بقلم: نسيم احمد

( صحيفة “”Middle East Monitor – ترجمة:نجاة نور-سبأ)

مع توقع تغير العالم بطرق لم يكن من الممكن تصورها قبل بضعة أسابيع فقط بسبب تفشي الفيروس التاجي، فهل يمكن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يحقق معجزة وأن ينفذ برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي الطموح “رؤية 2030″؟

تشير أحدث المؤشرات إلى أن “رؤية 2030” من المرجح أن تلاقي مصير مماثل لسابقتها، مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.

مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، كما كان معروفاً، تم إطلاقها قبل أكثر من عقد، كجزء من تعهد بقيمة 30 مليار دولار لبناء ست مدن في محاولة لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط  لجذب الاستثمارات الأجنبية وخلق 1.3 مليون فرصة عمل وإضافة 150 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وحتى الآن، نجحت واحدة فقط من المدن الست في الخروج إلى الواقع  بعدد سكان يبلغ 7000 شخص، من أصل مليوني نسمة.

إن قرار السعودية بالدخول في حرب أسعار النفط مع روسيا بعد تفشي فيروس كورونا، يشير إلى أن “رؤية 2030” لم تعد على رأس قائمة أولويات الرياض, على الرغم من أن الانتصار الاخير هو مصدر القلق الأول للمملكة في الوقت الحالي، فلا يوجد ما يضمن أنها ستكون قادرة على القيام بذلك.

ويظل التخمين الاول الذي يطرأ على الجميع هو كم من الوقت سوف تستطيع السعودية تحمل هذا النوع من النزيف الذي يسببه سعر 20 دولارا للبرميل على منتج رئيسي كالنفط؟.

لكن المؤشرات تشير إلى أن من المحتمل ان تتأثر السعودية أولاً, على عكس الاقتصاد الروسي، حيث يحتاج السعوديون إلى أن تكون أسعار النفط 85.7 دولاراً للبرميل لموازنة ميزانيتهم، بينما تحتاج روسيا إلى أقل من نصف ذلك، تقريباً 40 دولاراً للبرميل.

كلا البلدين كانا متفائلين, حيث زعمت موسكو  بحسب تقرير لرويترز، أنها تستطيع الصمود في وجه أسعار النفط التي تتراوح بين 25 و 30 دولاراً للبرميل لمدة ست إلى عشر سنوات، في حين تؤكد الرياض أنها تستطيع تحمل سعر النفط عند 30 دولاراً للبرميل، لكنها ستضطر إلى بيع المزيد من النفط الخام لتخفيف الضربة المؤثرة على إيراداتها, فقوة البقاء للرياض محدودة بسبب قيود الميزانية.

تحتاج السعودية إلى أن يكون سعر النفط أعلى بكثير من 10 دولارات للبرميل، وهي الطريقة التي يمكن أن تنخفض بها الأسعار مع نفاد سعة التخزين, ولكن على عكس السعودية، فإن روسيا ليس لديها أعباء مماثلة, وما لم يجد السعوديون طريقة لحل هذه الأزمة، فمن المرجح أن يتم تعليق جميع الأولويات الأخرى، بما في ذلك الوصول إلى المعالم الرئيسية لـ “رؤية 2030.

لكن مشكلة بن سلمان، هي أنه يشبه الملاكم مرتفع الاجر الذي يدخل الحلبة وهو متعطش للفوز, فسياساته الفاشلة على مدى السنوات الخمس الماضية ستعني أن الرياض ستواجهه أصعب تحد لها في السنوات القادمة، حيث ستحرم من السياسية والموارد الاقتصادية التي تحتاجها ليس فقط لكسب حرب أسعار النفط مع روسيا، ولكن أيضاً لتستطيع أن تفي بوعد “رؤية 2030.

