من القنابل العنقودية إلى النفايات السامة: السعودية تجعل من اليمن فلوجة آخرى
من إلقاء النفايات السامة في البحر إلى إمطار مزارع اليمن بأطنان من القنابل العنقودية التي لم تنفجر، جعلت المملكة العربية السعودية من اليمن بيئة شديدة السمية، حيث يعتقد الخبراء أن اليمن قد يستغرق قرناً من الزمن للتعافي من آثار تلك المخلفات.
بقلم: احمد عبد الكريم
السياسية: ترجمة: نجاة نور- (سبأ)
الجوف، اليمن- بينما يتحول اهتمام العالم إلى وباء (كوفيد-19) سريع الانتشار، يعاني اليمنيون من مأساتهم الخاصة المتراكمة، إذ يعاني الآلاف من السكان جراء انتشار القنابل العنقودية والألغام الأرضية وغيرها من الذخائر الغير متفجرة التي تتناثر على طول بلدهم.
قال شهود لموقع “mintpressnews”، أن طفلاً صغيراً قُتل, في حين جُرح آخر في منطقة الغيل بمحافظة الجوف جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات الجيش السعودي.
وبنبرة ملئها الخوف والغضب في ذات الوقت, وصف أحمد شريف وهو أب لـ 9 أطفال والذي يمتلك مزرعة في المنطقة وجود هذه الذخائر غير المنفجرة بأنها “تهديد كبير لأطفالنا.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، القت الطائرات الآلاف من القنابل العنقودية التي تحتوي بداخلها على العشرات والمئات من الذخائر الصغيرة وتنتشر بشكل عشوائي على مناطق واسعة بالقرب من مزرعة أحمد.
لم ينفجر عدد كبير من تلك الذخائر عند ارتطامها بالأرض مما خلق تهديداً جديداً للسكان الذين يعانون منذ 5 سنوات من الحرب والمجاعة والحصار الاقتصادي.
يُحظر استخدام وإنتاج وبيع ونقل القنابل العنقودية بموجب اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008, وهي اتفاقية دولية معترف بها من قبل أكثر من 100 دولة، لكن السعودية والولايات المتحدة تأبي الاعتراف بها.
تشير الاحصائيات إلى أن السعودية القت خلال الـ 100 يوما الماضية فقط، آلاف الأطنان من الأسلحة الأمريكية الصنع على محافظة الجوف الغنية بالنفط والتي تقع في شمال اليمن وتمتد على طول الحدود السعودية.
من المحتمل أن تكون هذه الحملة الجوية المكثفة هي المحاولة الاخيرة لوقف التمدد الناجح للمعركة التي شنتها قوات شعبية متطوعة ومتحالفة مع قوات الحوثيين لاستعادة مناطق كبيرة من محافظتي الجوف ومأرب, بيد أن هذه الحملة فشلت بجميع اهدافها.
أعلن الحوثيون أن عمليتهم العسكرية التي أطلق عليها اسم “فأمكن منهم” قد اكتملت وأن محافظة الجوف اصبحت خالية من الاحتلال السعودي.
وبحسب مصادر للحوثيين فقد قتل و جرح أكثر من 1200 من مقاتلي التحالف بقيادة السعودية خلال العملية، وأُلقي القبض على العشرات من القوات السعودية، بما في ذلك ضباط, كما ضرب الحوثيون عمق الأراضي السعودية انتقاما على أكثر من 250 غارة جوية سعودية شنها التحالف خلال الحملة, فقد تم استخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة في عمليات متعددة لاستهداف منشآت في الاراضي السعودية.
الخسائر السعودية لم تقتصر على الجوف فقط, ففي الأسبوع الماضي، تم استعادة محافظة مأرب المتاخمة للعاصمة اليمنية صنعاء بعد معارك عنيفة مع القوات السعودية, حيث تمكن مقاتلو القبائل المحلية من تطهير المناطق الاستراتيجية في منطقة صرواح بمساعدة قوات الحوثي والسيطرة على تباب البرع و تبة الحمراء الاستراتيجية المطلة على مدينة مأرب.
اعترف كل من التحالف الذي تقوده السعودية والمقاتلون المتحالفون معها بالهزيمة في البداية، لكنهم وصفوا فيما بعد خسارتهم بأنها انسحاب تكتيكي.
