(صحيفة” نيو انترنشيناليست -New “Internationalist  البريطانية, ترجمة:نجاة نور-سبأ)

 

في 26 مارس اكملت الحرب في اليمن عامها الخامس، وهي علامة مفزعة لا تكاد تذكر في الوقت الذي يتصارع فيه العالم مع واقعة جائحة فيروس كورونا.

بينما لا يوجد بلد محصن ضد الفيروس، تواجه اليمن الان خطر محقق جراء الحرب المشتعلة فيها لخمس سنوات.

فقد قضت الحرب على النظام الصحي الركيك بالفعل، فيما شُرد 3.3 مليون شخص، امسى 80 % من السكان بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية الضرورية، ومع تصاعد وتيرة الحرب مرة أخرى في جميع أنحاء البلد، يحتاج اليمن الآن إلى دعم دولي أكثر من أي وقت مضى لمنع الأزمة من الانزلاق إلى منحدرات مأساوية جديدة.

وحتى الوقت الذي كتب فيه هذا التقرير، لم تسجل أي حالات اصابة مؤكدة بالفيروس في اليمن.

ومع ذلك، فقد وصل الوباء إلى السعودية وعمان والإمارات، وهي دول تشترك مع اليمن في الحدود, كما وصل إلى منطقة شرق إفريقيا، التي لا يزال فيها عشرات الآلاف من المهاجرين يسافرون إلى اليمن في محاولة للعثور على وظائف في المملكة العربية السعودية، حيث تم توثيق حالات لتنقل المواطنين في هذا الوقت.

ورداً على ذلك، أغلقت سلطات أنصار الله في شمال اليمن حدودها، وتم إيقاف الرحلات بين الشمال والجنوب وداخل اليمن, وعلى الرغم من هذه الخطوات، فلا تزال حدود اليمن سهلة الاختراق.

تفاقم الازمات

لقد زرت اليمن مؤخراً، ورأيت عن كثب كيف تسببت خمس سنوات من الحرب في تدمير النظام الصحي في البلد، وانهيار الاقتصاد وبالتالي ارتفعت أسعار الوقود وزادت التكاليف التشغيلية للمستشفيات والعيادات.

فيما خلف انهيار الخدمة المدنية العديد من العاملين في القطاع الصحي العام دون رواتب لسنوات، الشيء الذي تسبب بتوقف العاملين عن الذهاب إلى اشغالهم مما جعلها تعاني من نقص حاد في الكادر, حيث اظهر تحقيق اجري مؤخراً أن المنشآت الصحية قد تعرضت للاستهداف 120 مرة من قبل الأطراف المتحاربة منذ عام 2015, في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.

والنتيجة كانت ما يقرب من نصف المرافق الصحية في اليمن خارجة عن الخدمة، مما يجعل 19.7 مليون شخص لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية الأساسية.

كما أن أنظمة مراقبة الأمراض غير جاهزة، فمن بين 244 شخصاً دخلوا اليمن تم تحديدهم من أجل العزل المنزلي بسبب فيروس كورونا، في حين فشلت عملية رصد  100 شخصا.

في عام 2019 احتل النظام الصحي في اليمن المرتبة 179 من اصل 195 نظاماً صحياً عالمياً من حيث قدرته على اكتشاف حالات تفشي الأوبئة والإبلاغ عنها، والمرتبة 184 في قدرتها على الاستجابة و 193 في قدرتها على اجراء الفحوصات المخبرية.

إن سلسلة تفشي الاوبئة الأخيرة في اليمن يعطي سببا منطقياً للتشاؤم, ففي العام الماضي، عانت البلد من تفشي مرض الحصبة والدفتيريا, كما تفشي وباء الكوليرا على نطاق واسع مصيباً ما يقرب من نصف مليون شخص.

وهذا العام، فتكت حمى الضنك بالسكان، فهذه الأمراض تزدهر في المناطق التي يكون فيها الانظمة الصحية ضعيفة وسوء الحالة الصحية للسكان، فيما تكافح دول مثل الصين وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا من أجل التأقلم على الوضع الراهن بالرغم من الانظمة الصحية المتقدمة, وهنا من السهل التوقع بان الفيروس التاجي سيدمر اليمن.

إن النظام الصحي المدمر ليس التهديد الوحيد، فقد أدت سنوات من الحرب إلى تقويض الأمن الغذائي, فقد رأيت في اليمن فرق لجنة الإنقاذ الدولية تستجيب لمستويات الطوارئ من سوء التغذية وهي حالة معروفة بأنها تضر بالنظام المناعي للأفراد.

يعاني 20 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي و 7.4 مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة الغذائية، إذاً فإن كوفيد -١٩ يشكل خطراً كبيراً عليهم.

