تشن الولايات المتحدة حرباً لا نهاية لها على الإرهاب، لكنها تفشل في الحرب على فيروس Covid-19
بقلم: مها هلال وداركشان رجا
لندن: (موقع “ميدل اس أي” البريطاني, ترجمة: انيسة معيض- سبأ)
تخيل لو أن تريليونات الدولارات التي أنفقت على الحروب التي لا نهاية لها قد تم استثمارها في مجال بنيتنا التحتية الصحية وأنظمتنا الرئيسية الأخرى لتقليل تأثير فيروس “Covid-19“.
قامت الولايات المتحدة ببناء بنية تحتية كاملة لمكافحة الإرهاب وتجريم المجتمعات المسلمة، حيث أنفقت ما يقرب من 6.4 تريليون دولار في الحروب التي قتلت نصف مليون شخص منذ عام 2001, وعلى النقيض من ذلك، لم يكن هناك تركيز بما يكفي على إعداد البلد لمواجهة وباء كوفيد 19, وهذا يطرح السؤال: ما هو التهديد الأكبر؟
لقد اجتاح “”Covid-19 العالم، وخاصة بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية في 11 مارس أن الوباء يعد جائحة.
ففي جميع أنحاء العالم، هناك الآن أكثر من 1.2 مليون حالة مؤكدة، وأكثر من 70 الف حالة وفاة.
في فبراير، توقعت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها, أن ما يصل إلى 60 % من الأمريكيين يمكن أن يصابوا بهذا المرض, وحتى الآن في الولايات المتحدة وحدها، كان هناك أكثر من 337 الف حالة مؤكدة وأكثر من 9600 الف حالة وفاة.
ستستمر هذه الأرقام في الزيادة في الأسابيع القليلة المقبلة, على الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب قد بدأ الآن في اظهار ردة فعل أكثر اهتماما، على غرار رده الأولي الذي وصف فيه الوباء بأنه خدعة أدى إلى تأخير خطير في معالجة الفيروس، مما أدى إلى الوصول إلى هذه الأرقام الكارثية.
علاوة على ذلك، تظهر البيانات المنبثقة أن لون بشرة تلك المجتمعات تتأثر بشكل غير متناسب بكوفيد -19 في ميشيغان ومدينة نيويورك.
ولمعالجة خطورة وباء “Covid-19 ” المعترف بها الآن، وافقت الإدارة مؤخراً على خطة إنقاذ اقتصادية بقيمة 2.2 تريليون دولار لدعم الشركات والمقيمين بهدف تخفيف العبء المالي للفيروس وعمليات الإغلاق المرتبطة به.
وبدلاً من تقديم الحماية الشاملة، يستثني قانون كيرز المهاجرين غير الموثقين وبالتالي يستمر القانون في سياسات الإدارة المعادية للأجانب والمعادية للمهاجرين التي تستند على الحصول على الموارد على المواطنة.
ردة فعل سيئة:
ماذا كان سيكون الرد لو تم استهداف أعداد متزايدة من الناس في الولايات المتحدة من قبل الإرهابيين؟ هل سيستغرق الأمر حوالي شهرين لمعالجة هذا الأمر بجدية؟
كان رد فعل إدارة ترامب على هذا الوضع غير المسبوق سيئاً للغاية, على الرغم من أن الرئيس هو المسؤول عن الطريقة التي تم بها التعامل مع “”Covid-19 حتى الآن، وبعيداً عن إدارته، هناك واقع طويل جداً فيما يتعلق بما توليه الولايات المتحدة من أولويات عندما يتعلق الأمر بأمن وتأمين مواطنيها ولكن الصحة العامة ليست من ضمنها.
