بقلم: جون فيفر

(صحيفة “فورين بوليسي إن فوكس” الامريكية- ترجمة: انيسة معيض-سبأ)

خلال الحرب العالمية الأولى، نفذ الجنود على امتداد الجبهة الغربية مجموعة من الهُدَن غير الرسمية في ديسمبر 1914 للاحتفاء بذكرى عيد الميلاد.

كان ذلك في وقت مبكر من الحرب، في حين لم تصل المعارضة بعد إلى عداء شديد, لم تتمكن القيادة العسكرية، التي فوجئت، من فرض الانضباط الكامل في ساحة المعركة, عندما شارك ما يقدر بي 100 الف جندي بريطاني وألماني, تبادلوا خلالها السجائر، وقاموا بالغناء معاً، كما قاموا بلعب كرة القدم.

تخيلوا كيف سيبدو العالم مختلفاً اليوم لو حصل هدنة على غرار تلك الهدنة، وإذا تحولت الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار ولو لم تحرق أوروبا نفسها على الأرض في نوبة من الغضب القومي, ربما لما كان هناك وباء الأنفلونزا الذي انتشر بشكل من قبل الجنود في العام 1918, ربما لما تمكن النازيون من الاستيلاء على السلطة وقاموا بالمحرقة بشكل مفاجئ وربما لما حدثت الحرب العالمية الثانية ولم تستخدم الأسلحة النووية أبداً.

وعلى الأقل، لما قضي ما يقرب من 20 مليون شخص نحبهم في الحرب العالمية الأولى.

نحن الآن في المراحل الأولى من حرب عالمية أخرى، تسمى الحرب العالمية الثالثة، هذه المرة ضد الوباء العدو المشترك.

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس جميع الدول إلى الالتزام بوقف إطلاق النار في جميع انحاء العالم للعمل على تركيز جميع الموارد على القضاء على الفيروس التاجي” كورونا”, وختم بالقول “إن ضراوة الفيروس توضح حماقة الحرب.

في غضون ذلك، تدعو ثماني دول تعاني من عقوبات اقتصادية- الصين وكوبا وإيران ونيكاراغوا وكوريا الشمالية وروسيا وسوريا وفنزويلا- إلى إنهاء العقوبات الاقتصادية التي تعوق جهودها لمحاربة المرض.

في حين تضغط عدد من المنظمات المدنية من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين والصحفيين المسجونين وأكبر عدد ممكن من الجناة غير الخطرين للحد من الازدحام الذي يجعل السجون ارض خصبة ملائمة ومحتملة للفيروس التاجي.

ليس من المستغرب أن يكون هناك صد لفكرة إنهاء هذه التعبيرات الثلاثة لسلطة الدولة ولو مؤقتاً: الصراع العسكري، والحرب بالوسائل الاقتصادية، والسجن الجماعي, لكن هذا الوباء، على الرغم من الرعب المستمر الذي يسببه يمكن أن يكون بمثابة دفعة قوية.

يجب أن تقوم الجمعيات التعاونية الدولية بالأمور التي لها الأولوية الآن ويجب على الدول أن توقف حروبها ضد بعضها البعض وضد سكانها.

إن الغارات الجوية واستمرار الحروب والعقوبات والسجون ليست اشياء فعالة في مكافحة الفيروس التاجي.

وفي الواقع، فمن خلال العمل على مساعدة الخصم والقيام بتحريضه، فقط سيجعلون الحرب تؤول الى ألأسوأ.

إسكات اصوات السلاح؟

كان هناك الكثير من الحديث عن إعادة استخدام الجيش الأمريكي لمحاربة الفيروس التاجي, حيث تم إرسال مستشفيين ميدانيين من الجيش إلى نيويورك وسياتل, وتم بالفعل نشر بعض الجنود وتنشيط الحرس الوطني في ثلاث ولايات، وتفويض البنتاجون باستدعاء جنود سابقين للمساعدة في القتال, لكن الجيش، لن يستخدم تشبيه مناسب، مثل سفينة حربية كبيرة لا يمكن تحريكها بسهولة, ولا يسمح البنتاغون ايضاء للأطباء المهاجرين بالمساعدة في مكافحة الوباء.