قد يظهر لنا الاسلوب المذكور لمحمد بن سلمان إلى أن الحاكم الفعلي في الوقت الراهن أكثر ميلاً لقيادة المملكة إلى طريق مسدود، بدلاً من توجيه 33 مليون شخص نحو الرؤى الثلاثة الكبيرة الموعودة في برنامجه الذي يهدف إلى تقليل اعتماد السعودية على النفط: “مجتمع حيوي” و”اقتصاد مزدهر” و”وطن طموح”.

هل يرغب السعوديون حقاً بـ أميراً شاباً متهور، ليصبح قريباً ملكاً لقيادتهم خلال هذه الفترة, وهذا ما يظن العالم انه مستبعد جدا، نظراً لأنه لم يحقق إلا الكوارث منذ ظهوره على المسرح العالمي في عام 2015 كوزير للدفاع، ولم يضيف الأمير الشاب الذي كان في التاسعة والعشرين من عمره في ذلك الوقت، إلى المملكة شيء سوى انتقاله من أزمة إلى أخرى.

“أبو رصاصة”، كما كان معروفاً في شبابه، عزز سمعة طفولته من خلال كسب لقب “أمير الفوضى”.

تحدث سجله عن نفسه في اليمن، عندما شن حرب لا داعي لها دفعت بـ 13 مليون شخص إلى حافة المجاعة.

كان من المفترض أن تكون حملته المخطط لها سريعة، ولكن بعد خمس سنوات من الحرب، كلفت الحملة ضد الحوثيين الرياض ما يزيد عن 100 مليار دولار، مما أدى إلى تلاشي صورتها الدولية، بيد أن الدلائل تشير الآن إلى أن الصراع سينتهي بهزيمة مهينة للرياض.

لقد كان الحصار الذي فرضه على قطر في العام 2017 مذلاً بنفس القدر لولي العهد، على الرغم من أن التكلفة البشرية في قطر ليست كتلك التي حدثت في الصراع المدمر في اليمن الذي أودى بحياة أكثر من 112 ألف شخص, وقام ايضاً بجمع الأمراء ورجال الأعمال واحتجزهم بتهمة الفساد، ووضع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قيد الإقامة الجبرية في الرياض, فكل هذه التصرفات لمحمد بن سلمان اثبتت للعالم على أنه مصاب بجنون العظمة.

بالإضافة إلى ذلك، حبس المدافعين عن حقوق المرأة والمبالغة في رد فعلة عندما طالبت كندا بإطلاق سراحهم من خلال إلغاء العلاقات الدبلوماسية معها وأمر 10 ألف طالب سعودي بالتخلي عن دراستهم في كندا.

تأكدت الصورة بأن محمد بن سلمان كارثة تسير على الأقدام، أي انه لم يكن لحقوق الانسان مكان في رؤية المملكة.

اضف على ذلك استسلامه عن القضية الفلسطينية، الأمر الذي دفع الملك سلمان للتدخل وتعويض الأضرار التي سببتها دبلوماسية محمد بن سلمان المتهورة.

لم تكن أي من هذه الأخطاء السابقة كارثية على المملكة كمقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، رغم خطورة كلاً منها, حيث تسبب مقتلة في تشويه صورة المملكة عالمياً, هكذا حقق مقتل الصحفي في صحيفة واشنطن بوست الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يتحمله محمد بن سلمان إذا أراد تحقيق أهداف “رؤية 2030” فقد ادت هذه الحادثة إلى تخويف المستثمرين الغربيين من المملكة.

ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما حدث وفقاً لجيسون توفي، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة لدى شركة كابيتال إيكونوميكس, حيث قال توفى لشبكة “CNBC”: ” أوضح دليل غير مباشر لدينا أنه قام بردع المستثمرين هو أن الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة ظل منخفضاً للغاية”، مضيفاً أن: “ولي العهد علق آماله في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية كجزء من جهوده لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط”.

يعتقد توفي أنة “كانت هناك علامات على عزوف اصحاب رأس المال في الفترة التي تلت قتل خاشقجي, ولكن على المدى الطويل، من المرجح أن يصبح الضرر الرئيسي للمملكة هو اختفاء جاذبية المملكة للاستثمار المباشر”.

