بقلم: جولي كيبي

(صحيفة “لوريان لو جور” الفرنسية – ترجمة: محمد السياري – سبأ(

من الواضح انها لعبة ثلاثية الأطراف, حيث لا تستثني فيها الخسارة احداً؛ ولكن يبقى مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأميركية هي الطرف الأكثر تضرراً إذا ما وُضِعت في مقارنة مع ما ستعاني منه الأطراف الأخرى.

تلك هي حرب النفط التي لم تبدأ بعد ولكنها توشك على الاندلاع؛ ، وبرغم أنها لا تزال في حكم المستقبل، إلا انها قد تسببت بالفعل في الكثير من الضرر، لاسيما من جانب شركات النفط الأميركية التي تحتاج إلى سعر مرتفع لبرميل النفط لتحقيق أرباح مرتفعة, فقد وصل سعر البرميل منذ بضعة أيام إلى 22.89 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من 17 عاماً، بعد أن كشفت المملكة العربية السعودية عن نيتها ورغبتها الجادة في زيادة صادراتها النفطية بما يصل إلى 600 ألف برميل في اليوم الواحد؛ وذلك في إطار محاولة منها لتنفيذ استراتيجيتها الهادفة إلى إغراق السوق العالمية لتحقيق المكاسب الاقتصادية المرجوة.

ومن هذا المنطلق سيرتفع إجمالي الصادرات السعودية إلى 10.6 مليون برميل يومياً اعتباراً من مايو العام الجاري، في حين انها كانت 7 ملايين برميل يومياً قبل الأزمة؛ تلك الأزمة التي ولدت في المقام الاول على إثر الوباء العالمي المعروف بفيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 – والذي تسبب انتشاره في تبعات لم تكن في الحسان؛ ففي البداية انخفض الطلب الصيني, ثم اتسعت الرقعة لتشمل مختلف أسواق النفط العالمية؛ وفي المقام الثاني كان عدم التفاهم بين روسيا والسعودية – الدولتان اللتان أصبحتا تحكمان بسوق النفط العالمية منذ العام 2016 – لإيجاد آلية مشتركة ومناسبة لتقييد العملية الإنتاجية بغية الحفاظ على الأسعار في مستواها المرتفع سبباً لا يقل أهمية وتأثيراً عما أحدثه ذلك الوباء.

وفي واقع الأمر، كانت تلك الأزمة بالنسبة لروسيا فرصة مناسبة ووسيلة قوية لتوجيه ضربة موجعة إلى منافسها الأميركي.

أما الرياض فقد استغلت ذلك الأمر بهدف التأكيد على سيادتها المطلقة وسيطرتها القوية على سوق النفط العالمية؛ إلا أن تلك الحقيقة قد تعمل في اتجاه معاكس للطموح ولي العهد السعودي؛ فمن الوارد بشدة أن يتسبب ذلك في تعقيد العلاقات مع الحليف الأميركي الذي أصبح مؤخراً أكبر منتج للذهب الأسود في العالم.

في السياق ذاته، علينا أن ندرك جيداً أن الفائدة التي ستعود على المستهلك الأميركي جراء انخفاض الأسعار النفطية لا يمكن أن تمثل بأي حال من الأحوال سبباً وجيه وكافياً لحمل واشنطن على التخلي عن جزء كامل من اقتصادها.

ومن هنا نلاحظ المساعي الحثيثة التي تقوم بها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للضغط على الرياض في عدة مناسبات منذ بداية الأزمة, ومع ذلك لم تكلل تلك الجهود بأي نجاح حتى الآن.

وتفادياً للخلاف مع حليفه السعودي، خلص زعيم البيت الأبيض إلى خطة بديلة تقوم على الاتفاق مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، لفتح قناة تشاور روسية-أميركية تدرس الوضع الحالي لسوق النفط العالمية.

