بقلم: أرمين عريفي

باريس: (صحيفة “لوبوان- lepoint” الفرنسية – ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

قد يكون هذا الخبر واحد من القصص الإخبارية الجيدة القليلة التي نسمعها والمتعلقة بجائحة فيروس “كوفيد-19”, حيث أعلنت قوات التحالف العربي المنضوية تحت راية الرياض يوم الخميس الماضي, وقف كامل وواسع النطاق لإطلاق النار في الصراع الذي لا يزال منهمكاً سرد فصوله منذ خمس سنوات في اليمن, والذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص جُلهم من المدنيين, إذ أشار مسؤول سعودي، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية, أن قيادة التحالف العربي تعلن وقف إطلاق النار ابتداء من التاسع من ابريل ولمدة أسبوعين، كما نقلت عنه أيضاً دعوته لخصومه في اليمن والمتمثلة في حركة انصار الله والمدعومة من قبل إيران، أن تحذو حذوها, كما أضاف أن الرياض اتخذت هذا القرار بغية منع وتهيئة البلد لمواجهة انتشار جائحة “كوفيد-19”, مشيراً إلى أن اليمن أصبح فيه 24 مليون نسمة من أصل 28 مليون بحاجة ماسة للمساعدة الإنسانية، وذلك وفقاً للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة.

وعلى أرض الواقع، يدق العاملون في المجال الإنساني ناقوس الخطر بشأن “كارثة” تفشي الفيروس التاجي في البلد الذي أصبح فيه النظام الصحي مستنفد بالفعل, وذلك بعد أن أطبق فيه العديد من الأمراض والأوبئة مثل حمى الضنك والكوليرا خناقه, خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي حين لم يتم تسجل حتى الآن أي حالات تلوث رسمية بفيروس كوفيد -19 في اليمن، فإن الكثيرين يشككون في حقيقة هذه الأرقام، لاسيما بسبب عدم إجراء اختبارات واسعة النطاق في البلد.

أشار مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية, إلى أن وباء كوفيد-19 يهدد بزيادة حصده لأرواح السكان الأكثر عرضه له, ففي حال وصل الوباء، فمن المحتمل أن يلحق الخراب بالسكان الذين أضعفهم بالفعل الجوع والذين يعتمدون على نظام صحي أصبح على حافة الانهيار.

ومن جانبه, رحب بالمبادرة السعودية الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مشيراً إلى  أن هذه المبادرة يمكن أن تساعد في الدفع بعجلة جهود السلام إلى الأمام وكذلك استجابة البلد لوباء “كوفيد-19”.

وفي بيان صدر يوم الأربعاء، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، الذي دعا في وقت سابق من شهر مارس المنصرم إلى وقف عالمي لإطلاق النار وتوحيد الجهود لمواجهة جائحة كوفيد-19، كما دعا الجانبين إلى الدخول دون قيد أو شرط في مفاوضات تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث.

ومن جانبه, دعا نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان -الأخ الأصغر لولي العهد الأمير محمد بن سلمان- الحوثيين إلى “إظهار حسن النية”, كما ألمح إلى احتمال تمديد الهدنة, حيث غرد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: “أن وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين من المأمول أن يخلق مناخاً مؤتيا لتخفيف من حدة التوترات, كما من المفترض أن يساعد جهود المبعوث الاممي نحو “تسوية سياسية دائمة”.

 وفي الوقت الراهن، لم ترد جماعة أنصار الله اليمنية بشكلٍ رسمي حتى الآن على المبادرة السعودية، ولكنهم أيدوا في 26 مارس، دعوة جوتيريس لوقف عام لإطلاق النار.

أمال معلقة باستمرار الهدنة:

وفي حال افترضنا أنه تم احترام الهدنة بالفعل، فإنها ستمثل خطوة -من الصعب تكرارها- إلى الأمام منذ وقف إطلاق النار بين اليمنيين الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في ديسمبر 2018, والذي تمخض عنه أنهى معركة ميناء ومدينة الحديدة الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية من البلد.

