بقلم: ميشيل كابيرول

 

(صحيفة”لا تريبيون- “la tribune الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

 

وجدت فرنسا نفسها خارج نطاق لعبة المملكة العربية السعودية، وذلك بعد أن شهدت الشركات المصنعة للمعدات الحربية تراجعا ملحوظا في معدل ابرام صفقات الاسلحة مع الرياض.

 

وبحسب ما أشار اليه, ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فإن ما حدث ما هو إلا صفعات تضاف إلى خيبة الأمل، حيث أن قصر الاليزيه الفرنسي لا يعرف التودد أو المجاملة لأي وسيط من الذين يكرسون انفسهم لخدمة المملكة فيما يخص تجارة الأسلحة.

 

عندما يتعلق الأمر بملف مبيعات الأسلحة، فقد تفوقت على فرنسا اليوم كلاً من إيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من بيع طرادات ذات سعر منخفض إلى الرياض.

 

ومن الواضح أن الولايات المتحدة لا تزال خارج نطاق المنافسة، ففي الماضي، كانت فرنسا تزود الرياض بالأسلحة بشكلٍ منتظم كمصدر ثان لتوريد السفن الحربية لأسطولها الغربي، بالإضافة إلى إمداداتها لأنظمة كروتال المخصصة لدفاع الجوي قصير المدى المضاد للطائرات.

 

بيد أن هذا الأمر لم يعد كذلك منذ وصول الأمير محمد بن سلمان، حيث يعود أصل سوء التفاهم هذا في العلاقة بين البلدين بشكل خاص إلى المكتب الفرنسي لتصدير الأسلحة “ODAS”, كون هذه الشركة هي الجهة التي تنظم عملية بيع الأسلحة بين الرياض وباريس، حيث أوشك عقد هذه الشركة مع الرياض على الانتهاء بناء على طلب من الأمير محمد بن سلمان، ولكنها لا تزال حتى الآن تواصل إدارة العقود الجارية.

 

تجاهل الصناعيون الفرنسيون:

 

زمن جديد ومزودين جدد, لم تعد الصناعات الحربية الفرنسية مرحباً بها في المشاركة في العروض السعودية, حيث تم تجاهل مجموعة الصناعات الفرنسية ” نافال جروب” Naval Group-  المتخصصة في مجال الدفاع البحري والطاقة البحرية المتجددة, بشكل رائع من قبل الرياض, فيما يخص طلب سفينتان نقل برمائية.

 

وبحسب مصدرنا، فقد تم تفاوض بين الشركة السعودية لصناعات العسكرية “سامي” مع مجموعة “نافانتيا- Navantia” الأسبانية في فبراير في العاصمة الرياض، ومن المتوقع توقيع الاتفاق بحلول الصيف.

 

وبالفعل, فقد باعت المجموعة الإسبانية خمس طرادات من طراز أفانتي 2200, معزَّزة بنظام إدارة القتال لصالح وزارة الدفاع السعودية.

 

إنها لصفقة كبرى أولى, وفيما يخص الفرقاطات، فقد تم التشاور مع نافانتيا وفينكانتيري – شركة ايطالية لصناعة السفن واليخوت- ولكن ليس مع المجموعة البحرية.

 

كانت المجموعة الإيطالية، قد أعلنت في نهاية ديسمبر أنها نجحت في أبرام عقد مع الجيش الاميركي لبناء أربع سفن حربية من طراز “ال سي أس” (السفينة القتالية الساحلية) لشركة لوكهيد مارتن والمتوجهة إلى السعودية.

 

تقدر قيمة العقد المبرم 1.3 مليار دولار، وباختصار، لا يبدو أن هناك ما يسير إيجابيا لصالح فرنسا حتى لو حقق بعض الصناعيين مثل المطور الأوروبي والشركة المصنعة للصواري “إم بي دي إيه- “MBDA و شركة “نكستر– “Nexter للصناعات الحربية، بعض النجاح بسبب فهم أفضل للوضع المحلي وشبكات المبيعات الجيدة.

 

ووفقا لمصادر مطلعة على الأمر, ففي الوقت الراهن، تحاول فرنسا التمسك بتحديث فرقاطات الصواري 2 التي تقدر قيمتها بنحو مليار يورو, ولكن هنا أيضاً، يحاول الإيطاليون فرض “رادار ليوناردو كرونوس” متعدد الوظائف على حساب رادارات شركة تاليس.

 

ولا بد من تسليط الضوء أيضاً على ملف الصيانة المكلفة لرادارات أرابيل – وهو رادار ثلاثي الأبعاد والمخصص لرقابة المضادة للحرائق ومضاداً إلكترونياً تم إنتاجه بواسطة مجموعة تاليس الفرنسية من 1989 إلى 2014 – على فرقاطات الصواري 2 التي كانت نقطة خلاف رئيسية بين الفرنسيين والسعوديين, وذلك بعد أن تجاهلت مجموعة تاليس المطالبات السعودية بعد أن أهمل السعوديون أهمية عملية الصيانة بمنحها للمجموعة  البحرية أو لشركة تاليس، فبعض الأحيان هم أخوة الأعداء في التجارة.