وفي وقت سابق، كان ترامب قد اكد على “أمكانية الانسجام” مع الرئيس الروسي في حال مطالبته بتخفيض العقوبات.

إذن، هل يحمل ذلك في طياته ما يشير إلى أمكانية اشتعال المواجهة مع الرياض التي قادتها الظروف لتصبح في منتصف الطريق بين القوتين العظميين؟ “لا شك أن الإدارة الأميركية لا ترغب مطلقاً في حربٍ مع حلفائها في الرياض على أسعار النفط”، على حد قول المسؤول السابق بوكالة المخابرات المركزية الأميركية والمدير الحالي لمعهد “بروكينغز” للبحوث، بروس ريدل، في تصريح حصلت عليه صحيفة “لوريان لو جور”؛ كما أضاف: “تظل الأولوية للضغط على النظام الإيراني بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية, وعلينا هنا أن نعلم جيداً بأن البيت الأبيض لا يمارس سوى ضغوط خفيفة الظل على ولي العهد السعودي القوي، محمد بن سلمان، لخفض إنتاجه النفطي؛ ولا زالت تلك الضغوط مقتصرة على القول فقط ولم تصل إلى حد الفعل حتى اللحظة”.

وفي الأسبوع الماضي كان وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، قد أكد من جانبه على تلك الحقيقة في مكالمة هاتفية مع ولي العهد السعودي؛ وبات من الواضح أن قلق الكونجرس الأميركي إزاء تلك التغيرات في تنامي مستمر؛ ومن الممكن أن نستشف تلك الحقيقة من خلال الرسالة التي بعث بها ستة من أعضاء مجلس الشيوخ إلى رئيس الدبلوماسية الأميركية يحثونه فيها بعبارات شديدة اللهجة للضغط بقوة على الرياض محذرين من حقيقة أن “الهيمنة الأميركية في مجال الطاقة باتت الآن وبشكل مباشر مهددة من قبل البلد الذي يدعي حرصه وتمسكه بعلاقاته مع واشنطن”.

ووفقاً لما جاء في تلك الرسالة فإنه “سيكون من الصعب للغاية الحفاظ على تلك العلاقات الودية إذا ما استمرت المعوقات والصعوبات المفتعلة أمام الشركات الأميركية الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد إلى حد كبير على الطاقة, ومما لا شك فيه أن الحليف السعودي باستغلاله للاضطرابات والأوقات العصيبة التي تمر بها الولايات المتحدة يضع العلاقات الثنائية بين البلدين على حافة الخطر”.

زد على ذلك ما قام برفعه 13 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في رسالة إلى ولي العهد السعودي يطالبونه فيها بتقديم المساعدة اللازمة لإعادة الاستقرار إلى سوق النفط العالمية.

تحدي “أثبات وجود”:

حتى الآن، ليس هنالك ما يحمل أي إشارة على أمكانية تغيير النهج الذي قررت إدارة ترامب أن تتبناه كإجراء مضاد للسياسة الاقتصادية المتبعة مؤخراً من قبل حليفتها في الرياض؛ بل ويمكننا أن نلمس من السياسة الأميركية ما يؤكد على ذلك النهج، لاسيما عقب الإعلان مؤخراً عن تعيين فيكتوريا كوتس في منصب مبعوث البيت الأبيض لشؤون الطاقة إلى المملكة العربية السعودية, حيث يعتبر كثير من المحللين والباحثين تلك الخطوة كمحاولة سياسية للضغط على ولي العهد السعودي لإبداء بعض التغيير؛ ومن ذلك ما اكدت عليه ياسمين فاروق، الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط – التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي – بقولها: “بوقوع الاختيار على فيكتوريا كوتس، التي كانت تعمل في البيت الأبيض وتعد من الأشخاص المقربين من ترامب وجيرارد كوشنير – صهر ترامب ومستشاره الخاص – أرادت واشنطن أن تراقب ما سيكون عليه الحال بخصوص الأسواق والصادرات النفطية والضغوط الداخلية التي سيمارسها الجمهوريون، وهل سيؤدي ذلك إلى التخفيف أم التفاقم”.

