النفط: السعودية تساهم في انهيار الاقتصاد العالمي
يساهم الكاتب سيباستيان بوسوايس في فك رموز الخيارات الاستراتيجية والموقف السعودي من أزمة النفط الحالية في مواجهة "تسونامي الفيروس التاجي".
بقلم: سيباستيان بوسوايس
ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)
في السياق الحالي لانهيار يقيننا والعالم، فإن الاقتصاد العالمي سوف يمر بعاصفة كبيرة, في الوقت الذي كان فيه العالم بغنى عن عاصفة إضافية, حيث أدى قرار المملكة العربية السعودية – باسم بقائها طويل الأمد- بزيادة إنتاجها النفطي إلى خفض أسعار النفط الخام, وذلك من خلال إغراق السوق العالمية التي تعيش بالفعل حالة من الركود، مما أثر على جميع البلدان المنتجة التي تعاني من صعوبات جمة.
وفي الوقت الذي يصارع فيه العالم جائحة وباء فيروس كوفيد-19, يجب تثبيت النظام إلى أقصى حد ممكن دون دفع البلدان إلى حافة الهاوية، حيث تحاول بعض الدول أن تذهب وحدها لضمان وجودها، كما تفعل السعودية اليوم, كما لو أنها لم تتمكن من التنبؤ بأدوات اقتصادية أخرى للبقاء على قيد الحياة.
لطالما عاشت الرياض منذ سنوات متخبطة من فضيحة إلى أخرى, ومن حرب إلى أخرى, ومن عملية اغتيال شخصيات هامة إلى تصفية أخرى، كما انها لا تزال أحد الشركاء المفضلين لدى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في جميع القضايا المتعلقة بالمنطقة.
يجب أن ننسى في الوقت الحالي أن السعودية ليس لديها ما يكفي من الزمن لتنفيذ كل مخططاتها العدائية، فقد تمكنت من تنفيذ كل جرائمها خارج اطار القانون الدولي، كما أن اقتصادها دائما في تدهور مستمر.
واليوم, لا شيء تتفاخر به السعودية، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد لهم شركاء متميزون, بيد أن هناك من يسعى لتحقيق مآربه الذاتية التي تجعل من محمد بن سلمان، ولي العهد، يرتكب أخطاءً استراتيجية سياسية جديدة.
وما الذي يأمل؟ الاستفادة من الفراغ الحالي لدفع ببيادقها؟ فمن الوارد, ولكن كل شيء غير طبيعي, فهناك العديد من المؤشرات تدل على أن الرياض تعاني من مشاكل منذ أشهر في السياق الإقليمي لزعزعة الاستقرار الذي كان راعيها الأمريكي يعمل على تأججها ضد إيران منذ أشهر.
ولكن الأمر أكثر من ذلك, فعندما تقوم بحساباتها, يصعب التحقق منها وأن كل من حلفائها لديه أشياء أفضل للقيام بها الآن من دعمها، فالإدارة الأمريكية التابعة لدونالد ترامب تدخلت في خضم عاصفة غير مسبوقة مع وباء كوفيد-19, بيد أن الرياض تحتاج للمال ولا تستطيع الإنتظار, وذلك نظراً لم أشار اليه البعض منذ فترة طويلة والذي يتمحور حول وجود خطر واضح لانهيار الشريك الأول للولايات المتحدة منذ العام 1945.
ولا يزال هذا العملاق المطلوب كمحور استراتيجي لمنطقة الخليج يظهر حدوده وقد ينتهي به المطاف في الوحل إذا لم يقرر إيجاد سبل لزيادة إراداته المالية بأي شكلٍ من الأشكال وماذا لديه أيضاً؟ ليس الكثير.
لا بد من القول إن الحرب المشتعلة في اليمن منذ العام 2015 هي فشل ذريع كما هو الحال بالنسبة للحصار المفروض على قطر الذي بدأ في يونيو من العام 2017.
ففي اليمن, لقي ما يصل إلى 100 ألف طفل حتفهم بالفعل خلال السنوات الخمس الماضية، في حين أصبحت الأزمة اليمنية أسوأ كارثة إنسانية في الوقت الراهن.
وللتعويض عن التطرف السياسي في البلد خلال السنوات الأخيرة في مواجهة التهديد الإرهابي وزعزعة الاستقرار الإقليمي الذي غذاها، عملت الرياض على تنفيذ خطة رئيسية لتنويع الاقتصاد والتنمية والمعروفة باسم رؤية 2030 والتي تبدو الآن أشبه بطابع الأرليسيان (ارليسين هي في الأصل قصة قصيرة مستوحاة من قضية انتحار) .
