء المحللين التي تبرر تحذير السيسي وإيجاد الذرائع له مركزة على تضخيم المخاوف المصرية من تطورات الوضع في ليبيا والتدخل التركي.
واعتبرت أن موقف الرئيس المصري جاء «دفاعاً عن الأمن القومي العربي» وليس بعيداً عن حسابات المواجهة الإقليمية مع المحور التركي – القطري – «الإخواني» التي قالت أنه يحاول حصار مصر من حدودها الغربية، وأن «الجيش المصري قادر على إنهاء عبث تركيا وكسر أوهام الخلافة التي يسعى أردوغان لإعادتها بقوة الاحتلال من البوابة الليبية».
وشبه مراقبون هذا الخطاب السعودي الإماراتي بالخطاب الخليجي لدفع وتشجيع الرئيس العراقي صدام حسين للدخول في الحرب مع إيران بداية ثمانينيات القرن الماضي واستمرت ثمان سنوات ومن ثم عادت وانقلبت على صدام حسين ودعمت الحرب الدولية التي قادتها الولايات المتحدة والتي أنهت نظام صدام حسين ودمرت مقدرات الدولة العراقية.
وكان الخطاب الإعلامي الإسرائيلي هو الأقرب للخطاب السعودي الإماراتي مما يزيد الشبهات حول تنسيق وترابط وتداخل في توجهات ومصلحة هذه الدول في توريط مصر وتركيا أيضا في حرب شاملة تخدم مصالح وأهداف المحور السعودي الإماراتي والإسرائيلي في إنهاك مصر وتركيا وإضعافهما.
فبعد ساعات قليلة من كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كتبت صحيفة (جيروزاليم بوست الإسرائيلية) تتساءل: هل تتجه مصر وتركيا للحرب في ليبيا؟ وألمحت إلى أن هناك نوع من الشرعية تتوفر للتدخل العسكري المصري التي اعتبرت أنه يأتي رداً على “زيادة تركيا من تدخلها العسكري في ليبيا في الأشهر الأخيرة التي قالت أنه جزء من رغبة تركيا في لعب دور أكبر في استكشاف الطاقة في البحر المتوسط وإضعاف قوى المعارضة الليبية المدعومة من مصر”.
وفي حركة خبيثة وفي الوقت الذي أكدت فيه الصحيفة إن مصر “تمتلك جيشاً ضخماً، إلا أنها وفي إشارة مستفزة قالت “لكنه أيضا لم يتم اختباره في الغالب في ساحات القتال الأجنبية”، مضيفة أن مصر “تقاتل الإرهابيين في سيناء منذ سنوات ولم تهزمهم”.
ولم يصدر أي رد فعل دولي مؤيد للخطوة المصرية حتى في الأوساط البرلمانية والسياسية والإعلامية المصرية كان هناك صوت محذر من إقدام مصر على التدخل عسكرياً في ليبيا وأن ذلك لا يستقيم مع الموقف المصري الرافض للتدخل العسكري في ليبيا من أي جهة كان.
فهناك أصوات رافضة للتدخل العسكري المصري في ليبيا فهي لا تريد لمصر الانجرار في سياق الحروب، وترى ما يجري هو فخ منصوب عمداً لمصر لإنهاك قوى الجيش المصري وأن الوقت لم يفت بعد لإدراك ذلك وهذا يستدعي إيجاد مسافة معقولة عن الأجندة الإماراتية والسعودية في مواجهة الأحداث ودعوا إلى الحديث مع تركيا في الملف الليبي لإنه بات ضرورة ملحة لا مناص منها وأشاروا إلى أن روسيا بمجرد فشل خطة حفتر في السيطرة على السلطة سارعوا للحديث مع الأتراك لاسيما وأن تركيا وعلى لسان وزير خارجيتها تشاووش أوغلو قد دعا مصر إلى التعاون مع تركيا لإيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا والمساهمة سوياً في نهضة ليبيا.
وتحدث مراقبون أنه مهما كان حجم الجيش المصري فإن هناك شكوكاً كبيرة حول كفاءته وقدرته على الدخول في عملية عسكرية كبيرة خارج حدود بلاده، فمنذ 1973 لم يخض الجيش المصري أية معركة فعلية، ويُعتقد أن النشاطات المالية والاقتصادية للمؤسسة العسكرية المصرية أفسدت قطاعات واسعة من طبقة الضباط علاوة على أن الجيش المصري يفتقد أية خبرة لخوض قتال غير نظامي مع مجموعات مسلحة أو القتال داخل المدن والتجمعات السكنية، وقد استطاعت المجموعات المسلحة في سيناء التي لا يزيد تعدادها عن عدة مئات إيقاع خسائر بالغة في قوات الجيش خلال العمليات التي شنَّها في شمالي سيناء.
من جهة أخرى فإن العمليات التي دخلها الجيش المصري خارج حدود البلاد في الحقبة الحديثة لا تبعث على كثير من الاطمئنان، فسواء في حرب فلسطين في نهاية الأربعينات، أو حرب اليمن الأهلية في مطلع الستينات، من القرن الماضي، أوقعت بالجيش المصري هزائم مؤلمة بل يعتقد أن الحرب اليمنية أسهم في إضعاف الجيش المصري وفي تقصيره الفادح في الحرب العربية -الإسرائيلية الثالثة في يونيو 1967.
ويظل في الواقع حتى الآن أن حديثاً من قبل مصر عن أي عمليات للقوات المسلحة المصرية في الأراضي الليبية وحتى الساعة لم يرد على لسان أي مسؤول مصري، بل إن الرئيس السيسي وفي اليوم التالي لكلمته التحذيرية وخلال مقابلته مع رئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشيل”، أكد على ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية سياسية في ليبيا، وهو تصريح يتسق مع الموقف المصري الرسمي الذي عبر عنه بشكل رسمي علي عبد العال، رئيس البرلمان المصري، والذي أشار إلى أن مصر لا تقدم الحلول العسكرية على الحلول السياسية، الأمر عينه أشار إليه وزير الخارجية المصري سامح شكري حين أشار إلى أن “الصراع في المنطقة يحتاج إلى حلول سياسية لا قوى عنف أو تيارات إرهابية “.