ونظراً لما هو معروف للجميع عن طبيعة العلاقات القوية بين الحليفين السعودي والأميركي، يمكننا القول بأن “الدلفين” السعودي قد راهن بكل ما لديه حتى الآن مستنداً إلى التفاهم الجيد بينه وبين الإدارة الأميركية التي لا يغيب عن أحد دعمها له في أحلك الظروف ولاسيما في قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي – الذي قتل في قنصلية بلاده في اسطنبول في العام 2018 – فضلاً عن استخدام الأسلحة الأميركية من قبل الرياض في حربها على الأراضي اليمنية.

وفي الاتجاه ذاته، هناك نقطتان أساسيتان متضادتان في آن واحد لا بد من الاطلاع عليهما: فبرغم أن ولي العهد في أمس الحاجة للدعم الأميركي للظهور بمظهر القائد المسيطر في محيطه، وبالأخص في ظل هذه الفترة التي تتميز عن سابقاتها بموجة من الاعتقالات القسرية للعديد من الأمراء والنافذين في البلد بغية ضمان عدم إمكانية الوقوف في طريقه نحو الخلافة، إلا انه لن يسمح بخسارة حربه النفطية التي تمثل عاملاً حيوياً لبلاده, الأمر الذي يجعل من هذه المرحلة منعطفاً خطيراً وحاسماً في تأريخ المملكة الوهابية.

في العموم، هنا يجدر بنا التنوية إلى أن العلاقات القائمة بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ووزير خارجيته، مايك بومبيو، من ناحية وولي العهد محمد بن سلمان، من ناحية أخرى تتسم بالكثير من الود والتفاهم والمصالح التجارية والسياسية المشتركة؛ وبأخذ ذلك في عين الاعتبار، يمكننا أن نرجح أمكانية تأثير تلك الصلة الوثيقة بينهما على القرارات السعودية بما يصب في خدمة مصالح كلا البلدين.

وفي هذا الصدد، ترى الباحثة ياسمين فاروق “أنه يوجد بالفعل استقطاب حول الرياض في واشنطن؛ ويظهر ذلك جلياً من خلال المحاولات الجادة من قبل أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس الأميركي للبقاء على مسافة غير بعيدة من خط زعيم البيت الأبيض الذي يتمتع بعلاقات صداقة مميزة مع السعودية.

لا شك أن التوتر بهذا الخصوص في تنامي مستمر لدرجة أنه أصبح من الصعب تحمله؛ ومن الوارد أن تبدأ الرياض في فقدان أصدقاءها في صفوف الجمهوريين الذين يفضلون عدم الابتعاد عن خط ترامب لا لاقتناعهم بأهمية الحفاظ على العلاقات القائمة مع الرياض ولكن للشد من أزر زعيم البيت الأبيض ضد الأعضاء الديمقراطيين”.

وبعيدا عن المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية لحرب أسعار النفط تلك، علينا أن ندرك بأن للمسألة أيضاً بُعداً انتخابياً متعلقاً بالرئيس الحالي لأمريكا، حيث أن العديد من الأميركيين قد يعانون من ثقل مضاعف للأزمة أثناء الحملة الانتخابية.

يرى كثير من المحللين والسياسيين على غرار بروس ريدل أنه “في حال فوز الديموقراطيون في نوفمبر المقبل ستضاف قضية النفط إلى قضايا الحرب السعودية المتعلقة بالشأن اليمن واغتيال خاشقجي وغيرها من الملفات التي تدين الحليف السعودي، وليس ذلك فحسب بل من الممكن أن يتطور الأمر ليشكل أزمة ثقة خطيرة تهدد استمرار العلاقات القائمة بين الرياض وواشنطن”.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.