على سبيل المثال، ليس الدمار الذي يحدثه تغير المناخ والذي يشمل التهديدات الدائمة لقدرتنا على البقاء, ومع ذلك، يستمر إهدار الطاقة والموارد بشكل خاطئ باتجاه تجريم المجتمعات والقضايا التي تبنى بشكل غير متناسب واستراتيجي كتهديدات لأسباب تتجاوز الأمن القومي, مثلاً سترد الولايات المتحدة بسرعة على قضايا الإرهاب وتحاول حتى استخدام الإرهاب كوسيلة لمحاربة Covid-19 وهذا مضيعة للموارد, وبعبارة أخرى، أثبتت الحكومة أن الإرهاب فقط هو الذي يتطلب ردة فعل فورية وقوية.
إن “الحرب على الإرهاب” التي بنيت على كراهية الإسلام هيكلياً ومؤسسياً يوضح مقدار ما أسفرت عنه من وضع أنظمة متعددة لمكافحة الإرهاب فوراً بعد الحادي عشر من سبتمبر.
وبعد ثمانية عشر عاماً، كلفت الحرب 6.4 تريليون دولار ، ومع ذلك لا يوجد رد إيجابي عما إذا كانت الولايات المتحدة أكثر أمانا أم لا.
العنف المنهجي المتجذر:
امتدت الحرب على الإرهاب الآن إلى ثلاث إدارات، حيث ان العنف المنهجي الراسخ إلى جانب السياسات الجديدة اصبح يعاني من مشاكل قد تؤدي إلى تكتيكات جديدة لكل إدارة لمكافحة الإرهاب التي بنيت على حجج سابقة.
في حين أن مواجهة Covid-19 لم يكن من اولويات ترامب، فإن الأنظمة الموجودة تعتبر المسؤولة بصورة جزئية عن تعاملها في مكافحة الوباء.
عندما يتعلق الأمر بالحرب على الإرهاب، فإن التباين في سرعة معالجة التهديدات المختلفة للبلد يُظهر كيف يتم تطوير ردود السياسة استناداً إلى المدى الذي تمثله المشكلة، مثل الإرهاب باعتباره أكثر تهدياً لأمننا بطبيعتها من غيرها، كالوباء مثلاً، بغض النظر عن التأثير الفعلي.
مثال على ذلك, في غضون أسبوع من هجمات 11 سبتمبر، أي في 18 سبتمبر أصبح التفويض باستخدام القوة العسكرية قانوناً، مما سمح للولايات المتحدة بشكل أساسي بالتعامل مع العالم بأسره كساحة حرب وبانتهاك لسيادة مختلف البلدان ولملاحقة قادة القاعدة وطالبان المشتبه بهم.
وبعد شهر، في أكتوبر 2001, شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان وهي الآن أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة, وفي وقت لاحق في أكتوبر، تم أيضاً التصديق على قانون العمل الوطني الذي يجرم المسلمين تحت غطاء الدعم الاساسي للإرهاب.
ثم، في نوفمبر 2001, أصدر الرئيس جورج دبليو بوش أمراً عسكرياً: “احتجاز ومعاملة ومحاكمة المحددين من غير المواطنين في الحرب ضد الإرهاب”.
ولئلا يظن أحد أن الحرب على الإرهاب انتهت، بغض النظر عن الاسم الذي تتخذه، فإنها لا تزال مستمرة بشكل فعال.
منذ ديسمبر 2019, مع تزايد المخاوف في الصين حول Covid-19، قامت الولايات المتحدة بإطلاق صواريخ في العراق وسوريا، وشنت ضربات بواسطة طائرات بدون طيار في اليمن، كما استهدفت جنرالاً إيرانياً.
وفي الشهر الماضي فقط، عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية جائحة فيروس Covid-19، قامت الولايات المتحدة بشن غارة على العراق مستهدفة ميليشيا مدعومة من إيران يُزعم أنها مسؤولة عن هجوم سابق أدى إلى مقتل وإصابة جنود من القوات الأمريكية والبريطانية
العدو غير المرئي:
ومع ذلك، وبعيداً عن كونها استثنائية، فإن ما مر من السنوات بعد 11 سبتمبر, ليست سوى مثال معاصر على مدى التصور الضيق للولايات المتحدة لمجمعها العسكري الصناعي على أنه الجهاز الوحيد الذي تعتمد عليه سلامة وأمن هذا البلد وهو موقف يستند عادة على الجشع والربح.
