بقلم: ديفد هيرست رئيس تحرير موقع ميدل إيست آي

(موقع”ميدل إيست آي” البريطاني، ترجمة: نجاة نور – سبأ)

كانت المملكة العربية السعودية مستقرة في معظم الفترات منذ تأسيسها، حيث أن نظام الحكم فيها ملكياً مطلقاً تعاملت فيه مع المعارضين بقسوة.

كان الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري والاختطاف من المنزل, يعتبر النظام الاساسي الذي تقوم علية الدولة.

تم استخدام المذهب الوهابي كوسيلة وحشية للسيطرة الدينية والاجتماعية على المواطنين, واشترى الملوك شعبية عن طريق دفع الاموال لشراء الدعم الخارجي, فهذه هي الطريقة التي تنتهجها المملكة لعقود, مع نسبة ضئيلة من المشاكل الداخلية.

تقاسم أبناء مؤسسها الملك عبد العزيز الحكم فيها عبر ما يسمى مجلس الأمراء، فمثلاً حصل الامير نايف على وزارة الداخلية، والأمير سلطان على وزارة الدفاع، والامير عبد الله الحرس الوطني، وزارة الخارجية من نصيب الأمير فيصل في حين كانت حقيبة وزارة الإعلام للأمير طلال وما إلى ذلك.

منافسات شرسة

عندما وقعت الأزمات تم اتخاذ قرارات جماعية وانعقد مجلس الأسرة واتخذت القرارات ببطء وحذر شديدين.

وقيل أن السياسة الخارجية السعودية كانت تتم خلف الستائر، فالغموض كان يكتنفها الى ذلك الحد.

كانت الرياض بالكامل في خدمة المصالح العسكرية والنفطية الأمريكية في الخليج، ولكن تحت هذا العنوان الكبير، كان للمملكة أجنداتها الخاصة.

النزاعات على الخلافة التي حدثت هذا الأسبوع كتلك التي حدثت في الستينات عندما تحدى ولي العهد الامير فيصل سلطة الملك سعود, ولكن تم حلها بسرعة وهدوء. عندما خسر سعود هذا الصراع على السلطة واضطر السفر إلى المنفى ولوح له الامير فيصل مودعاً في المطار بسبب الإطاحة به.

كانت هناك أيضا منافسات شرسة بين الامراء, الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي كان من أنصار محمد بن نايف الذي حكم وزارة الداخلية بقبضة من حديد، حيث سجن وأعدم المئات ولكن الشيء نفسه لا يمكن أن يقال عن الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي أطلق سراح السجناء عندما تولى المنصب نفسه.

لم يمل خاشقجي أبداً من القول إنه لم يكن هناك فرق بين الأمير أحمد وابن أخيه محمد بن نايف، باستثناء أن أحدهما كان ولي العهد والآخر لا, أتذكر أنني كنت أظن أن هذا كان قاسياً للغاية.

قرارات متسرعة

تم التطهير ضد شقيق الملك وابن المؤسس عبد العزيز الذي كان يعتبر حتى الآن لا يمكن المساس به.

اجتاح الحوثيون مدناً على الحدود مع المملكة العربية السعودية كمنطقتي خب والشعف، قبل أن يتم طردهم منها.

تم إغلاق حدود المملكة، وتوقفت أفواج مناسك العمرة إلى مكة قبل ستة أسابيع فقط من بداية شهر رمضان, كما تم إغلاق المنطقة الشرقية، في حين تم الإبلاغ رسميا عن عدد قليل فقط من حالات الإصابة بالفيروس التاجي (كورونا).

انهارت الاتفاقية التي استمرت ثلاث سنوات مع روسيا، بعد أن أغرقت الرياض السوق العالمية بالنفط، مما أدى إلى انخفاض الأسعار عند مستويات لم نشهدها منذ حرب الخليج عام 1991, فكل الاحداث تعود لرجل واحد: محمد بن سلمان, الذي لا يتعامل مع كل كارثة على حده, بل يعمل على الانتقال من واحده إلى الأخرى دون إنهاء الاولى, فهو يتخذ القرارات بسرعة مدفع رشاش سريع، دون التفكير في العواقب.

وحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” ، فإن قرار الرياض فيما يخص الانتاجي النفطي  سوف يتسبب في فجوة قدرها 140 مليار دولار في إيرادات هذا العام لدول الخليج الست، إذا ظل سعر الخام عند 30 دولاراً للبرميل.

يمكن لدول الخليج الغنية مثل الكويت والإمارات وقطر أن تتأقلم مع هذا التغيير، لكن السعودية والبحرين وعمان لا تستطيع ذلك, فميزانية الرياض تحتاج إلى 83 دولار للبرميل لتحقيق التعادل.

ربما كان هذا هو سبب إعفاء أحد مهندسي خطة الإصلاح الاقتصادي للعام 2030، محمد التويجري، من وزارة الاقتصاد والتخطيط الأسبوع الماضي وترقيته كمستشار.