مأرب هي ثاني محافظة يمنية مجاورة للسعودية بعد الجوف، كانت تقع تحت سيطرة قوات المقاومة اليمنية في الشهر الماضي.
تتمتع كلتا المحافظتين بأهمية استراتيجية للمملكة ويمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق محتملة للعمليات الى منطقة نجران السعودية.
“السعودية وأمريكا زرعتا أرضنا بالموت”
تعرضت المدن ذات الكثافة السكانية العالية مثل صنعاء، وصعدة، والحديدة، وحجة، ومأرب والجوف إلى حملات قصف بدون اهداف واضحة خلال الحرب التي قادتها السعودية على اليمن، والتي تكُمل عامها الخامس في 26 من شهر مارس الجاري, هذه الحملة التي تشنها كل يوم بشكلٍ عشوائي، جعلت اليمن واحدة من أكثر الدول تلوثا في العالم.
منذ عام 2015، عندما بدأت الحرب، شنت طائرات التحالف الحربية أكثر من 250 ألف غارة جوية على اليمن، وبحسب احصائيات الجيش اليمني فأن 70٪ من تلك الغارات الجوية أصابت أهدافاً مدنية, حيث تم ألقاء آلاف الأطنان من الأسلحة التي يتم غالباً استيرادها من الولايات المتحدة، على المستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد والمزارع والمصانع والجسور ومحطات معالجة المياه والكهرباء، بينما ملئت بعض المناطق المكتظة بالسكان بالذخائر التي لم تنفجر.
ولا تزال نسبة كبيرة من تلك الذخائر مغروسة في الأرض أو وسط أنقاض المباني التي تعرضت للقصف، مما يشكل تهديداً على المدنيين والبيئة.
قال مانع أبو رصين، الأب الذي فقد اثنان من ابناءه في انفجار قنبلة عنقودية غير منفجرة في أغسطس 2018, أن “السعودية وأمريكا زرعتا أرضنا بالموت”.
كان أبناء أبو رصين، راشد، ذو 10 أعوام وحسين ذو 8 أعوام، يرعون قطيع أغنام عائلاتهم في قرية الغول شمال صعدة،البعيدة عن أي ساحة قتال, وأثناء ذلك اكتشفوا شيئاً غير مألوفا، ومثل معظم الصبية الفضوليين التقطوه لاكتشاف ماهيته, لكن الشيء الذي عثروا عليه لم يكن لعبة، بل قنبله عنقودية غير منفجرة أسقطتها طائرة سعودية.
وبعد سماع دوي الانفجار، ذهبت عائلة الصبيين للتحقق فوجدتهم مغطيين بالدماء وقد فارقا الحياة.
منذ مارس 2015, سجلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 15 حادثة تتعلق بستة أنواع مختلفة من الذخائر العنقودية في خمس محافظات على الأقل من أصل 21 محافظة يمنية.
ووفقاً لمشروع مكافحة الألغام التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تم الإبلاغ عن بعض من أضخم الألغام والمتفجرات التي خلفتها الحرب في المحافظات الشمالية المتاخمة للسعودية، والمحافظات الساحلية الجنوبية والمحافظات الغربية الوسطى، وجميع المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
منذ عام 2018, قام فريق من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإزالة ما يقرب الـ 9 آلاف لغم أرضي وأكثر من 116000 من المتفجرات في اليمن.
من الحرب اليمنية عام 1994 إلى الحروب الست في صعدة، عانى اليمنيون من عدة حروب على مدى العقود الثلاثة الماضية, ولكن بفضل الحرب التي تتشبع بالأسلحة الأمريكية، قضت الحرب المستمرة على حصيلة من اليمنيين لم تشهدها اليمن منذ مئات السنين.
في صعدة، يمتلك التحالف السعودي إرثاً كبيراً من الذخائر غير المنفجرة، يصل إلى مليون وفقاً للأرقام المقدمة إلى “mintpressnews”من قبل المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام، وهي منظمة تدعمها الأمم المتحدة.
مدير المشروع في المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام، ذكر أن التلوث الشديد بالذخائر العنقودية يقع في محافظات صعدة والجوف وعمران والحديدة والمحويت وصنعاء, كما تم الإبلاغ عن التلوث في مأرب.