تشير بعض التعهدات العديدة التي قطعها محمد بن سلمان إلى أنه خارج المسار الصحيح, فخلال إطلاق “رؤية 2030” في عام 2016, أعلن أنه بحلول عام 2020, ستتمكن المملكة “من العيش بدون نفط” كمصدر رئيسي للدخل القومي.

واليوم يتناقض هذا التفاؤل بشكل صارخ مع الواقع الحالي، حيث لا تزال عائدات النفط الخام تمثل ما يقارب الـ 80 % من عائدات المملكة, وبالنظر إلى المستقبل، كما يعتقد الكثيرون من مناهضي الاعتماد على النفط، خاصة في وضع الاقتصاد العالمي بعد تفشي فيروس كورونا، يمكن التوقع بان تحرم الرياض من عائدات النفط التي تحتاجها لخطة التنويع الاقتصادي.

وبسبب عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل بشكل واضح، لم ينجرف المستثمرين العالميين تماماً برؤية ولي العهد, ووفقاً لـ لورا جيمس، محلل أول في الشرق الأوسط لدى أكسفورد أناليتيكا: “كانت رؤية 2030 متأخرة بالفعل عن معظم أهدافها المؤقتة لعام 2020”, فالاكتتاب العام الذي اشتهرت به شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو، هو حجر الزاوية في جمع الأموال لإعادة الاستثمار في القطاعات غير النفطية، كما ويعتبر مؤشر على أن الأمير المتقلب قد أصابه الذعر بعد التأخير المحرج لتحقيق تلك الاهداف.

تمكن الاكتتاب أخيراً من جمع 29.4 مليار دولار، بتقييم 1.7 تريليون دولار، وهو مبلغ بعيد عن 2 تريليون دولار التي سعى محمد بن سلمان إليها في الأصل.

بالتزامن مع عدم رغبة المستثمرين الدوليين في المراهنة على محمد بن سلمان، كان هناك المزيد من الإذلال, وفي خطوة عبرت عن اليأس، حيث مارس ولي العهد ضغوطا على السعوديين الأثرياء لشراء اسهم من أرامكو التي تم طرحها في بورصة تداول في الرياض، بدلا من بورصة لندن ونيويورك الأكثر شهرة, هذه علامات مقلقة.

ووفقاً لمعهد التمويل الدولي, من المتوقع أن ينخفض نمو القطاع غير النفطي إلى 1.4 % في عام 2020، من 3 % في عام 2019، كما شهد قطاع الترفيه السعودي نشاط مؤقت خلال فترات النمو القصيرة وهو إنجاز من غير المرجح أن يتكرر في أي وقت قريب بسبب تفشي فيروس كورونا.

من غير المرجح أن يوفر إدخال الرياض للتأشيرات السياحية إلى جانب خططها لبناء مجمعات ترفيهية ضخمة ومنتزه ترفيهي.

ومن المتوقع أن يضم أسرع وأطول قطار متحرك في العالم الدفعة اللازمة لخطط التنويع في البلد.

آخر إشارة هي أن بعض هذه المشاريع الضخمة ربما لن يتم انشائها على ارض الواقع، وذلك جراء تفشي فيروس كورونا.

ووفقاً لـ ناسداك، فإن الشركة الترفيهية الأمريكية المعروفة باسم”Six Flags Entertainment Corporation”، التي حصلت على عقد بناء متنزه ضخم تعاني حالياً من أزمات مالية بسبب الوباء.

في حين أنه من غير المحتمل ايضاً أن ينفذ أي بلد من هذه الأزمات دون أن يلحق به ضرر، فالمملكة ستخسر أكثر من غيرها، وذلك لسبب بسيط وهو أن التحول الاجتماعي والاقتصادي الكبير الذي يتصوره ولي العهد سيكون من الصعب إن لم يكن مستحيل تحقيقه في ظل ركود يلوح في الأفق وتقلص الاقتصاد العالمي، ناهيك عن كونها بقيادة أمير غير مستقر ومتقلب سيصبح في القريب ملكاً.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.