إنه شيطان، والشيطان يتعلم منه
بقلم: دانيال لاريسون*
(موقع “ذي أمريكان كونسرفاتيف” الأمريكي، ترجمة: جواهر الوادعي-سبأ)
لقد كنت مهتماً جداً بقراءة الكتاب الجديد عن ولي العهد السعودي: صعود محمد بن سلمان إلى السلطة، من تأليف بن هوبارد من صحيفة نيويورك تايمز.
إنه عمل شيق يصف بشكل جيد للغاية صعود محمد بن سلمان إلى السلطة وسياساته المدمرة.
يدمج هوبارد هذا مع خبرته الخاصة في كتابة التقارير عن المملكة العربية السعودية واليمن لرسم صورة لدولة قمعية متزايدة يحكمها أمير متهور وعديم الخبرة.
هناك اقتباس من قريبات أحد المعتقلين في فندق ريتز كارلتون يصف ولي العهد بأكثر العبارات سوءا :”إنه مضطرب نفسيا (سايكو), حقود, يريد كسر الناس, لا يريد أن يكون لأي شخص مكانة باستثنائه هو, إنه شيطان، والشيطان يتعلم منه” (ص 17).
بالنظر إلى موضوع الكتاب، كان من السهل أن يصبح حساب هوبارد مثيرا للجدل، لكنه لم يكن كذلك, حيث يكتب في حقيقة الأمر عن كيفية مناورة ولي العهد للمضي في طريقه إلى قمة الحكومة السعودية ويقدم محاسبة عادلة لما فعله ولي العهد بالقوة التي جمعها.
ينسج هوبارد قصة صعود محمد بن سلمان إلى السلطة مع قصة جمال خاشقجي، الناقد السعودي وكاتب عمود في واشنطن بوست الذي قتله ولي العهد في أكتوبر 2018, ويختتم الكتاب بالقتل الشنيع في القنصلية السعودية في اسطنبول ورد الفعل الدولي اللاحق ضد المملكة.
إن قتل خاشقجي هو مجرد مثال فاضح للقمع والقسوة اللذين حددا فترة ولاية محمد بن سلمان ويقدمها هوبارد بهذه الطريقة:
لقد تم بلورة جريمته، وجعل من الصعب تجاهل قسوة عصر محمد بن سلمان:
– وفيات لا تحصى في اليمن.
– اختطاف رئيس وزراء أجنبي.
– الاحتجاز في فندق ريتز.
– اعتقال وتعذيب النشطاء ورجال الدين.
– البيئة الجديدة القاسية في اما ان تكون معنا ما لم فأنت ضدنا التي اعتبرت أولئك الذين لم يهتفوا أو لم يهتفون بصوت عالٍ، أعداء. (ص 276)
هناك حكاية واحدة عن محمد بن سلمان من سنوات أوباما تبرز كمثال مبكر على غطرسته وطموحه المفرط, أثناء زيارته للولايات المتحدة مع والده في خريف عام 2015, عندما حضر مأدبة عشاء في منزل جون كيري وحدث ما يلي:
خلال مناقشة سياسات الشرق الأوسط، فاجأ محمد بن سلمان مضيفه مرة أخرى بتقديمه اقتراح أنه يمكنه تحديد من يحكم أين في العالم العربي, وقال في اشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “اذا اردت خروج السيسي فسيخرج.”
لم يكن أي من الأمريكيين الحاضرين يعلمون كم كان جاداً، ولكن عندما وصل التقرير الرسمي عن العشاء إلى البيت الأبيض، فوجئ كثيرون بغرور الأمير”. (ص 44-45)
فعندما قال هذا، لم يكن بعد ولياً للعهد, وتظهر غطرسته أنه يعتقد أنه في يده أو في سلطة الحكومة السعودية تقرير ذلك.
لقد أدت هذه الثقة المفرطة في القدرة على إملاء شروط على دول أخرى في المنطقة بوقوع السعودية في خطأ تلو الآخر.
المراقبون الذين لا يزالون يتوقعون منه أن يتعلم من أخطائه السابقة لا يقدرون أن هذه هي الطريقة التي يعمل بها وكيف ينظر إلى العالم.
اختار هوبارد محمد بن سلمان كعامل مكيافيلي (“أمير مكيافيلي حقاً”)، لكنني لست متأكداً من أن هذه المقارنة صحيحة تماماً.
لا شك في أن ولي العهد لا يرحم ويمتلك بعض المكر المنخفض فيما يتعلق بالمناورات السياسية داخل بلاده، لكنه يبدو جاهلاً تماماً بشأن بقية العالم ويخطئ في الحساب باستمرار, كيف سيستجيب الآخرون لسلوكه العدواني.
إذا كان مكيافيلي رأى السنوات القليلة الماضية من تهور ولي العهد، فأعتقد أنه سيستخدمها كقصة تحذيرية لما لا يجب على الحكام فعله.
قام أحد أكثر فصول الكتاب تقديما للمعلومات بتفصيل أنشطة سعود القحطاني، الرجل الأيمن لولي العهد الذي كان مسؤولاً أيضاً عن تنظيم قتل خاشقجي.