ومع ذلك، توخت هذه الخطة رياح التحرير في نفس الوقت الذي بدأ فيه حالياً تنويع الاقتصاد، ولكن للأسف يبدو أنها انتهت بالفعل بتزامن مع اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول في عام 2018.
إن اعتماد الرياض على مكاسبها هو حقيقة واقعة لا جدال فيها، مثل أي نظام مفترس جيد أحادي المركز على الهيدروكربونات.
وبالنسبة لميثاق كوينسي الذي تم توقيعة في العام 1945, لا يزال يضمن لها الدعم الأمريكي غير المشروط، حتى وقت بعيد.
كما لا تزال قناعتها بأنها لا تزال أفضل حصن عسكري وجيوستراتيجي لإيران الذي دمره وباء كوفيد-19, مثل يقينه من كونه الأقدر على مقاومة التهديد والمد الشيعي بشكل عام.
فالإرهاب والجهاد بشكل خاص لم يعد يجري الحديث عنهم, ولكن يمكن أن تطفو على السطح بعد الوباء, لذا يلزم إيقافها بشكلٍ مؤقت.
وبطبيعة الحال على مدى عقود، كانت السعودية تطمح إلى أن تكون صاحبة القرار الأوحد في المنطقة، وأن تتمتع بقيادة لا جدال فيها, ولكنها تبدو أقل وضوحاً يوماً بعد يوم، حتى مع وجود الدعم الأمريكي.
ومع ذلك، عندما لا يتم هذا بسرعة كافية لولي العهد قليل الصبر، فإنه يظهر مرة أخرى, حيث لم يكن يتوقع من قبل الرافعة الأبدية له والكامنة في زيادة أو نقصان إنتاجه الخام, فبدونها يتم حرق الرياض.
وفي حين أنه لن يكون هناك مصالح لنا جميعاً بتذبذب الرياض, ووقوعها في حالة من الفوضى (وهو أمر غير مستبعد)، في بنية أمنية إقليمية اهتزت إلى حد كبير منذ ما يسمى بـ “الربيع العربي”، يجب علينا أن نتصدى باستمرار للإستراتيجية السياسية السعودية للفوضى والداعية لمواجهة إيران وعدم توسيع رقعة المد الشيعي في المنطقة ورغبتنا في الوقوف بشكل حازم ضد أي فئة تسعى إلى تدميرنا.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية للعام 2020، ومواجهة الوباء الذي ستتم إدارته على وجه السرعة، سيقوم دونالد ترامب بخطوة استراتيجية فعلية إلى الوراء في المنطقة، تاركاً ابنه يبحر على مرأى من الجميع خلال إعادة انتخابه.
وهذا أمر مقلق جداً ليس فقط بالنسبة للمنطقة، ولكن بالنسبة للعالم واقتصاده الذي أصبح على حافة الهاوية, حيث لا يجب على ترامب أن يضرب على الطاولة فحسب.
ومن جانبه, انتقد المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة، فتيح بيرول، الدور الذي تلعبه كلاً من السعودية وروسيا في الهبوط الحاد والحالي لأسعار النفط, معتبرا أن التاريخ سيحكم عليهما وذلك في مقابلة مع صحيفة ايكو, حيث أشار إلى أن مواطني العالم سيتذكرون أن القوى الكبرى التي تملك سلطة إرساء الاستقرار الاقتصادي في العديد من الدول في فترة انتشار وباء غير مسبوق قررت عدم ممارسة ذلك, فالتاريخ سيحكم عليها, كما سلط الضوء على مخاطر حدوث زعزعة للاستقرار في بعض الدول المنتجة للنفط, مضيفاً أن الإدارة السعودية التي اختارت إغراق السوق رغم تراجع الطلب جراء جائحة وباء فيروس كوفيد-19 المستجد, إنما تسيء إلى نفسها عبر خفض أسعار النفط, ولكنها تقوم بذلك لاعتبارات سياسية واخرى دبلوماسية, في حين أن الإدارة الروسية التي رفضت ابرام أي اتفاقات جديدة مع منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) للحد من الانتاج، تقوم هي الأخر من جانبها بمغامرة مستهدفة من خلالها الانتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، لكن هذا الأمر لن ينجح, فما أن تعود الأمور إلى سابق عهدها, فأن الطلب العالمي على النفط سوف يعمل على رفع الأسعار وسيعود النفط الصخري بقوة.
* موقع أتلانتيكو- Atlantico” الفرنسي
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.