كان هذا هو الرجل الذي حذر من أنه إذا لم تقم المملكة بإصلاح أوضاعها المالية، فسوف يتم كسرها خلال “ثلاث إلى أربع سنوات”, كان ذلك قبل ثلاث سنوات.

المقامر..

في أفضل الأحوال، يجب تصنيف ضخ النفط بالسعر الذي يقوم به على أنه مقامرة,  لكن هذا القرار ليس سوا واحداً من قائمة القرارات المتزايدة.

المقامرة التالية هي تحطيم صورة المملكة المصنفة كزعيمة للعالم الإسلامي السني والحارس الموثوق للمقدسات الإسلامية.

كان هذا المركز مصدراً مهماً للقوة السعودية الناعمة, كما أنها كانت مصدر شرعية لبيت آل سعود.

وعندما دعا رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، مهاتير محمد، زعماء تركيا وقطر وإيران وجميع المنافسين السعوديين لحضور قمة مصغرة للقادة الإسلاميين في كوالالمبور في ديسمبر الماضي، جن جنون محمد بن سلمان.

وبدلاً من احتضان القمة، قام بتوجيه حماقته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما جعل من هذا الموقف منافساً لمنظمة التعاون الإسلامي, كما هاجم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لعدم حضوره, فيما اعتذر الآخر فيما بعد إلى مهاتير.

النتيجة؟ ارتفعت مكانة ماليزيا وتركيا وقطر وحتى باكستان في العالم الإسلامي السني وتضاءلت السعودية, ولكن ليس بالسرعة التي فعلها قرار إغلاق حدودها أمام المعتمرين قبل ستة أسابيع من بداية شهر رمضان.

التكتيم عن كورونا

إن انتشار الفيروس التاجي في المملكة غير معلن عنه بشفافية، لأن الأطباء لا يجرون اختبارات الفيروس، وكحال في مصر تبذل الدولة جهوداً لتقليل وجوده.

فهل من الممكن بشكل جدي أنه في الوقت الذي توجد 9000 حالة في إيران و 189 حالة في البحرين و 71 حالة في العراق و 74 حالة في الإمارات و 58 حالة في الكويت، أن هناك 21 حالة فقط في السعودية؟

ولا يُعرف إلى متى ستستمر عمليات التكتم هذه, الاستياء الذي تثير هذه الاجراءات التعسفية داخل المملكة وخارجها تنمو وستصبح سريعاً تهديداً لولي العهد, إنه يخسر الكثير داخلياً لكنه يراهن أيضاً بشرعيته الدينية كملك للسعودية.

لذا فالسعوديون عالقون, حيث لا يجرؤون على الاعتراف بحجم المشكلة، ولكنهم أيضاً لا يستطيعون تبرير قرار إغلاق المنطقة الشرقية لأسباب طبية.

ومع ذلك، فمن الجلي أن هنالك دوافع سياسية لعزل مناطق الأغلبية الشيعية في القطيف والأحساء, وهو ما يقودني إلى قرار محمد بن سلمان الأخير باعتقال عمه أحمد بن عبد العزيز.

تستر ترامب

كان يعلم بذلك، لأن أحمد سمح بذلك قبل أن يغادر منزله في لندن، أن عمه حصل على تأكيدات من محمد بن سلمان ووكالة المخابرات المركزية بأنه لن يتم القبض عليه عند عودته.

يتبين من تحدي هذا الأمر، أن ولي العهد السعودي يعتمد على الغطاء الذي قدمه له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر.

ومع ذلك، كيف يفكر محمد بن سلمان أنه سيتعامل مع ملفات وكالة المخابرات المركزية المتراكمة عليه؟ هل سوف يتم تمريرها إلى, على سبيل المثال, الرئيس جو بايدن، الصهيوني المعروف بدعم إسرائيلي، والذي من المتوقع أن يكون له رأي مختلف تماماً عن بن سلمان.

إن أي شخص يتوقع من بايدن أن يتغير السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط على يديه, فسيتوجب علية الانتظار طويلاً, لكن هذا لا يعني أن لا شيء سوف يتغير.

سيكون لبايدن مصلحة شخصية في الكشف عن شبكة الحلفاء الخاصة بترامب من الأجانب كمحمد بن سلمان.

ومع ذلك، ستبقى الولايات المتحدة داعمة للمملكة ولكن ليس بالضرورة الملك الجديد، حتى لو قدم بن سلمان للرئيس القادم الهدايا التي لابد منها.

هذه أكبر مقامرة قام بها محمد بن سلمان في مسيرته القصيرة كولي عهد, المشكلة الحقيقية هي أن بن سلمان ومستشاريه قد يكونون أغبياء للغاية بحيث لم يدركون الخطأ الذي ارتكبوه للتو.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.