بقلم: جين بيير فيليو
السياسية:
ترجمة: أسماء بجاش-سبأ
 
هذا الفشل اللاذع والمرير الذي تعيشه دولة الإمارات العربية المتحدة, وذلك بعد مرور  أكثر من خمس سنوات على الحروب التي دارت بشكل مباشر في اليمن وبشكل غير مباشر في ليبيا.
تصف صحيفة “لوموند” الفرنسية دولة الإمارات بأنها “إسبرطة الشرق الأوسط”, بالرغم من كون هذا الاتحاد -الإماراتي- الواقع على الساحل الجنوبي للخليج الفارسي مكون فقط 800 ألف مواطن و 9 ملايين وافد.
وفي مقابل ذلك, استطاع هذا الإتحاد من تطوير ماكينتها العسكرية المثيرة للإعجاب، حيث أصبحت الإمارات رابع أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال الفترة ما بين  2011-2015.
الرجل القوي في البلد هو ولي العهد محمد بن زايد، المعروف في كثير من الأحيان باسم MBZ””، بينما يطلق على نظيره السعودي محمد بن سلمان لقب “MBS” وفي هذا الترادف بين أقوى زعيمين في منطقة الخليج، غالباً ما يتولى بن زايد البالغ من العمر 59 عاماً، دفة القيادة متجاوزً بذلك بن سلمان ذو 35 عاماً.
سادت هواجس سيد أبو ظبي بخط عدواني جداً ضد إيران من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى, لكن النكسات التي تعرضت لها دولة الإمارات على صعيد المسرحيين اليمني والليبي تجيز مدى الفشل المرير الذي يوجهه مثل هذا الخط العسكري.
اعتراف بالفشل في اليمن:
منذ أواخر مارس من العام 2015، وحتى الآن, لا تزال المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات مستمرة في الحملة العسكرية المدمرة ضد الحوثيين الموالين لنظام الإيراني, وذلك بعد أن تمكنوا من بسط سيطرتهم على أجزاء شاسعة من المنطقة الشمالية للبلد والإطاحة بالحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وعلى عكس القوات السعودية، لعبت القوات الإماراتية دوراً رئيسياً في طرد الحوثيين من العاصمة المؤقتة عدن في صيف العام 2015، ومن ثم طرد مقاتلي تنظيم القاعدة من ميناء مدينة المكلا الجنوبي في ربيع العام التالي, بيد أن أبو ظبي دفعت ثمن باهظ في ذلك, حيث قُتل 45 من جنودها في غارة صاروخية في سبتمبر 2015، ولكنها فرضت استراتيجيتها الخاصة على حليفتها السعودية, إذ رفضت العمل أو التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين التابعة لحزب الإصلاح المتواجد بقوة في المعسكر الحكومي؛ ثم من خلال دعم الانفصاليين الجنوبيين “الحراك الجنوبي” الذين يسعون إلى إعادة تأسيس اليمن الجنوبي المستقل، مستندين في ذلك على أساس خارطة العام 1967 إلى العام 1990, لذا تجد علم الانفصاليين يرفرف إلى جانب علم دولة الإمارات في الصورة المدرجة اعلاه.
عملت الإستراتيجية الإماراتية بشكل دائم على تقويض سلطة الرئيس هادي الذي انتخب رئيساً لليمن في انتخابات التي أشرفت على سير أدائها الأمم المتحدة في العام 2012, بيد أن الحوثيون أجبروه على البقاء في المنفى في العاصمة السعودية الرياض منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ومع ذلك، فإن الحملة ضد الحوثيين تشن رسمياً باسم الرئيس الذي لا يستطيع إعادة التوطين في عدن بسبب دعم دولة الإمارات للانفصاليين المحليين, والأسوأ من ذلك أن أبو ظبي فضلت التحالف مع الميليشيات السلفية وحتى الجهادية لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين.
وفي نهاية المطاف، عمل محمد بن زايد على التركيز على الهجوم الذي شنه التحالف على ميناء مدينة الحديدة الإستراتيجي في يونيو 2018, حيث يعتبر هذا الميناء نقطة الوصول الرئيسية لدخول الإمدادات إلى العاصمة صنعاء والمناطق الشمالية للبلد, وعلى الرغم من أشهر من القتال العنيف، إلا أن ابو ظبي فشلت في كسر خطوط العدو واضطرت إلى قبول أتفاق وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة.
