بقلم: ارمين اريفي

(صحيفة”لوبوان–”lepoint الفرنسية-ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

يبدو أن جريمة القتل المروعة التي تعرض لها الصحفي السعودي المعارض “جمال خاشقجي” قد تم طيها ونسيانها, فبعد مرور عام ونصف العام على مقتل كاتب العمود في صحيفة “الواشنطن بوست”في القنصلية السعودية في اسطنبول، يبدو أن موجة السخط العالمي ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي اتهمته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالوقوف وراء جريمة الاغتيال هذه قد هدأت، مما يسمح لولي العهد بالشروع في برنامجه الطموح للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المزمع انتهاجها فيالمملكة, وعلى هذا المنوال كرس ولي العهد كل جهوده لتنفيذ طموحه ورؤيته “2030”.

تم اعتقال أربعة أمراء بارزين من العائلة المالكة بناء على أوامر مباشرة من ولي العهد محمد بن سلمان، وذلك بحسب المعلومات الصادرة عن صحيفة “نيويورك تايمز وصحيفة وول ستريت جورنال” التي أكدتها مصادر دبلوماسية.

كان من بين المعتقلين الأمير أحمد بن عبد العزيز، الأخ الشقيق للملك سلمان وبالتالي فهو عم الامير محمد، المتهم بـ “التآمر” للإطاحة بولي العهد.

يصف دبلوماسي غربي مطلع على اسرار القصر الملكي أن هذه الاتهامات “التآمر” لن تصمد طويلا نظراً للطريقة التي يتم بها الآن حبس أعمدة النظام من آل سعود من قبل ولي العهد المتغطرس.

يعتبر الأمير أحمد أكثر أفراد العائلة المالكة شعبية في الساحة السعودية, حيث لم يكن يتردد في ابداء راية في ولي العهد.

انتقادات لندن:

في سبتمبر 2018، صنع الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي كان يعيش آنذاك في لندن، اسماً لنفسه من خلال تبنيه انتقادات شديدة ولاذعة لولي العهد أمام المتظاهرين المناهضين لنظام الحكم في السعودية، ففي مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على شبكة الإنترنت، قال الأمير للمناهضين الذين انتقدوا تورط السعودية في الحرب على اليمن:

“ما علاقة العائلة الحاكمة بهذا؟ بعض الأفراد مسؤولون (…) الملك وولي العهد”.

وبعد شهر، في خضم رياح عاصفة “مقتل الصحفي خاشقجي”، عاد الأمير أحمد إلى الرياض لمساعدة عائلته، ولكن العودة إلى المملكة التي فسرها البعض في ذلك الوقت على أنها مدفوعة بالرغبة في لعب دور سياسي على حساب ولي العهد، إلا أن الأمر لم يكن كذلك.

أشار مصدر مقرب من العائلة المالكة أن “العملية هي نفسها دائما”،حيث يقوم ولي العهد على الاتصال بك أثناء وجودك في خارج المملكة ويطلب منك العودة إلى بلدك لأنك أحد أفراد عائلته، بيد أن السبب الحقيقي وراء ذلك يكمن في أن يحضرك إلى هنا لإسكاتك.

لطالما اعتبر الأمير أحمد البالغ من العمر 78 عاماً، والذي شغل منصب وزير الداخلية في وقت سابق، إحدى آخر العقبات المحتملة أمام محمد بن سلمان التي تحول دون اعتلائه العرش بعد الملك البالغ من العمر 84 عاماً، والذي انهكه المرض، ومنذ عودته إلى المملكة، رفض دائماً مبايعة الامير محمد على الولاء والطاعة.

كما كان ابنه نايف الذي لا يزال على رأس هيئة الاستخبارات وأمن القوات البرية، من بين الأمراء الذين تم القبض عليهم، ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن الرجلين قد يواجهان عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة.

الغالبية العظمى من العائلة المالكة تعارض ذلك:

في يونيو من العام 2017، تم إقالة الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد تحت ضغط من الأمير محمد بن سلمان، ومنذ ذلك الحين لا يزال “بن نايف”قيد الإقامة الجبرية.

صنع وزير الداخلية السابق البالغ من العمر 61 عاماً وهو ابن شقيق الملك سلمان، اسماً لنفسه مع بداية الالفية الجديدة من خلال نجاحه في عكس اتجاه هجمات تنظيم القاعدة، حيث تم وصفه بأنه كان ينظر إليه ولاسيما من قبل وكالة الاستخبارات المركزية على أنه البديل المثالي لمحمد بن سلمان.

يريد ولي العهد إعادة ترتيب العائلة المالكة، حيث كان آخر ضحايا عملية التطهير التي يعكف عليها هو الأخ الأصغر للأمير محمد بن نايف، الأمير نواف.

وبحسب مصدر مقرب من القصر الملكي السعودي، يسعى الأمير محمد بن سلمان، من خلال اعتقال هؤلاء الأمراء رفيعي المستوى الذين كان لهم دوراً سياسياً بارزاً، أن يقول للعائلة المالكة أن بإمكانه اعتقال الجميع، إلا أن هذا المسعى المتغطرس لولي العهد أدى إلى بزوغ موجة غضب عارمة وسط غالبية افراد العائلة المالكة.