في غضون ذلك، يواصل البنتاغون متابعة توجيهه الرئيسي: التخطيط للحرب وقتل الناس.

ففي 12 مارس، شنت الولايات المتحدة غارات جوية ضد ميليشيات مدعومة من إيران في العراق، ردا على الهجمات التي قتلت اثنين من أفراد الخدمة الأمريكية,  وقد وصفت بأنها رد فعل “متناسب”.

ومع ذلك، فقد دفع البنتاجون بخطة أكثر طموحاً بكثير للانخراط في الحرب ضد الوكلاء الإيرانيين وفي النهاية إيران نفسها.

كتب مارك مازيتي وإريك شميت في صحيفة نيويورك تايمز: “كان بعض كبار المسؤولين، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو وروبرت سي أوبراين، مستشار الأمن القومي يمارسون ضغوطاً من أجل القيام بعمل عدواني جديد ضد إيران وقواتها بالوكالة, حيث يرونها فرصة لمحاولة تدمير الميليشيات المدعومة من إيران في العراق بينما القادة في إيران مشتتين بسبب أزمة الوباء في بلادهم”.

وفي أفغانستان المجاورة، وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان اتفاق سلام في نهاية فبراير, لكن أي نهاية للحرب في أفغانستان ستتطلب هدنة بين الفصائل داخل البلد، وفي الواقع داخل الحكومة نفسها وبعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها التي فاز فيها الرئيس أشرف غني مرة أخرى على منافسه الرئيسي عبد الله عبدالله، وحتى التهديد بتخفيض المساعدات الأمريكية لم يقنع الجانبين بالوحدة.

يستمر القتال على الأرض، حيث كانت آخر الغارات الجوية ضد طالبان  يوم 24 مارس وكذلك سلسلة من هجمات طالبان في الأسبوع الماضي ضد جنود ورجال الشرطة الأفغان.

في الفترة التي سبقت التوقيع على اتفاق السلام، شنت الولايات المتحدة ثاني أكبر عدد من الهجمات الجوية لشهر فبراير منذ عام 2009, وفي العام الماضي، تعرضت أفغانستان لأكبر الهجمات الجوية الأمريكية منذ عام 2006, تتصاعد الحروب في أماكن أخرى من العالم، فيما يلعن الوباء.

وفي سوريا أعلنت جميع الأطراف الهدنة في أوائل مارس، لكن تركيا تبادلت الهجمات مع “الجماعات المتطرفة” في محافظة إدلب في 19 مارس.

وهذا الأسبوع، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية قاعدة عسكرية سورية بالقرب من حمص, وقد أشارت الدولة الإسلامية إلى أنها ترى أن الفيروس التاجي فرصة لتصعيد الهجمات- مثل المذبحة الأخيرة في معبد السيخ في كابول- لأن آخر شيء يريده “الصليبيون” هو “إرسال جنود إضافيين إلى المناطق التي من الممكن أن ينتشر فيها المرض.

ومع ذلك، فإن الفيروس التاجي سيضر بشكل كبير باللاجئين السوريين، ولاسيما الموجة الأخيرة التي يبلغ تعدادها ما يقرب من مليون شخص فروا من إدلب وحلب في ديسمبر المنصرم.

في ليبيا، وافق طرفا الحرب الأهلية على هدنة إنسانية تبخرت بعد يوم واحد فقط واشتد القتال هناك, من ينتصر في طرابلس سيسيطر على العاصمة ذات البنية التحتية المدمرة بالفعل واقتصاد منهار, حيث سيتعين على المنتصر  في الحرب العمل على معالجة حالة الطوارئ الصحية المتزايدة مع شحة في الموارد.

في غضون ذلك، في اليمن، التي هي في طريقها لتصبح أفقر دولة في العالم بسبب حربها المستمرة منذ خمس سنوات، وافق المقاتلون على هدنة الأسبوع الماضي, وكما حدث في ليبيا، لم تدم طويلا.

