بقلم: مراسل موقع “ميدل إيست آي” في صنعاء ( موقع” ميدل إيست آي” البريطاني، ترجمة: نجاة نور– سبأ) .

أدت التطورات الأخيرة التي قام بها الحوثيون وارتفاع وتيرة المعارك في شمال اليمن إلى نزوح جماعي يذكرنا بالنزوح الجماعي الذي حدث في نفس المنطقة في الأيام الأولى من الحرب التي أصبحت على وشك انهاء عامها الخامس.

في عام 2015, اندلعت المعارك في عدة محافظات يمنية, وتقدّم الحوثيون بشكل كبير قبل إعلان دول تحالف العدوان الذي تقوده السعودية بداء عمليات التدخل العسكري لدعم القوات الحكومية.

خلال الفترة الاولى من الحرب، فقد المدنيون وظائفهم ومنازلهم وأقاربهم, كما أجبروا على الفرار نحو أماكن أكثر أمناً, لكن العمليات القتالية وقفت بالمرصاد للعديد منهم، مما اضطرهم للنزوح للمرة الثانية أو الثالثة.

لم يحدث أي نزوح جماعي خلال العام 2019, حيث لم تكن هناك معارك شديدة ولم يكن هنالك أي  تقدم كبير من جانب أي من الأطراف المتحاربة, لكن جبهات القتال بدأت في التحرك منذ أواخر يناير المنصرم، مما اجبر الآلاف من المواطنين في شمال اليمن على النزوح من منازلهم.

في الأسبوع الماضي، سيطر الحوثيون على مدينة الحزم الإستراتيجية، مركز محافظة الجوف الشمالية، مما وضع محافظة مأرب الغنية نصب أعينهم.

حتى الثاني من شهر مارس الحالي، كان عدد الضحايا المدنيين والنازحين داخلياً غير معروف بسبب استمرار القتال في المناطق المتضررة.

تشير التقارير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن ما يقرب من 1800 أسرة قد فرت من منطقتي الغيل والحزم المكتظتين بالسكان في محافظة الجوف منذ تصاعد القتال في تلك المناطق في 1 مارس.

أفادت  الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين التي تديرها الحكومة في مأرب أن 2100 أسرة نازحة وصلت إلى محافظة مأرب مطلع هذا الشهر وتستضيفها المجتمعات المحلية في مدينة مأرب ومنطقة الوادي, الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين هي هيئة مساعدة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والتي تتعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية لمساعدة النازحين والمحتاجين, حيث ذكرت المنظمة أن التصعيد الأخير في الجوف قد أجبر ما يقدر بنحو 25.000 شخص على النزوح إلى محافظة مأرب المجاورة.

أبلغ قادة المجتمع المدني المحلي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالعديد من أسر النازحين الذين تقطعت بهم السبل في صحراء الرويك وهم في طريقهم إلى مأرب.

وبحسب ما ورد إلى مكتب الجوف وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تم تهجير 650 عائلة وما زالت تقدم لهم المساعدات رغم الصعوبات الشديدة بسبب الوضع الأمني غير المستقر بشكل متزايد.

اصداء العام 2015:

قبل بداية الحرب، كان نائل حسن، الذي يبلغ من العمر اربعة عقود، يعمل طاهياً في أحدى مطاعم العاصمة صنعاء, وعندما بدأت الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية المدعومة من الولايات المتحدة الهجوم على العاصمة في مارس 2015, تم إغلاق المطعم واضطر للعودة إلى مدينة تعز، مسقط رأسه.

وبعد شهرين، وصلت المعارك إلى المنطقة التي يقطن فيها نائل في تعز، مما اجبره على الفرار مع أسرته المكونة من خمسة أفراد واستقروا في منطقة ريفية جنوب المدينة.

قال نائل لـ “ميدل إيست آي”: “لقد تبعتني المعارك وبعد سنة من العيش في نزوح بمحافظة تعز، قررت السفر إلى مأرب حيث تتواجد فرص عمل”, سافر حسن إلى المحافظة والآن يعمل في مطعم مدينة مأرب.

“بعض هؤلاء النازحين هم في الأصل من صنعاء وهربوا من القتال لأكثر من مرة, حيث أن  احداث الحالية مشابه لما حدث لي في عام 2015.

قال نائل إن معظم العائلات النازحة فقيرة وليس لديها أموال لتغطية الاحتياجات اليومية، لكن بعض الأشخاص الأكرم في مأرب كانوا يساعدونهم, فالعائلات النازحة في حاجة ماسة إلى جميع الخدمات ولكن المأوى يمثل أولوية بالنسبة لهم”.

لقد أخبرنا النازحون أن هناك أيضا عائلات نازحة في الصحراء وأنهم سيصلون قريبا إلى المدينة.

إعادة عمليات النزوح الأخيرة من الجوف إلى مأرب الذكريات إلى حسن عندما أجبرته الحرب على الفرار، ليس لمرة واحدة بل مرتين, مما جعله اليوم يشعر بمعاناة النازحين.

وصف حسن نفسه بأنه خبير في النزوح وقال إنه يعتقد أن مأرب ليست بالمكان الأكثر أماناً للأشخاص الذين يفرون من نوبة القتال الأخيرة.