تعود أحداث العمليات القتالية الجارية في اليمن إلى أواخر سبتمبر من العام 2014, عندما تمكنت الأقلية الزيدية –إحدى فروع الإسلام الشيعي- والتي تقطن المناطق الشمال من البلد, من بسط سيطرتهم على السلطة المركزية في العاصمة صنعاء، والتي على أثرها فر الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به من قبل المجتمع الدولي إلى مدينة عدن الجنوبية واعلانها عاصمة مؤقتة للبلد, ومن ثم فر مرة أخرى إلى العاصمة السعودية الرياض.

القوات المتواجدة على الساحة اليمنية في 12 فبراير 2020/ / وكالة الصحافة الفرنسية

وبالنظر إلى أن اليمن يعتبر الحديقة الخلفية للرياض والتي أصبحت الآن مهدداً من قبل حلفاء طهران، أعلنت الرياض بدء عملياتها العسكرية في اليمن أواخر مارس 2015.

ومع ذلك، وبعد خمس سنوات من بدء العمليات العسكرية، تم تجميد المواقع, ولا يزال الحوثيون يسيطرون على المناطق الشمالية الغربية من اليمن, كما لا يزالوا يحتفظوا بمدينة الحديدة التي تعتبر نقط العبور الرئيسية  للمساعدات الإنسانية، على الرغم من الهجوم الذي شنته قوات التحالف عليها في العام 2018، كما استولت الحركة  مؤخراً على مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف الواقعة شرق صنعاء.

أطلق الحوثيون في أواخر مارس المنصرم صواريخ باليستية على الأراضي السعودية, بيد انه  تم اعتراضها من قبل الدفاعات الجوية السعودية فوق مدينتي الرياض وجازان، مما أدى إلى إصابة اثنين من المدنيين.

ومن جانبه, يرى السفير الفرنسي السابق في اليمن “جيل غوتييه” أن السعوديون قد توصلوا إلى استنتاج مفاده أنهم  لن يتمكنوا من طرد الحوثيين من المناطق الشمالية للبلد”.

 

رغبات انفصالية:

 

تحتفظ قوات التحالف العربي الذي تقوده الرياض إلى جانب الرئيس هادي الذي لا يزال لاجئ في المملكة العربية السعودية بالسيطرة على المناطق الجنوبية من اليمن, بما في ذلك مدينتي عدن والمكلا وكذلك مضيق باب المندب الاستراتيجي بين البحر الأحمر والمحيط الهندي.

وبفضل قصفها الجوي (الذي تسبب في وقوع العديد من الضحايا المدنيين)، فإنها تستفيد من قوة ضرب لا مثيل لها, لكن هذه القوة تهاوت من خلال انقساماتها التي تعيشها ما بين مؤيدي للحكومة اليمنية الشرعية والعناصر الانفصالية التي تطالب بعودة اليمن إلى ما قبل العام 1990, ناهيك عن أن الفراغ الحكومي عمل على تعزيز تنظيم القاعدة المتواجد في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية.

تزداد هذه الأوضاع تعقيدا بالنسبة للرياض منذ أن أعلنت دولة الأمارات العربية المتحدة الشريك الرئيسي للرياض في التحالف، انسحابها من البلد في يوليو الماضي.

ومن جانبه, استرسل السفير الفرنسي السابق جيل غوتييه حديثة, حيث أشار إلى أنه منذ ذلك الانسحاب، يبحث صناع القرار في السعودية عن طريقة مناسبة للمغادرة.

واليوم جاءت أزمة الفيروس التاجي لتمنحهم فرصة جيدة للقيام بذلك, حيث تواجه مملكة آل سعود، التي تضررت بالفعل من هذا الوباء، بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي تسببت فيه هي نفسها- الرياض- ضد روسيا والذي أثر على عائدات ميزانيتها.

وفي حال انتهى الصراع الدائر في اليمن، فإن أفقر بلد في شبه الجزيرة العربية قد تجاوز الصعوبات.

وفي الأخير يحذر جيل غوتييه من أنه لن يتم حل جزء صغير فقط من المشكلة, فاليمن الآن مقسم إلى ألف قطعة وسيكون من الصعب جداً أن يكون هناك بلد موحد مرة أخرى.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.