 

لسماع بعضنا البعض، يبدو أن الأخطاء مشتركة بين الفرنسيين والسعوديين ولكن الضرر قد حدث …

 

ومع ذلك، تحاول مجموعة الإلكترونيات إعطاء نفسها فرصة جديدة من خلال تقديم رادارها الجديد عالي الأداء “البحر الناري- سي فاير” والذي لا يزال قيد التطوير.

 

ازدراء فرنسي, ورغبة ألمانية:

 

في حين تبذل فرنسا جهوداً لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، إلا أن انصياع الرياض لم يكن بشكل المطلوب.

 

وصف أحد المراقبين، الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الرياض يومي 16 و17 من يناير المنصرم والتي التقى خلالها بنظيره الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية وعادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية, لبحث سُبل تعزيز جانب التسلح بالكارثة, حيث صنعت فشلاً حقيقياً.

 

ومن جانبها، دعت وزارة الخارجية في مذكرة وصفتها “خيبة الآمال” المنضوية بإلغاء الصفقات العسكرية للتحالف من قبل الرياض دون أن تدرك ذلك باريس.

 

ومع ذلك، فقد امتلأ النظام البيئي الدفاعي بأكمله بالأمل بعد المكالمة الهاتفية التي جرت في 17 سبتمبر بين الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي, حيث أدان الرئيس ماكرون وبشدة الهجمات التي تعرضت لها المواقع النفطية في منشأتي بقيق وخريص من قبل طائرات بدون طيار التابعة للحوثيين, كما أكد مرة أخرى التزام فرنسا بأمن المملكة العربية السعودية واستقرار المنطقة.

 

واستجابة لطلب السلطات السعودية، أكد إيمانويل ماكرون للأمير محمد بن سلمان إرسال خبراء فرنسيين إلى المملكة للمشاركة في التحقيقات الرامية إلى تسليط الضوء على مصدر وطرائق الهجمات التي تعرضت لها في منتصف سبتمبر.

 

ولذلك اقترحت شركة “تاليس وإم بي دي إيه” أنظمة لمواجهة مثل هذه التهديدات، وبالفعل أرسلت فرنسا “رادار الزرافة” من انتاج شركة “ساب” وهي شركة صناعة طائرات ومعدات دفاع في السويد, وبحسب هيئة الاركان العامة للجيش الفرنسي فأن ” قرابة 50 من افراد القوات الجوية ” يشاركون في هذه العملية.

 

حتى لو كان العرض مغري للغاية بالنسبة للرياض من قبل وزارة الدفاع الفرنسية, ففي الوقت نفسه تسعى شركة تاليس جاهدة لبيع راداراتها للمملكة مهما كان الثمن…

 

أرادت وزارة الدفاع أن تعرقل مساعي شركة تاليس في عقد الصفقة مع الرياض، وما كانت لتفعل غير ذلك.

 

هل يتوجب على فرنسا أن تغير استراتيجيتها مع الرياض؟

 

تم إغلاق هذا الباب بسرعة، حيث قد تكون زيارة وزير الخارجية السعودي إلى ألمانيا صفعة كبيرة لفرنسا.

 

وفي الوقت الذي لا تزال فيه باريس مستعدة لبيع الأسلحة إلى الرياض (دون جدوى!)، حث الأمير فيصل بن فرحان آل سعود الإدارة الالمانية على رفع حظر بيع الأسلحة.

 

والأهم من ذلك كله … يجب إعادة التفاوض فعلياً بين شركاء التحالف على تجميد تراخيص التصدير ووقف عمليات التسليم بحلول نهاية مارس.

 

وهذا بمثابة التعامل مع الجزرة والعصا في نفس الوقت، فقد أشار وزير الخارجية السعودي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إلى “الجودة العالية لتسليح” الألمانية لكنه حذر من أن “هناك مصادر أخرى يمكنك الحصول من خلالها على مثل هذه الاسلحة, وخلص إلى أن الرياض ستشتري ما تحتاج إليه، حيث يمكنهم الحصول عليه”.

 

فرنسا أرض سخية بصناعة الأسلحة العسكرية والمعدات الحربية، لكنها أصبحت أرضاً قاحلة دون صفقات السعودية والمصرية.

 

وفي مواجهة هذا الانعكاس في التحالف، يتعين على فرنسا أن تفكر في استراتيجية جديدة, ولماذا تستمر في تقديم الدعم العملياتي للجيش السعودي دون المطالبة بتعويض صناعي عن ثمن التزامها؟

 

في باريس، يفكر البعض في انتهاج مبدأ الضغط السياسي تجاه الرياض، لأن فرنسا تتحمل في الوقت الراهن مسؤولية دعمها للنظام الاستبدادي الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان في الحرب التي بدأها في اليمن.

 

وبما أن الإسبان والإيطاليين يبدو أنهم المستفيدون الرئيسيون من تراجع التحالف الذي تقوده السعودية، فلماذا لا يقدمون هذا الدعم؟

 

ودون العودة إلى الماضي, قد لا يستمر هذا الإيثار الذي يُعتبر بمثابة انتحاراً سياسياً على نحو متزايد إلى الأبد، وخاصة في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية للعام 2022.

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.