وبالنسبة للسكان الذين أصيبوا بصدمات نفسية جراء سنوات الحرب، فإن نقص المعلومات حول مخاطر فيروس كورونا فعلياً تسبب الذعر، والمزيد من القلق على الفئات المهمشة والمتضررة.

على الصعيد العالمي، أدى قرار العزل المنزلي إلى ارتفاع مفاجئ في نسبة العنف المنزلي.

وفي اليمن ادت الحرب إلى ارتفاع معدلات العنف القائم على نوع الجنس بنسبة ٦٣% منذ بداية الصراع, لذا يجب أن تعمل فرق الاستجابة ضد الوباء للتخفيف من المخاطر الإضافية المحتملة على النساء والفتيات اليمنيات.

ومما يضاعف من هذه التحديات هو تزايد نشاط الصراع الذي كان قد شهد انخفضاً في عام 2019، ويهدد بتقويض التفاؤل بأن التطورات السياسية في نهاية عام 2019 ربما كانت تبشر بحل سياسي للصراع.

وضعت الأطراف المتحاربة عقبات بيروقراطية شديدة بشكل متزايد على توزيع وإيصال المساعدات الإنسانية، مما عرقل المساعي لإيصال المساعدات الحيوية والانسانية إلى اليمنيين اليائسين.

في نهاية فبراير 2020, بقي 123 مشروعاً للمنظمات غير الحكومية دون تنفيذ لأن السلطات لم توافق على الأوراق ذات الصلة، مما أثر على ما يقدر بنحو 8.2 مليون شخص, وإذا استمر الوضع الحالي مع العديد من المشاريع الإنسانية المنقذة للحياة التي يعتمد عليها اليمنيون، سينفد منها التمويل بحلول نهاية شهر أبريل.

حلول المستقبل

يجب اتخاذ خطوات عاجلة للتخفيف من تأثير الوباء على اليمن ومعالجة ما يعد بالفعل اسوء أزمة إنسانية في العالم.

أولاً: اليمنيون بحاجة إلى الإغاثة الفورية, وموافقة الاطراف المتحارب على وقف لإطلاق النار لدعم الاستجابة ضد فيروس كوفيد- 19.

هناك حاجة الآن إلى دبلوماسية قوية وفعلية لتحويل الكلمات إلى أفعال على الأرض للحد من العنف وضمان العودة إلى محادثات سلام شاملة برعاية الأمم المتحدة.

ثانياً: على المانحين الدوليين تبني مقاربة شاملة ومنسقة للاستجابة لفيروس كورونا في اليمن, الائتمان أمر لا بد منه في مكافحة الأمراض المعدية.

التمويل العاجل لدعم النظام الصحي اليمني بأكمله أمر مهم, وهذا يعني ضمان دفع أجور العاملين الصحيين وتوفير الإمدادات الطبية من الأدوية وغيرها، والأهم من ذلك، يتم تنسيق تدخلات فيروس كورونا مع الصحة الجنسية والإنجابية وإجراءات الحماية لتلبية الاحتياجات المحددة للنساء والفتيات.

ثالثاً: نحتاج إلى دبلوماسية جريئة ومنسقة لضمان التزام الأطراف المتحاربة بإزالة جميع العوائق التي تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع انحاء اليمن.

ومن المرجح أن تظهر حالات الاصابة فيروس كوفيد – ١٩ في الأسابيع القادمة، لذا من المهم أن يتمكن العاملون في المجال الإنساني من العمل بحرية دون قيود وأن يتجنب المانحون الظروف أو حالات التعليق التي من شأنها أن تقوض جهود التأهب وتقديم الرعاية الصحية الأولية.

وأخيراً: يجب على الأطراف المتحاربة أن تلتزم بشكل علني باحترام القانون الدولي، مع التركيز بشكل خاص على حماية المرافق الطبية والعاملين الصحيين.

لم يخلق فيروس كورونا الحاجة إلى وقف إطلاق النار لتمويل النظام الصحي، ولا لاحترام القانون الدولي، لكنه يوضح مدى الحاجة الملحة للعمل في الوقت الحالي نظرا لتوقعات الخسائر البشرية في حال استمرار الصراع وتمكن الفيروس من الدخول إلى البلد.

لقد رأينا بأم اعيننا آثار هذا الوباء على الدول الغنية والمستقرة, وللحد من أسوأ النتائج في اليمن التي من الممكن أن تكون كارثية، يجب دعم اليمنيين ونظامهم الصحي الهش الآن.

* ماركوس سكينر كبير مستشاري النزاعات والسياسات الإنسانية في منظمة لجنة الإنقاذ الدولية.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.