ومنذ ذلك الحين، أطلق الحوثيون بعض الصواريخ البالستية التي يمكن اعتراضها بسهولة على المملكة العربية السعودية، وردت الاخيرة بالقصف مجدداً على صنعاء عاصمة اليمن.

كما تستمر الصراعات في جميع أنحاء إفريقيا في الكاميرون وتشاد ونيجيريا وموزمبيق ومالي, على الرغم من المناشدات للدخول بهدنة.

لم توقف حركة الشباب تفجيراتها الانتحارية ولا اوقفت الولايات المتحدة هجماتها بالطائرات بدون طيار في الصومال, وفي أماكن أخرى من العالم، ليس هناك توقف لمواجهة الوباء لسلسلة من الحروب الباردة القاتلة.

عقوبات التسلح

لسنوات، حاولت الولايات المتحدة شل علاقات كوريا الشمالية الاقتصادية مع العالم الخارجي كوسيلة لإجبار الحكومة على التفاوض بعيدا عن برنامج أسلحتها النووية, وابتكرت كوريا الشمالية مجموعة متنوعة من الأساليب للتغلب على عقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بما في ذلك النقل غير المشروع للنفط من السفن الأجنبية إلى السفن الكورية الشمالية في وسط المحيط.

لكن المصدر الأكثر ربحاً للسلع والعائدات ظل بالصين التي كانت مسؤولة عن ما يزيد عن 95٪ من تجارة كوريا الشمالية, وقد مارست واشنطن بشكل متقطع ضغوطاً على بكين للحد من هذه التجارة للضغط على بيونغ يانغ للعودة إلى طاولة المفاوضات, ولم تنجح.

ثم ظهر الفيروس كورونا, وبحلول نهاية يناير، كانت كوريا الشمالية قد أغلقت حدودها مع الصين لتقليل مخاطر الإصابة بالعدوى, حتى أنه أصدر توجيهات لحراسة المراكز لوقف عمليات التهريب الكثيرة, فما لم تتمكن العقوبات من تحقيقه منذ سنوات، تمكن الفيروس من تحقيقه في غضون أسابيع.

على الرغم من هذه الإجراءات الاحترازية، فإن الفيروس كورونا وصل إلى كوريا الشمالية دون شك.

كانت هناك تقارير عن حالات وفاة محتملة مرتبطة بفيروس كورونا في الجيش الكوري الشمالي, حيث تم عزل الآلاف من الناس, حتى عندما تصر حكومة كوريا الشمالية على أن البلد لا تزال خالية من الوباء، فقد ناشدت بشكل خفي الحكومات الأخرى للمساعدة في معالجة المرض.

إن الولايات المتحدة صامدة حتى الآن, على الرغم من أن العقوبات تعيق إيصال المساعدات الإنسانية الحيوية، فقد رفضت واشنطن إعادة النظر في العقوبات.

يواصل  وزير الخارجية بومبيو الحديث كما لو أن الوباء لا يتفشى في دول العالم: “يجب أن تظل مجموعة الـ 7 وجميع الدول متحدة في دعوة كوريا الشمالية للعودة إلى المفاوضات والبقاء ملتزمين بممارسة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على برنامجها النووي غير القانوني وبرامج الصواريخ الباليستية”.

كان بومبيو أكثر قسوة تجاه إيران، حيث تعتبر المنطقة الساخنة المتأثرة بالوباء في وقت مبكر.

لقد تخبطت طهران في البداية في ردها على المرض، الذي انتشر بسرعة في اوساط السكان وكذلك القيادة السياسية والدينية, كما أوضحت هيومن رايتس ووتش بدقة والعقوبات الاقتصادية الأمريكية فقط جعلت من الوضع السيئ أسوأ.

نعم، تسمح حكومة الولايات المتحدة رسمياً بتقديم مساعدات إنسانية للبلد, لكن نظام العقوبات الذي يتضمن التهديد بفرض عقوبات ثانوية ضد الكيانات التي ترتبط بطهران- يضمن أن تبتعد البنوك والشركات عن إيران.