كانت مأرب تعتبر ملاذاً امناً في العام الماضي, حيث لم تكن هنالك اشتباكات عنيفة، اما الآن فالمعارك تتحرك بسرعة كبيرة وقد نضطر إلى الفرار من مدينة مأرب, ليس من الآمن أن يبقى النازحون هنا, أستطيع أن اتخيل تكرار سيناريو عام 2015، لأن من المتوقع أن يصل القتال إلى المدينة في أي وقت”.

يتمنى نائل أن تتمكن المنظمات من التدخل وإقامة معسكرات للنازحين في منطقة آمنة بعيدة عن مدينة مأرب, حيث قال إن زوجته وأولاده سيذهبون إلى تعز في الأيام المقبلة، لكنه قرر البقاء وحيدا لأنه لا يستطيع ترك وظيفته, ولكن إذا امتدت المعارك إلى هنا، فسيكون من الصعب الفرار.

الاحتياج إلى امكانات كبيرة:

قالت الوحدة التنفيذية أن النزوح الأخير أكبر من قدراتها أو قدرة السلطات المحلية، وحتى اكبر مما يمكن أن تقدمه منظمات الإغاثة العاملة في مأرب.

أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر, فقد صرحت يوم الاثنين إن الآلاف من المدنيين فروا من الاشتباكات المستمرة إلى مأرب في ظروف صعبة للغاية.

وفي تغريدة, أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر اليمني إلى أنها قامت بتوزيع المساعدات الغذائية والمأوى على 70.000 نازح.

ومن جانبه, أكد أحمد شمسان، أحد عمال الإغاثة في الوحدة التنفيذية، أن المنظمات غير الحكومية الدولية في مأرب غير قادرة على تزويد جميع الأسر النازحة بالخدمات الأساسية في الوضع الحالي, حيث وصل الآلاف من الأشخاص النازحين إلى مدينة مأرب في الأيام القليلة الماضية وما زال المئات في صحراء الجوف وحول مدينة مأرب ولا يمكن للمنظمات الوصول إليهم, كما تركت العائلات كل شيء وراءها، فيما زودت بعض المنظمات غير الحكومية العائلات بالطعام وبعض المساعدات، لكن وضعهم لا يزال صعباً وحرجاً للغاية, بالإضافة إلى ذلك، فإن العائلات النازحة التي مازالت في الصحراء لم تتلق أي مساعدات وسوف تصل إلى مأرب قريباً، وبالتالي ستكون الحاجة أكبر في الأيام المقبلة.

قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ( أوتشا ) إن الشركاء في المجال الإنساني يكثفون من الاستجابة في المناطق التي سيتمكنون من الوصول فيها إلى الأشخاص النازحين, مع توفير انواع مختلفة من الإمدادات الغذائية الجاهزة مثل الطعام ومستلزمات النظافة والأدوات الصحية للنساء.

الشجاعة لوقف الحرب:

ليست هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا النزوح الجماعي إلى مأرب, فقد حدثت مشاهد مماثلة في عام 2015 عندما سيطر الحوثيون على محافظة الجوف، مما دفع الناس إلى الفرار جنوبا إلى مأرب.

قال أحمد إن بعض الأشخاص الذين فروا في العام 2015 عادوا إلى ديارهم تدريجياً بعد أن استعادت القوات الموالية للحكومة مدينتي الحزم والغيل في ديسمبر 2015 وأكتوبر 2016.

اليوم، ها هم يهاجرون مرة أخرى, نأمل ألا يستمر ذلك طويلاً، مثلما حدث في المرة الأولى.

صرح أحد موظفي الإغاثة في الهلال الأحمر اليمني في مأرب لـ ميدل آيست اي شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول للتحدث إلى الصحافة، أن الحاجة في مأرب تتزايد وأن المنظمات اصبحت تبذل قصارى جهدها, كانت المنظمات بالكاد تساعد النازحين إلى مأرب بسبب المعارك السابقة، وفجأة اندلعت المعارك الآن واستقبلنا آلاف العائلات الجديدة, وأضاف إنه كان من الصعب تقديم الخدمات الأساسية وتحدث عن سيناريوهات مماثلة حدثت في عام 2015.

من الصعب للغاية مساعدتهم جميعاً في الحصول على الخدمات الأساسية الكاملة، لكننا تواصلنا بالمنظمات غير الحكومية الدولية لإرسال المزيد من المساعدات إلى مأرب.

في عام 2015, استغرق الأمر أشهر عده لمساعدة النازحين لأن المنظمات غير الحكومية كانت مشغولة في مساعدة النازحين في العديد من المحافظات، لكن اليوم اصبح تركيزهم منصب على مأرب, وحتى في خضم المعارك المستمرة، ما زال اليمنيون يأملون في السلام.

فالجميع يأمل في أن تنتهي الحرب وأن تستأنف الحياة الطبيعية, لكن بعد خمس سنوات من الحرب، نستطيع أن نرى أن المعارك لا تزال مستمرة بنفس الضراوة التي كانت عليها في عام 2015.

يجب أن تكون معاناة النازحين كافية لتشجيع الأطراف المتحاربة على وقف الحرب, ونامل أن تلامس هذه المعاناة قلوبهم.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.