والسبب الآخر لكون رد الولايات المتحدة على Covid-19 غير كافٍ ومحزن هو أن هذا المرض على عكس الإرهاب لا يوجد عدو واضح أو كائن بشري, فجائحة الفيروس Covid-19 يمكن أن يعيد تشكيل النظام العالمي, لكن هذا لم يمنع ترامب من استخدام مصطلح “العدو” في خطابه، من خلال وصف Covid-19 بأنه الفيروس الصيني، وهو الطريقة الوحيدة التي يبدو أن حكومة الولايات المتحدة قادرة على العمل بموجبها, كما وصف ترامب نفسه بأنه في حالة حرب، ويقاتل ضد “عدو غير مرئي”.
على عكس “الأعداء” الآخرين، لا يمكن اعتقال Covid-19 أو قتله خلال الحرب أو القيام بإيقافه عند الحدود في شكل حظر أو حجز.
حتى باستخدام مصطلح “العدو”، فإن الموارد التي خصصتها إدارة ترامب Covid-19, نظراً لما يشكله من تهديد أكبر لمواطني الولايات المتحدة, لم تتكافأ مع حجم تلك الميزانية التي رصدت لعمليات مكافحة الإرهاب.
في هذه الأثناء، تتعرض حياة الناس للتهديد مع مرور كل دقيقة، كما أن واجب الأمن القومي لحماية الأبرياء لم يدم طويلاً.
تخيل ما إذا كانت الموارد التي تم إنفاقها على الحروب التي لا نهاية لها قد تم استثمارها في البنية التحتية الصحية لدينا، والعمالة، والتعليم، والأمن الغذائي، والسكن الميسور التكلفة، والنقل والتخطيط الحضري وغيرها من الأنظمة الرئيسية للمساعدة في بناء قدرتنا على الصمود في تقليل التأثير الضار للأوبئة مثل Covid -19, وبدلاً من ذلك، قد استثمرت الولايات المتحدة أكثر في نظام السجون ومرافق احتجاز المهاجرين.
الاستثمار في الرعاية:
عندما يكون عدد أسرة السجن أكثر من أسرة غرفة الطوارئ، يكشف ذلك الإشكالية في الأولويات للإدارة الأمريكية, وعندما نستثمر في المراقبة والطائرات بدون طيار وقتل الملايين من الناس على مستوى العالم أكثر من الاستعداد للوباء، فقد اضعفنا مجتمعنا وشعبنا بشكل بائس.
في هذه اللحظة، لدينا خيار, يجب أن نطالب صانعي السياسات بإدراك مدى الضرر الذي لحق بأولوياتهم طوال الوقت, وحان الوقت للتخلص من الحروب والأنظمة المبنية على القمع والاستثمار في هياكل الرعاية والحكومة الملكية.
يتعين علينا أن يكون التجاوب ذا فاعلية للصحة العامة والتجاوب الاجتماعي في خضم التهديدات المتزايدة للأوبئة والكوارث المناخية والتهديدات التي ليس لدينا سيطرة مباشرة عليها.
إن التهديد الأمني لمجتمعاتنا هو فشل الدولة في الاستثمار في ما نحتاج إليه، بدلاً من هياكل العنف والقمع التي لم تخدمنا اجمالاً.
*مها هلال: مدير مشاركة لجمعية العدالة للمسلمين وهي منظٌمة “شاهد على التعذيب” وعضو مجلس منظمة “مراقبة الأمريكيتين”, حاصلة على الدكتوراه من الجامعة الأمريكية في واشنطن.
*داركشان رجا: مدير مشارك لجمعية العدالة للمسلمين ، وعضو مجلس إدارة رابطة جنوب آسيا للقيادة معاً، وعضو مجلس أمناء مؤسسة صحة المستهلك.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.