يعتبر المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام المنظمة الوحيدة التي تعمل في الوقت الراهن في جميع أنحاء البلد خلال الحرب الدائرة, والتي تواجه فرقهم حالة معقدة للغاية، حيث يتم التخلص من الذخائر التقليدية والقنابل التي يتم إسقاطها من الطائرات، بما في ذلك المتفجرات من مخلفات صواريخ الحرب وقذائف المدفعية وقذائف الهاون والقنابل اليدوية والألغام الأرضية والقنابل العنقودية والذخائر الفرعية الأخرى وما شابهها المتفجرات.
إرث السعودية السام
بالإضافة إلى قتل وجرح المئات من المدنيين اليمنيين، عرّضت الأسلحة الأمريكية الشعب اليمني لمواد شديدة السمية على مستوى لم يشهده العالم منذ الاستخدام السيئ السمعة لليورانيوم المشع من قبل الولايات المتحدة في الفلوجة بالعراق، والتي مازالت حتى يومنا هذا تسبب معدلات عالية بشكل غير طبيعي للسكان, كأمراض السرطان والعيوب الخلقية.
أدت المواد الكيميائية الخطرة من النفايات العسكرية للتحالف السعودي، بما في ذلك المواد المشعة وهيدروكربونات الوقود والمعادن الثقيلة إلى تفشي الأمراض, حيث تحتوي المركبات المهجورة في ساحات القتال عادة على مواد شديدة السمية بما في ذلك مركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور، ومركبات الكربون الكلور فلورية، وبقايا اليورانيوم، والذخائر غير المنفجرة، والأسبستوس والزيوت المعدنية, ولا تزال المئات من هذه الخردة العسكرية بين أيدي المواطنين في نهم والجوف وصرواح ومأرب وفي جميع أنحاء اليمن.
وبصرف النظر عن التهديد الذي تشكله على ارواح الانسان والحيوان، تحتوي الذخائر غير المنفجرة على مواد سامة مثل (ار دي اكس ) (تي ان تي ) والمعادن الثقيلة التي تطلق مستويات عالية من المواد السامة في الهواء والتربة والمياه.
ووفقاً لكل من وزارة المياه والبيئة ووزارة الصحة، اللتين أجرتا تقييمات بيئية لتأثير القصف على المدن، فإن المستويات العالية من النفايات الخطرة وملوثات الهواء موجودة بالفعل في مناطق مأهولة بالسكان.
إلى جانب الكميات التي لا تزال غير معروفة من بقايا الأسلحة التقليدية في اليمن، تم العثور على نفايات اثناء مسح المباني التي تم قصفها بشكل خاص بالمواد الخطرة، بما في ذلك الأسبست الذي يستخدم في المواد العسكرية لعزل الصوت والحريق والأسلاك وفي استخدامات اخرى.
كما تشكل الحرائق والدخان الكثيف الذي يتصاعد في المناطق المدنية التي تكتظ بالسكان بعد عمليات القصف السعودية تهديداً حقيقياً لصحة الإنسان.
مشهد شائع في العديد من المدن اليمنية منذ بدء الحرب، هذه السحب السميكة من الدخان السام تستمر أحياناً في التصاعد لأيام وتغطي الأسطح وتمتلئ بها الاجهزة التنفسية للسكان وهي مليئة بالسموم الخطرة مثل (پي أ اتش اس) والديوكسينات والفيورانات، هذه المواد التي اثبتت الدراسات أنها تسبب السرطان ومشاكل في الكبد والعيوب الخلقية.
قبل اندلاع الحرب، تم نقل معظم المواد الخطرة إلى صنعاء حيث تم فصلها والتخلص منها بشكل صحيح في محطة معالجة الأزرقين المترامية الأطراف جنوب العاصمة صنعاء, لكن هذا المصنع كان من بين أولى الأهداف التي دمرتها الغارات الجوية السعودية بعد بدء الحرب.
بعد قصفها، تُركت برك وأكوام من المواد السامة لتختلط مع مياه الأمطار وتتسرب إلى المناطق المحيطة بالعاصمة, ولا يزال الباحثون اليمنيون يحاولون فهم حجم التلوث من المواد الكيميائية الخطرة في الموقع.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.
* موقع- mintpressnews” منتبرس نيوز” الانجليزي