السياسية – وكالات :

  

في الوقت الذي تتذبذب فيه مجريات الصراع في شمال البلد بين الحوثيين المدعومين من قبل المد الفارسي، والموالين للحكومة الشرعية المسنودين من قبل المملكة العربية السعودية، تعاني المناطق الجنوبية من تدهور خطير في الاوضاع قد يجر البلد نحو حرب شاملة.

 

 بقلم: آلان كافال

 

 (صحيفة “لو موند” الفرنسية – ترجمة: محمد السياري – سبأ)

 

في ظل نوع من الهدوء النسبي الذي ساد الأجواء مؤخراً، بدأت الآمال المتفائلة تحلق في الافق للخروج من براثن الصراع الذي امتدت أواصره ليطال كل يمني,  ولكن ما لبثت الأطراف المؤثرة في الصراع أن تبدأ جولة جديدة من مفاوضات السلام في محاولة أخرى للخروج بالبلد من هذه الأزمة الخانقة حتى عاد ضجيج الأسلحة ليدوي في المناطق الشمالية، وما من رقم يمكن أن يحدد أعداد القتلى حتى اللحظة.

 

وها هي رحى المعركة قد عادت من جديد لتدور بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة الشرعية مدعومة بغطاء جوي من قبل القوات السعودية منذ مطلع العام الجاري.

 

ومع استمرار التصعيد العسكري بين الحوثين والحكومة، في حين أن شكلاً من أشكال الاتفاق تم التوصل إليه مؤخراً بين الحكومة والانفصاليين في جنوب البلد، بدأت تلوح في الأفق علامة جديدة من علامات التدهور الوشيك في الأوضاع وتنبئ عن إمكانية توسع دائرة الصراع لتشمل مختلف أنحاء البلد.

 

ومرة أخرى ها هو شبح الحرب الشاملة يحلق في الأفق ليدق ناقوس الخطر في جميع أنحاء البلد ويطال مختلف أطراف النزاع سواءً العناصر الموالية للحكومة الشرعية أو القوات الأجنبية أو حتى الجماعة الحوثية؛ ومما لا شك فيه أن التبعات المترتبة على تلك الحرب الشاملة في حال اندلاعها لن تستثني حتى السكان المحاصرين الذين تمكنوا بطريقة أو بأخرى من الصمود والبقاء في قلب مناطق التماس والذين يبلغ تعدادهم حوالي 4 ملايين نازح من أصل 28 مليون نسمة.

 

 منذ تدخل التحالف العربي بقيادة الرياض لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين المدعومين من قبل الحكومة الإيرانية في العام 2015، حصدت المعارك الدامية أرواح عشرات الآلاف من السكان الذين لقوا حتفهم إما على أثر عمليات القصف الجوية أو بسبب انهيار المؤسسات الحكومية وتردي الأوضاع الاقتصادية والمالية سواءً على المستوى العام أو الخاص.

 

غياب الرقابة الدولية:

 

بدأت وتيرة الاشتباكات الأخيرة في المناطق الشمالية، في صنعاء ومأرب والجوف، في التصاعد على نحو متسارع.

 

وخلافاً لما ورد في التقارير المرفوعة إلى الأمم المتحدة والتي تؤكد بأن الخسائر كانت مهولة في كلا الجانبين على حد سواء، الا أن أنصار الله وحلفائهم لا زالوا يتمتعون بميزة الأفضلية على القوات الحكومية, وبالرغم من تصريحات الحكومة اليمنية المتواجدة في المنفى في الرياض, التي تشير إلى أن أنصار الله الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ويحضون بكل ما يحتاجونه من الدعم الإيراني، قد أطلقوا صاروخا على معسكر موالٍ مما أسفر عن مقتل 100 شخص في 18 يناير الماضي، إلا أنه ما من أدلة حقيقية ملموسة تعزز تلك المزاعم أحادية الجانب.

 

وفي 29 يناير الماضي، زعمت جماعة أنصار الله اليمنية أنهم قاموا بشن هجوماً صاروخياً بطائرات بدون طيار وصواريخ على منشآت شركة أرامكو السعودية للنفط.

 

  وفي سبتمبر من العام الماضي، تسببت الهجمات واسعة النطاق التي أدعى انصار الله مسؤوليتهم عنها، في حين أنها نسبت إلى حلفائهم الإيرانيين، في إحداث الكثير من الأضرار الجسيمة من أهمها تعطيل ما يقرب من 5٪ من الإنتاج العالمي.

