بقلم: فرانسوا ميلان

(صحيفة “لو بوان” السويسرية الناطقة بالفرنسية – ترجمة: محمد السياري –سبأ)

 

في الوقت الذي يضع فيه فيروس كوفيد 19، أو ما يعرف بفيروس كورونا المستجد، النظام الصحي في بلجيكا تحت ضغوط هائلة وغير مسبوقة، تجد دولة أخرى نفسها – عقب خمس سنوات من الدمار والتدهور الاقتصادي الحاد على أثر حرب جائرة قامت بها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية, في وضع شديد الحساسية وفي قمة ضعفها لتقف وحيدة في وجه ذلك الفيروس الذي لا يهدد دولة بعينها بل ويعرض البشرية جمعاء للهلاك: تلك هي دولة اليمن التي تعاني في واقع الأمر وبشكل مأساوي من فشل كامل في منظومتها الصحية نظراً لتعرض مستشفياتها ومرافقها الصحية وبصورة متعمدة للعشرات من عمليات القصف الجوية – وهذا يعد من جرائم الحرب – التي تشنها قوات التحالف بقيادة السعودية مستخدمة الأسلحة والمعدات العسكرية التي تحصل عليها من العديد من البلدان الغربية وعلى رأسها بلجيكا.

في الواقع، ما من سنة تماثل العام 2018؛ ذلك العام الذي نفذت فيه قوات التحالف ما يزيد عن 53 عملية قصف جوي استهدف البنية الصحية التحتية.

ولعل آخر عمليات التحالف الإجرامية كان في 13 مارس حينما استهدفت عدداً من الصواريخ مستشفى الثورة العام في مدينة تعز التي تقع جنوب غربي اليمن, ونتيجة لتلك الجرائم الوحشية، أصبح ما يزيد عن 14.3 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة الوشيكة؛ وإلى جانب ذلك تم تصنيف ما يربو على 24 مليون شخص ضمن الفئات الأكثر حاجة للمساعدات الإنسانية الغذائية والطبية العاجلة؛ ومع ذلك لا يزال ما نسبته 51٪ فقط من المرافق الصحية اليمنية في إطار الصلاحية في الوقت الحالي وفقاً لآخر التقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية.

رفض قضائي ولامبالاة رئاسية صارخة!

في الإطار ذاته وعلى الرغم من القصف المتكرر والمتعمد للمنشآت التعليمية والمباني السكنية والمرافق الصحية من قبل قوات التحالف وبإدارة منفردة من قبل السعودية، وبرغم القرارات القضائية التي أصدرتها العديد من المحاكم الجنائية إلى جانب المعارضة الشديدة والمتنامية من قبل المنظمات الدولية المناهضة للعمليات غير الممنهجة لتصدير الأسلحة، وبالرغم من قائمة الأصوات الرافضة لتلك الصفقات المشبوهة والتي بلغ عددها 75,000 صوت وتم تسليمها عن طريق منظمة العفو الدولية في نوفمبر الماضي إلى رئيس الوزراء الفالوني – البلجيكي – “إليو دي روبو”، إلا أن هذا الأخير “لم يرى” أنه من المناسب التوقف عن أبرام مثل تلك الصفقات المربحة مع دولة سخية مثل السعودية.

وفي نهاية العام 2019، كان القرار الذي اتخذه الرئيس البلجيكي معيباً وخالياً من أي استياء من الوقائع الإجرامية التي يعد مشاركاً فيها ولو بشكل غير مباشر: ففي الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى أن أكثر من 233,000 يمني قد قتلوا بالفعل جراء الصراعات العسكرية والأزمات الإنسانية والاقتصادية الخانقة – علماً بأن غالبيتهم من المدنيين والأطفال وحديثي السن –، إلا أنه لم يتردد مطلقاً في منح التراخيص اللازمة لاستكمال تنفيذ صفقات تصدير الأسلحة إلى السعودية والتي بلغ عددها 17 ترخيص.

وفي شهر ديسمبر فقط من العام 2019، من المعلوم أنه قد تم تسليم ما يقرب من 180 مليون يورو من قبل الرياض كقيمة للأسلحة البلجيكية؛ الأمر الذي أدى إلى إثراء عددٍ من الشركات البلجيكية الرائدة في تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية ومن أهمها ثلاث شركات: “جون كوكريل” – التي كان أسمها مؤخراً “سي أم آي ديفينس” – و”إف إن هيرستال” و”ميكار”.

مما لا شك فيه أن السعي الحثيث والهمجي خلف هكذا تجارة مع السعودية، بمنحها عدداً من التراخيص الجديدة لتصدير الأسلحة إليها, يعد أمراً غير شرعي ولا يمكن تقديم التفسيرات المبرره له, ولكن لا بد لنا هنا من معرفة الحقيقة التي تؤكد بأن قيمة ما تم تسليمه من الأسلحة البلجيكية إلى السعودية والإمارات – باعتبارهما الطرفان الأكثر نشاطاً في الحرب القائمة على الأراضي اليمنية – يزيد عن 2.6 مليار يورو، وذلك أعتباراً من العام 2015.

احترام القضاء أمر لا مناص منه!

رداً على أعطاء الضوء الأخضر من قبل مكتب رئيس الوزراء لتلك التراخيص الجديدة لتصدير الأسلحة، عمدت ثلاث منظمات غير حكومية، بدعم ومساندة من قبل منظمة العفو الدولية، إلى تقديم طلباً استثنائي وبصورة عاجلة إلى مجلس الدولة لتوضيح موقفه من ذلك واتخاذ ما يلزم؛ وفي 9 مارس الجاري، أبدى مجلس الدولة تجاوبه مع تلك المطالب مؤكد موافقته على تعليق جميع تلك التراخيص البالغ عددها 17.

وأمام مثل هذا القرار الرئاسي من المتوقع ألا يتمكن رئيس الوزراء المتغطرس من الوقوف في اتجاه مضاد له، على الرغم من عدم وجود أية ضمانات تؤكد الالتزام بهكذا قرار في ضوء غياب أي أطار رسمي في هذا الاتجاه.

ولكن يبقى من الجلي للعيان أن جميع وزراء ورؤساء الإقليم الفالوني قد انتهكوا القانون الدولي بالإضافة إلى المحلي في ظل سماحهم وتجاوبهم مع ما يتيح ويمكن من أبرام صفقات السلاح وعلى نطاق واسع مع المملكة العربية السعودية؛ وفوق كل ذلك فقد جعلوا من النظام البلجيكي شريكاً رسمياً في جميع تلك الفظائع المرتكبة على الأراضي اليمنية ولاسيما جرائم الحرب المتمثلة على سبيل المثال في التدمير المتعمد للمستشفيات والمراكز العلاجية وغيرها من مرافق الرعاية الصحية.

وفي ظل هذه الذكرى السنوية الحزينة للصراع الدموي المأساوي المستمر منذ ما يزيد على خمس سنوات في اليمن، في الوقت الذي يعاني فيه المدنيون من المخاطر الصحية بمواجهة وباء من المؤكد أنه ستترتب عليه عواقب وخيمة وكارثية، أصبح من الضروري وبصورة حتمية أن يذعن رئيس الوزراء البلجيكي ويسارع بالتخلي عن قراره السابق الذي يمنح التراخيص اللازمة لصفقات السلاح الموقعة مع السعودية طالما وأنها ترفض التوقف عن ارتكابها لجرائم حرب؛ وليس ذلك فحسب، بل على الجهاز القضائي فرض سيادته وسيطرته واحترام القوانين المحلية والدولية بداية بقرار مجلس الدولة.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.