في 26 مارس من العام 2015، شنت قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية حرباً ضد عصبة من المتمردين الحوثيين على الأراضي اليمنية. وبمرور خمس سنوات عجاف، بدأت المملكة الوهابية تظهر بمظهر المتورط في مستنقع من الصراع الدامي والمدمر لكل ما هو جميل على هذه الأرض بما في ذلك الشعب اليمني.

بقلم: نيكولا فاليز

 

(موقع “رافي” الفرنسي – ترجمة: محمد السياري-سبأ(

 

بالرغم من غياب عنصر الشفافية، إلا أن التدخل العسكري لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن جاء في واقع الأمر ليحقق رغبة دفينة وملحة لدى الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع في المملكة.

 

ومن المعلوم للجميع أن كلاهما قد وصلا إلى سدة الحكم في المملكة في أوائل العام 2015, ثم بمرور عدة أسابيع من توليهما الحكم، بدأت البلد تخوض “مغامرة” عسكرية غير مسبوقة؛ ومن الواضح أن الهدف الرئيس من تلك المغامرة في بادئ الأمر كان يتمثل في الحاق الهزيمة بحركة المتمردين الحوثيين التي تمتد جذورها لتصل إلى الطائفة الزيدية – إحدى المذاهب الدينية الإسلامية – التي تشكل جزء لا يتجزأ من تأريخ البلد.

 

ومن الناحية الرسمية وعلى المستوى المحلي فقد كان الهدف من الاجتياح العسكري إنقاذ الحكومة اليمنية المعترف بها رسمياً من قبل المجتمع الدولي واستعادتها لشرعيتها.

 

أما على المستوى الإقليمي، فقد عزمت الرياض في الوقت ذاته على انتهاز الفرصة وعدم ادخار أي جهد أو إمكانيات لإلحاق أكبر ضرر ممكن الحاقه بعدوها الإقليمي اللدود، إيران، والذي لا يخفي في الواقع يده الناعمة الداعمة للحوثيين سياسياً ولوجستياً.

 

ضحايا بالملايين والأرقام في تزايد:

 

ها هي خمس سنوات عجاف من الصراع المرير والمدمر قد انقضت لتترك البلد في حالة يرثى لها من الفوضى والتدهور الاقتصادي والسياسي؛ ومع ذلك فقد كان الإخفاق العسكري الذي منيت به دول التحالف العربي، وعلى رأسها السعودية، صارخاً وغير مسبوق طالما وأن انصار الله لا يزالون يسيطرون على زمام الأمور في المناطق الشمالية من البلد بما في ذلك العاصمة صنعاء.

 

من زاوية أخرى، كان حجم الخسائر البشرية كارثياً وقد تم التوثيق على نطاق واسع سواءً من قبل منظمة الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية على غرار “المجلس النرويجي للاجئين”: حيث تشير الأرقام إلى أن ما يقرب من 24 مليون يمني تم تصنيفهم من ضمن الفئات الأشد احتياجاً للمساعدات الإغاثية، منهم 20 مليون في أمس الحاجة للمعونات الغذائية، في حين يعاني 19.7 مليون شخص من نقص حاد في المستلزمات الطبية، كما لم يتم إغفال من هم دون مأوى والبالغ عددهم 6.7 مليون لاجئ…

 

وفي إطار تلك اللوحة القاتمة والحزينة للمشهد الكارثي في اليمن بدأت تلوح ظلال خطر جديد متمثل في فيروس كورونا المستجد؛ ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة “إنقاذ الطفولة”، وهي منظمة غير حكومية، فقد أدت خمس سنوات من الحرب الجائرة إلى خلق كثيرٍ من التبعات المدمرة ولاسيما على صحة الأطفال العقلية؛ وقد وقع كثير منهم فريسة للأمراض النفسية كالخوف والقلق والاكتئاب؛ وفي استطلاع للرأي تم إجراءه على نطاق واسع في جميع أنحاء البلد، جاءت الأرقام لتؤكد على أن عدة آلاف من الأطفال أصبحوا يعانون من “الحزن الشديد والاكتئاب الحاد”، حيث أفاد واحد من كل عشرة أطفال بأن ذلك الشعور قد أصبح يرافقهم “كحالة مزمنة”.

 

مأزق الحرب:

 

على الصعيد الدولي، كانت هنالك العديد والعديد من المحاولات الدولية الهادفة على مدى خمس سنوات لتسوية النزاع ورسم خارطة طريق نحو مخرج للجميع من الأزمة؛ ولكن من المؤسف أن جميعها كانت على الدوام تلاقي المصير المحتوم ذاته ألا وهو الفشل الذريع.

 

وفي السياق ذاته، من الواضح أن الإعلان في العام 2019 عن “قناة” تفاوض مفتوحة بين انصار الله والسعودية, لم يسفر عن إحراز تقدم كبير, كما كان غياب الحلول الحاسمة لذلك الصراع الشائك هو ما دفع بدولة الإمارات العربية المتحدة الشريك والحليف المقرب من الرياض إلى خيار الانسحاب الجزئي من اليمن العام الماضي.

 

وفي الضفة المقابلة، لا شك أن ذلك الوضع قد تسبب في كثير من الإحراج والضغوط لحلفاء الرياض الغربيين باعتبارهم الأطراف الرئيسة المزودة لها بالأسلحة والمعدات العسكرية بمختلف أنواعها.

 

وأمام ذلك الاستهتار لم تقف المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان مكتوفة الأيدي، بل عمدت العديد منها إلى المحاكم الدولية للعمل على إيقاف مثل تلك الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية؛ ومن ذلك ما قامت به المنظمة الفرنسية غير الحكومية “آسر” التي كان لها أثراً بالغاً في إدانة تلك الحرب مؤكدة بأنه “يتم تغذيتها باستمرار بالأسلحة الغربية التي تستخدم وفق منهجية تنتهك معاهدة الاتجار بالسلاح” ولاسيما الصفقات العسكرية المبرمة مع ألمانيا وبلجيكا وكندا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

 

ووفقاً للتقارير التي أعدتها مجموعة من الناشطين العاملين في منظمة “آسر”، فقد قامت عدة حكومات أوروبية بتقديم أذونات تسمح بنقل ترسانة مهولة من الأسلحة إلى السعودية والإمارات بقيمة 95 مليار يورو؛ الأمر الذي يعطي صورة واضحة المعالم تفيد بأن ذاك الصراع القائم على الأراضي اليمنية يسير نحو طريق مسدود طالما وأن مثل تلك التجاوزات تجري دون رقيب أو حسيب وعلى مرأى ومسمع من الجميع.

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.