 

من زاوية أخرى، لا شك أن المنبع الرئيس لذلك التصعيد المتنامي وكذلك القصة الحقيقية وراء الهجمات الصاروخية المزعومة أو المدانة لا تزال غير واضحة المعالم.

 

وفي هذا قال بيتر ساليسبري، الخبير بالشؤون اليمنية في المنظمة غير الحكومية “كريزيس جروب”، محللاً: “إن ندرة المراقبين المستقلين والرغبة الملحة لدى كل طرف من أطراف النزاع في صياغة القصة بما يتناسب مع مصالحه تجعل من الصعوبة بمكان وبشكل خاص تحديد التسلسل الزمني للحقائق التي أدت إلى التدهور الحالي في الأوضاع الأمنية, ولكن بالرغم من ذلك هنالك شيء واحد فقط يمكن الجزم به حتى وإن استمرت المحادثات بين الحوثيين والسعودية، ألا وهي انعدام الثقة بين أطراف النزاع.

 

ومن الواضح بجلاء أن الجميع دون استثناء يسعى بكل ما أمكنه إلى بناء المزيد من الأوزان العسكرية الجديدة لزيادة ثقله في أي مفاوضات مستقبلية محتملة.

 

اتفاق سلام… حبر على ورق!

 

في واقع الأمر من الوارد بشدة أن تفضي الاشتباكات الحالية في حال استمرارها إلى تحييد جميع محادثات السلام الثنائية التي تؤسس للعملية السياسية الجارية في جميع أنحاء اليمن.

 

وتعليقاً على تلك المخاطر المحتملة يقول ساليسبري: “على حدٍ سواء في المعسكر الحكومي وكذلك في المعسكر الحوثي، هناك أطراف أخرى هي من يستفيد من الاقتتال الحاصل على الأراضي اليمنية”.

 

 

ومع ذلك “لا شك أن الطريق الرئيس لحلحلة الاوضاع المتوترة يقودنا نحو سلطنة عمان وعلى يد خليفة السلطان الراحل قابوس بن سعيد الذي وافته المنية في 10 يناير الماضي.

  

ووفقاً للرؤية التي يتبناها فارع المسلمي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية والباحث المشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” في لندن؛ يؤكد بأن “إمكانية التهدئة ووقف التصعيد من وتيرة الصراع ستضل آمالها تلوح في الأفق العماني؛ فمن المعلوم للجميع أن مسقط كانت ولا زالت الحاضنة الحقيقية للمحادثات بين أطراف الصراع السعودي-الحوثي.

 

 وبغض النظر عن موقف الحكومة اليمنية من تلك الحقيقة، من الواضح أن عملية السلام تعتمد بالدرجة الأولى على إمكانية الحفاظ على استمرار الحوار بين الرياض وصنعاء.

 

 وعلى خطى سلفه، من البديهي أن يكون السلطان الجديد، هيثم بن طارق، الضامن الوحيد لذلك.

 

وبحسب الاتفاقية الموقعة في الرياض مع الحكومة الشرعية المتواجدة في المنفى بأشراف ورعاية السعودية في نوفمبر 2019، كان من المفترض أن تشرع العناصر الانفصالية في جنوب البلد، في ظل سيطرتها على عدن كبرى المدن الساحلية الجنوبية بالاندماج في القوات التابعة للحكومية الرسمية.

  

وخلافاً لذلك وبرغم الحماس المفرط الذي طغى على بنود تلك الاتفاقية، إلا أن الأهداف المرجوة منها – المتمثلة في وضع حد نهائي لحالة من الحرب الكامنة في دائرة أوسع من الصراع على الأراضي اليمنية, لم ولن تتعدى كونها حبراً على ورق, فمن المعلوم للجميع أن الانفصاليين يحجمون عن تسليم أسلحتهم الثقيلة إلى القوات الحكومية.

 

 

وفي الضفة المقابلة، يذهب البعض في المعسكر الموالي للشرعية إلى حد الإشارة بأصابع الاتهام نحو الجنوبيين أو رعاتهم الإماراتيين بالوقوف خلف ذلك التصعيد المتنامي…

 

وفي الوقت ذاته هنالك العديد من المؤشرات التي توحي بأن الرياض إلى جانب الحكومة الشرعية، تُعنى بالسيطرة على أبعاد الصراع الحاصل في شمال البلد لضمان بقاء الجنوبيين في متناول اليد وتحت السيطرة.

 

  

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.