يكتب هوبارد عن الكيفية التي ترأس بها القحطاني إنشاء “نوع جديد من السلطوية الإلكترونية” يسعى إلى تعقب المعارضين ومعاقبتهم,
واعترف بقوة هذه التقنيات وانتدب القحطاني لنشرها.
كانت وسيلة السلطوية الإلكترونية هذه الطريقة التي شرعت بها الحكومة السعودية في ملاحقة المنشقين وتحديد ومعاقبة منتقدي النظام المحلي، وكذلك كيف ستقوم الحكومة بنشر ولاء لسياسات ولي العهد وتطبيقه:
بالرغم من أن السيطرة على الفكر كانت أحد الاشياء، الا أن ملاحقة المنشقين في العالم الحقيقي أمراً آخر، سمح للقحطاني بالقيام بذلك أيضاً.
وفي وقت ما من عهد والده، أمر القحطاني ومنظمته “باستهداف خصومه محلياً وبشكل واسع، وأحياناً بعنف”، وفقاً لتقييم أجرته وكالة المخابرات المركزية, أصدر جهاز المخابرات السعودي أمراً دائماً بإعادة المنشقين من الخارج، لكن دون توضيح كيفية القيام بذلك.
معرفة ذلك كان على يد فريق من النشطاء الذين أشرف عليهم القحطاني، أطلقوا عليهم اسم “مجموعة التدخل السريع”.
وبمرور الوقت، ستقوم بالمراقبة والمضايقة والاختطاف للمواطنين السعوديين في الخارج وكذلك احتجازهم وأحياناً التعذيب داخل القصور التابعة لـ محمد بن سلمان ووالده. (ص 144).
يذكرنا الكتاب بمصير العديد من ضحايا الحكومة السعودية خلال السنوات القليلة الماضية, حيث لفت هوبارد الانتباه إلى حالات الناشطات اللاتي تم اعتقالهن واستجوابهن وتعذيبهن، بما في ذلك لجين الهذلول، التي لا تزال رهن الاعتقال حتى يومنا هذا.
يكتب عن معتقلي فندق ريتز كارلتون الذين تعرضوا للاعتداء الجسدي والتعذيب, كما يروي أيام نهاية خاشقجي ويصف جريمة القتل المروعة ببعض الطول.
وفي معرض العرض الأول لفيلم النمر الأسود في المملكة العربية السعودية، كتب هوبارد:
من الواضح أن محمد بن سلمان أراد أن يكون في المملكة العربية السعودية مثل تشالا، لكن نوابه كانوا يتصرفون بشكل متزايد مثل ايريك كيلمونجر, في حين كان الأمير خارجاً عن هوليوود الساحرة ووادي السيليكون، قام سعود القحطاني وفريقه بتكثيف الأنشطة ضد أولئك الذين اعتبروا أنهم يشكلون تهديدات للمملكة ولمحمد بن سلمان. (ص 229)
ستكون تفاصيل هذه الحلقات التي تم سردها في الكتاب مألوفة لتلك التي تتبع عن كثب التقارير الإخبارية عن السعودية واليمن.
لن يجد القراء الذين يبحثون عن الكثير من المعلومات الجديدة عن ولي العهد الكثير لم يتم التحدث عنه سابقاً، لكن هوبارد قدم خدمة حقيقية في تجميع كل هذه الأحداث وربطها معاً في سرد متماسك.
وبالنسبة لأولئك الذين لم يتابعوا سجل ولي العهد عن كثب، فإنه يوفر إعادة بناء مفيدة للسنوات العديدة الأولى من صعود محمد بن سلمان إلى السلطة.
هناك بعض الجوانب المسلية التي تظهر هنا وهناك، مثل مصير “الجرم السماوي” (المخزن في سفارة الولايات المتحدة في الرياض)، ولكن قراءة رواية السجل القبيح لولي العهد هي أمر قاتم لا مفر منه, وعلى الرغم من ذلك، اكتشفت أنني لم أستطع تركها وقرأتها طوال فترة بعد الظهر.
انتقادي الرئيسي الوحيد للكتاب هو أنه لم يقض وقتاً كافياً في توضيح العواقب الوخيمة لحرب الحكومة السعودية على اليمن, حيث كنت أفضل أن أرى تغطية أكثر شمولاً لكل من الحرب والأزمة الإنسانية، لأن الحرب والسياسة المميزة لولي العهد لا تزال مستمرة.
ومع ذلك، فإن رواية الحرب وأوصاف جرائم حرب التحالف السعودي التي يتضمنها دقيقة ومدمرة.
لا تزال الحرب على اليمن هي المثال الرئيسي لما يسميه هوبارد “النهج العملي” لمحمد بن سلمان في السياسة الخارجية، ويذكرنا هذا الكتاب بأن تلك الأيدي دموية للغاية.
*دانيال لاريسون: محرر أول في موقع ذي أمريكان كونسرفاتيف وله عدة كتابات في عدة مجلات وصحف، حاصل على دكتوراه في التاريخ من جامعة شيكاغو، ويقيم في لانكستر بنسلفانيا.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.