هذه الموجة المفاجئة من الاعتقالات التي عصفت بالعائلة المالكة، تم تفسيرها أولاً على أنها رغبة من ولي العهد في التخلص من آخر الشخصيات القادرة على تعطيل عملية الانتقال السلس للسلطة بينه وبين والده الملك سلمان، بعد أن كانت هناك العديد من الشائعات حول تدهورالحالة الصحية للملك، إلا انه ظهر في حالة جيدة، خلال مراسم أداء القسم لسفيرين سعوديين معينين حديثا لدى أوكرانيا والأوروغواي، في العاصمة الرياض، طبقا للصور التي نشرتها وكالة الانباء السعودية”واس”.

ويبدو أن وجود الملك سلمان إلى جانب ابنه، لا غنى عنه في الوقت الراهن، حيث أن ولي العهد يعتمد على شرعيته من والده الذي يثق به بشكل أعمى لزيادة سلطته المطلقة بالفعل.

آمال محبطة في الغرب:

عُيّن محمد بن سلمان وزيراً للدفاع في العام 2015 بعد وقت قصير من اعتلاء والده عرش المملكة، وشن حرباً مدمرة في اليمن في مارس من نفس العام والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وذلك بغية ردع الحوثيين الذين يتلقون الدعم من إيران العدو اللدود للمملكة،واليوم أصبح غارق في مستنقع هذه الحرب.

وفي يونيو من العام 2017، أطلق محمد بن سلمان حملة التطهير الاولى ضد عشرات الأمراء الذين تم احتجازهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض بتهمة تتعلق بالفساد، وقد تم إطلاق سراح غالبيتهم بعد “ترتيبات” مالية كبرى.

كان الامير محمد بن سلمان، الذي لم يكن معروفاً في الغرب قبل توليه ولاية العهد، قد أثار في البداية الكثير من الأمل في الجانب القيادي، حيث قدم في العام 2016، خطة “رؤية 2030″وهو برنامج اقتصادي واسع النطاق يهدف إلى إخراج المملكة من اعتمادها على النفط الذي انخفض سعر أسهمه بشكل كبير على مدى السنوات الخمس الماضية.

وللقيام بذلك، يريد الأمير البالغ من العمر 34 عاماً خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات غير النفطية، من خلال التماس الاستثمار من القطاع الخاص السعودي، ولكن أيضاً من الخارج.

ومع ذلك، لم يتم حتى الآن تنفيذ التدابير التقشفية الحقيقية والمتمثلة في تخفيض مرتبات موظفي الخدمة المدنية والإعانات الحكومية.

تحرر متقمص:

ومن ناحية أخرى، منح ولي العهد الطموح حزمة من القرارات الملكية للتحرر المجتمعي في أرض الوهابية التي تعتبر النسخة المتشددة من الإسلام.

كما عمل ايضاً على التروّيج للإسلام المعتدل والأكثر تسامحاً، وفي المقابل قام باعتقال العديد من الأئمة المحافظين المتشددين.

ففي عهده تم منح المرأة السعودية الحق في قيادة السيارة لأول مرة في تاريخ المملكة، وطور من صناعة الترفيه، حيث تم افتتاح دور السينما وتم تنظيم الحفلات الموسيقية والمهرجانات.

ولم يكتفي بذلك بل قام في الوقت نفسه بتكميم عدد من الأصوات الناقدة: النشطاء السياسيين ورائدات الحركة النسائية التي تلقي بظلالها عليه، معتقداً أن الانفتاح المجتمعي يجب أن يكون راجعاً إليه بالكامل.

ويسترسل المقرب من القصر الملكي حديثه بالقول إلى أن الامير محمد نجح على الصعيد الاجتماعي، كما لا يزال يحظى بشعبية كبيرة بين أوساط الشباب والطبقة الوسطى السعودية، في حين يختلف الوضع بشكل أقل في مجتمع الأعمال وفي العائلة المالكة.

فاليد الحديدية لمحمد بن سلمان تصد المستثمرين بسبب عدم الاستقرار الذي تسبب فيه الأمير السعودي الشاب، ولكن من دون مشاركتهم في “رؤية 2030″،فإن كل إصلاحات الأمير محكوم عليها بالفشل.

إن محمد بن سلمان مقتنع الآن بأن القوة التي يظهرها ستقنع المستثمرين في نهاية المطاف بالاستثمار في المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فإن الطريقة التعسفية التي تتسبب بها السلطة لها تأثير عكسي قطعاً.

حرب أسعار النفط:

يتزامن توقيف الأمراء السعوديين الأربعة مع قرار آخر أكثر خطورة اتخذتها الرياض، حيث عملت الملكية البترولية في نفس يوم التطهير داخل الأسرة الحاكمة على شن حرب أسعار النفط الحقيقية ضد روسيا، وهي منتج آخر للهيدروكربونات، حيث عقدت الرياض العزم على ثني موسكو التي ترفض خفض إنتاجها من النفط الخام من أجل التعويض عن الانخفاض الحالي في الطلب العالمي بسبب وباء الفيروس التاجي، وبالتالي خفضت الرياض بشكل كبير سعر برميلها.

ومن خلال القيام بذلك، انخفضت أسعار النفط الخام، وكذلك الأسواق العالمية، فهذا قرار جذري يحمل السمة المميزة لابن سلمان.

إن النتيجة المباشرة التي تقف خلف هذه القرارات تكمن في إفراغ خزائن الدولة السعودية وهكذا ستكون النتيجة الحتمية لرفع معدل تنفير المستثمرين الدوليين.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.