قبيل لقاء بوتين وأردوغان – ما الصيغة الممكنة لحل وسط؟
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
دعوني أبوح لكم بسر استراتيجية بوتين، التي تشرح سلوك روسيا في أزمتي أوكرانيا وسوريا، وفي التعامل مع الغرب بشكل عام.
كقاعدة عامة، يلتزم بوتين باستخدام القدر الذي لا يمكّن خصومه من الانتصار، دون زيادة أو نقصان، ليدفعهم بذلك إلى طاولة المفاوضات.
يتعمد بوتين أن يجعل خصومه يفهمون أولا أن الضغط على روسيا بالقوة أمر مستحيل وغير مجد. وردا على التلويح بقبضات اليد، يضطر بوتين دائما إلى ضرب المعتدي، دون أن يقتله، ثم يعطيه منديلا كي يمسح دمه، ويتعاطف مع جراحه، والأهم من كل ذلك أنه يفعل ذلك وراء أبواب مغلقة، حفظا لماء وجه الخصم، ولا يحاصره ولا يجبره على شيء، وإنما يفضل بوتين دائما التوافق…
لهذا تبدو محاولات تركيا استخدام القوة للتوصل إلى نتيجة ما في سوريا بائسة وليست ذات جدوى من ناحية، لكنها خطيرة بالفعل من ناحية أخرى، فهي يمكن أن تؤدي، نظريا، إلى حرب كبيرة، لأن روسيا لا تسمح لأحد، لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا تركيا ولا أي دولة بإملاء شروطها تحت ضغط القوة العسكرية. هذا مبدأ راسخ من المبادئ الأساسية في السياسة الخارجية الروسية، والعجز عن فهم ذلك هو الخطأ الرئيسي الذي يقع فيه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
بنظرة واسعة، فإن الحرب الروسية التركية هي كارثة للطرفين، وأرى أن الجانبين مصممان بعزم على تجنبها.
ولكن، من ناحية أخرى، فقد أوقع أردوغان، بخطابه الإنشائي العدواني، نفسه في فخ لا يستطيع الإفلات منه دون إحراج.
نتيجة لذلك، وفي ظل موقف لا تستطيع فيه روسيا أو تركيا الاستسلام لضغوط الطرف المقابل، وفي الوقت نفسه غير قادرين على وقف تصرفات الطرف الآخر بالقوة، يبدو تصعيد الضغط على الحلفاء من الجانبين أمرا طبيعيا، وربما هو التطور الوحيد الممكن للوضع الراهن.
في الأيام القليلة الأولى، بدا حجم العمليات التركية ضد القوات الحكومية السورية مدهشا بالنسبة للرئيس الأسد والجيش الروسي على حد سواء، حتى أن الجيش السوري تكبد خسائر كبيرة من الطائرات التركية من دون طيار. ثم بدأ السوريون إعداد مخابئ وملاجئ مناسبة بجدية، وجلب العسكريون الروس أنظمة الحرب الإلكترونية إلى مقدمة الجبهة، وهو ما قلل بشكل كبير من نشاط الطيران التركي.
يمكن القول باطمئنان، إن نتيجة الصدام الأول للتكنولوجيات ولعقيدتي الجيش الروسي والناتو تؤكد أن تطوير روسيا لأنظمة الدفاع الجوي لم تذهب سدى، ولحسن الحظ تحرم نجاحات أنظمة الحرب الإلكترونية الناتو من أي تفوق في مجال الطيران.
ومع ذلك، وبالعودة إلى الحل الوسط المحتمل، فإنه من دون الحل ليست هناك طريقة للخروج من المأزق سوى بإبادة الحلفاء بعضهم بعضا، وهو أمر لن يجلب لتركيا النجاح، لأنها لن تنتصر في حملتها ضد الأسد دون إرسال الدبابات التركية إلى دمشق. ومن الصعب تخيل أمر كهذا في ظل التعقيدات الإقليمية والعالمية. علاوة على ذلك، فإذا ما تصرفت روسيا بحرية ضد الإرهابيين، فإن انتصارهم يبدو ضعيف الاحتمال، ويمكن حينها أن يستمر الجيش التركي في تكبد خسائر بانتظام طالما تواجد في صفوف المقاتلين. بالإضافة إلى أن تكثيف العمليات القتالية لن يؤدي سوى إلى زيادة تدفق اللاجئين إلى تركيا.
أعتقد أن أردوغان قد أخطأ بشكل كبير، حينما فتح أبواب اللاجئين السوريين نحو أوروبا. فأوروبا لم يعد بإمكانها ممارسة أي ضغط على بوتين، فقد فرضت فعليا جميع العقوبات المحتمل فرضها على روسيا، ولم يكن لها أي تأثير يذكر، ولم يتبق أمام أوروبا سوى الزحف برجائها إلى بوتين، وهو ما لا تستطيع أوروبا فعله.
لذلك فالضغط الأوروبي سوف يتوجه نحو أردوغان وحده. عموما، تعاني أوروبا منذ فترة طويلة من عجز في سياساتها الخارجية الفعالة، لذلك فبينما تستيقظ أوروبا، وتجتمع، لتناقش الموقف، ثم تتخذ في نهاية المطاف قرارا ما، سوف تكون روسيا وتركيا قد اتفقتا على كل شيء.
كذلك فإن حلف الناتو لا يتحرق شوقا للقتال من أجل تركيا، لكنه على الرغم من ذلك يتوق لمشاهدة الحرب الروسية التركية. وأخيرا، فإن تكثيف الحملة التركية يدفع بإيران مرة أخرى إلى المواجهة، لأن القوات الحليفة لإيران لا يمكن أن تصبح هدفا للأتراك.
إن أردوغان يعاني الآن من ظاهرة حصار القلعة والعجز عن إحراز النصر.
نتيجة لذلك، تحرص اليوم جميع الأطراف على التوصل إلى حل وسط.
من المرجح أن يشمل هذا الحل الوسط تحديد خط المواجهة الحالي، كما يتضح من إعلان روسيا دخول الشرطة العسكرية إلى سراقب، بمعنى أن يكون الطريق السريع M5 تحت سيطرة الأسد، بينما يظل الطريق السريع M4 مغلقا.
من المحتمل أيضا أن يتم التأكيد مجددا على التزامات تركيا بشأن وقف إطلاق النار، وفصل الإرهابيين عن المعارضة المعتدلة، رغم أن الجميع يعرفون الآن أن تلك التأكيدات لا قيمة لها. ومع ذلك فسوف يتيح ذلك لروسيا في المقابل وقف العمليات ضد التشكيلات المسلحة التي تسيطر عليها تركيا.
لقد تكبد الجيش العربي السوري، مع الأسف، خسائر كبيرة، وهو ما سيسمح لأردوغان بالإعلان عن الانتقام وإنجاز النصر، على الرغم من تقليص المنطقة التي أصبحت تسيطر عليها تركيا في إدلب.
بشكل عام، أعتقد أن هذه المرحلة من الحرب قد انتهت تقريبا. فتركيا وروسيا دولتان مهمتان للغاية بالنسبة لبعضهما البعض لدرجة يصعب معها تخيل حرب كبيرة بينهما. في الوقت نفسه، سوف تكون تلك مجرد هدنة، فتحرير سوريا عملية طويلة الأمد.
المقالة تعبر فقط عن رأي موقع روسيا اليوم