رأي بومبيو ان الأمور أسوأ بكثير بالنسبة للشعب الإيراني ونحن مقتنعون بأن ذلك سيقود الشعب الإيراني إلى التيقظ وتغيير سلوك النظام.

هذه أيضاً إلى حد كبير استراتيجية الولايات المتحدة تجاه فنزويلا التي هي في وضع أكثر ضعفا, على الرغم من أن لديها اكثر من 130 حالة مؤكدة فقط، فمن المرجح أن يدمر الفيروس التاجي البلد الضعيف.

تقول صحيفة الغارديان أن ربع الأطباء في فنزويلا فقط لديهم إمكانية الحصول على إمدادات موثقة من المياه، وثلثاهم لا يملكون صابوناً أو قفازات أو أقنعة وهناك 73 سريرا للعناية المركزة في جميع أنحاء البلد.

اشترطت إدارة ترامب أن أي تخفيض للعقوبات يتم باتفاق سياسي يتطلب من الرئيس نيكولا مادورو التنحي لصالح مجلس انتقالي يضم المعارضة السياسية وقد رفضت الحكومة الحالية خيار تغيير النظام هذا.

أدت تكتيكات الضغط القصوى هذه تجاه كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا مؤخراً بكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جاكسون ديهل الذي لا يتمتع بالليونة في الشؤون الخارجية إلى استنتاج أن أداء بومبيو في التعامل مع الوباء سيضمن مكانه بين أسوأ وزراء الخارجية على الإطلاق.

تفريغ السجون

أفرجت مصر عن 15 معارضاً بارزاً في 21 مارس وقبل ذلك ببضعة أيام، أطلقت البحرين سراح ما يقرب من 1500 معتقل, ولكن لم يكن هناك نشطاء بارزون في مجال حقوق الإنسان أو معارضون سياسيون, كما أفرجت إيران عن 85 الف سجين بشكلٍ مؤقت فقط وتخطط تركيا للإفراج عن 90 ألف سجين، لكن لا أحد منهم يعد سجين سياسي.

السجون هي أرض خصبة ومثالية لتفشي الفيروس كورونا, الظروف الصحية السيئة والاكتظاظ والحد الأدنى من المرافق الطبية تحث العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة على الحد من الاشخاص القابعين وراء القضبان.

تقوم لجنة حماية الصحفيين بالتعبئة لدعم الضغط على الحكومات للإفراج عن 250 صحفياً موجودون حالياً في السجون حول العالم.

ومن جانبها, حثت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه البلدان على خفض عدد الأشخاص المحتجزين مع التركيز بشكل خاص على السجناء السياسيين, حيث أشار إلى أنه يجب على الحكومات الآن أكثر من أي وقت مضى الإفراج عن كل شخص محتجز بدون أساس قانوني كافٍ، بما في ذلك السجناء السياسيون وغيرهم ممن احتُجزوا لمجرد تعبيرهم عن آراء ناقدة أو مخالفة.

وكثيرا ما يقع وراء القضبان ضحايا الحملات الحكومية المختلفة: الحملات ضد الصحافة الحرة، ضد المعارضة السياسية، ضد المخدرات ولكن عندما تهدد حرب كبرى الوطن، يتم تجنيد السجناء أحياناً في الخدمة العسكرية, حيث حدث ذلك خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية من قبل اطراف مختلفة في الحرب العالمية الثانية.

في الحرب العالمية الثالثة، نحتاج إلى الجميع إلى جانبنا, فإذا لم تقم الدول بتفريغ سجونها بشكل ملحوظ خلال أزمة الفيروس التاجي هذه، فمن المحتمل أن يفتك العدو بالسجناء والحراس, كما يزداد هذا العدو قوة فقط مع استمرار نزاعاتنا الصغيرة واستمرار فرض العقوبات المشددة, فقد حان الوقت لبدء الهدنة على جميع الجبهات وإلا سنخسر بالتأكيد الحرب الأكبر.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.