وباستخلاص الدروس من مثل هذا الفشل، عملوا على الحد من عدد قواتهم العسكرية المشاركة في حرب اليمن, ولكن هذا الانسحاب لا يمنع القوات الإماراتية التي انهت تواجدها مع حلول شهر فبراير من هذا العام, من الاستمرار في التأثير على مجريات الأزمة، خاصة من خلال الانفصاليين الجنوبيين, وتترك السعودية وحدها في مواجهة التحدي المتمثل في الخروج المشرف من الصراع اليمني، في حين لا تزال حكومة هادي عرضة للمعارضة الانفصالية.
الحرب الأهلية الثالثة في ليبيا:
شهدت ليبيا ثلاث حروب أهلية منذ العام 2011:
– الأولى: في غضون بضعة أشهر بلغت ذروتها, حيث سعت للإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي.
-الثانية: بدأت في الفترة بين عامي 2014 و 2019, والتي قادها الجنرال خليفة حفتر الذي نصب نفسه على رأس أفضل ميليشيا مسلحة في البلد والمعروفة بمهاراتها العسكرية, والتي تعرف باسم الجيش الوطني الليبي، فمن خلالها يريد حفتر إقامة سلطة غير مقسمة بدلاً من سلطة حكومة طرابلس.
ومن جانبه, أختار محمد بن زايد دون أي تردد أو تحفظ الوقوف إلى جانب الجنرال حفتر, حيث رأى فيه الحصن المنيع في مواجهة وصد نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، فضلاً عن رعاتها الإقليميين: تركيا وقطر.
وفي أغسطس من العام 2014، شنت الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الإماراتي من طراز” ميراج إف 1 ” غارة جوية استهدفت من خلالها العاصمة طرابلس، دون أن تمنع العاصمة من الوقوع في أيدي المناهضين لحفتر, وذلك في تحدٍ صارخ للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على تسليم الأسلحة إلى ليبيا، حيث  قدمت أبو ظبي للجنرال حفتر مروحيات من أصل بيلاروسي, كما تعكف على تمويل عمليات حيازة الأسلحة الثقيلة بسخاء.
وبعد إحباطه من الانتصار العسكري في الفترة بين عامي 2014- 2015، أعاد حفتر إطلاق الأعمال العدائية في أبريل من العام المنصرم, والتي من خلالها عمل على نسف تسوية الأمم المتحدة للصراع.
ومرة أخرى، تزن الإمارات بثقلها لصالح هذه الحرب الأهلية الجديدة، حتى أكثر من حلفاء حفتر الآخرين, المتمثلين في مصر وروسيا والسعودية.
وكما هو الحال في اليمن، يعتمد محمد بن زايد الخيار الخطير جداً والمتمثل في تقديم الدعم الكامل للميليشيات السلفية، التي تملك بالنسبة له ميزة كبيرة تتمثل في العداء الشديد لجماعة الإخوان المسلمين, لكن التصعيد العسكري يلقي بحكومة طرابلس في أحضان تركيا، التي يضعف انخراطها المتزايد في ليبيا مواقف حفتر على عدة أصعدة.
ومع ذلك، ساهم محمد بن زايد الذي لم يتمكن من تحقيق نجاح عسكري حاسم يذكر، في استقالة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا, ومن ثم أقنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق، معتبراً إياه أنه لم يكن داعماً بما فيه الكفاية لحفتر, ولا يزال هذا المنصب شاغراً نتيجة لهذه السياسة الأسوأ التي تنتهجها أبو ظبي.
وفي كل من اليمن وليبيا، وجه التصعيد العسكري للإمارات ضربة قاصمة لوساطات السلام التي تعكف عليها الأمم المتحدة ولسلطة الحكومات المعترف بها دولياً, وقد زاد من تجزؤ الميليشيات في هذين البلدين، اللذين يتعرضان بالفعل إلى حد كبير لهذا التحلل.
وبالإضافة إلى ذلك، روّج محمد بن زايد، من خلال عطاءاته، لانخراط خصومه الإقليميين: إيران في اليمن وتركيا في ليبيا.
وهكذا يؤدي اختيار العسكريين جميعاً إلى نتيجة عكسية، في ظل غياب انتصار واضح في ساحة المعركة وإلى جانب تأثير هذه الهجمات على السكان المعنيين، يبدو أن حصيلة أكثر من خمس سنوات من المغامرة السيئة بالنسبة لـ ” إسبرطة الشرق الأوسط”.
* مدونة صحيفة “لوموند –le monde” الفرنسية
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.