لماذا لا تستطيع أمريكا الفرار من الشرق الأوسط؟
بقلم: ديفيد فون دريله
في سجلات الثورات الكارثية، يبدو أن الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت الشرق الأوسط في عام 2011 من بين الأسوأ، فما يسمى بالربيع العربي ادى الى تمزيق الطغيان، وهذا أمر جيد، إن لم يثبت البديل أنه فوضى.
ففي تونس، مسقط رأس الانتفاضة، أسفر إسقاط الديكتاتور زين العابدين بن علي عن تسع سنوات من المحاولات الفاشلة للحكومة الشعبية وهذه هي “قصة النجاح”، في حين تعاقب لحكم مصر ديكتاتور إثر آخر، بينما انغمست ليبيا واليمن وسوريا في حروب أهلية كارثية.
الآن، لقد ادى الربيع العربي، من خلال التحولات والانعطافات الدامية إلى فصل شتاء مروع على طول الحدود السورية مع تركيا، فما يقرب من مليون سوري اصبحوا بلا مأوى، معظمهم من النساء والأطفال يعانون من البرد القارس، حيث تقاتل تركيا تحالفا ساما للسيطرة على حدودها السورية، كما جلبت الفوضى الناتو إلى المواجهة مع روسيا وتهدد بتجديد أزمة اللاجئين التي قد امتدت إلى الاتحاد الأوروبي ووصلت إلى حافة الانهيار.
لنلخص باختصار : لقد أدت الانتفاضة في سوريا إلى زعزعة استقرار ديكتاتورية بشار الأسد لكنها فشلت في ابعاده من السلطة، فمنذ بداية سنوات الحرب الأهلية، كانت الاعمال التي قام بها الأسد لاستعادة قبضته فظة ووحشية بشكل مروع، من الهجمات بالمواد الكيميائية على الأهداف المدنية إلى الغارات الجوية على المستشفيات والمدارس وحلفاؤه الرئيسيون هم الميليشيات التي تدعمها إيران والقوات الجوية الروسية.
أدت حرب الأسد الطاحنة إلى نزوح أكثر من نصف سكان البلد، حيث يوجد حوالي 3.5 مليون لاجئ في تركيا، وهذا يؤثر على موارد تلك الدولة.
واتجه ملايين آخرون عبر أوروبا، مما أدى إلى رد فعل عنيف من قبل القومية المعادية للمهاجرين.
يقوم الأسد الآن بقتال المتمردين المدعومين من تركيا في معاقلهم الأخيرة، محافظة إدلب وأجزاء من حلب في شمال غرب سوريا.
منذ بدء الهجوم في ديسمبر، تسبب القصف العشوائي والتفجيرات في إحداث فوضى مروعة، تشير تقارير الأمم المتحدة: “انه قد نزح عدد كبير من السكان إلى مناطق سكنية صغيرة خلال فترة زمنية قصيرة مقارنة بأي وقت مضى، وليس هناك مكان آخر يفرون اليه.
إن الخطر الذي يتعرض له المدنيون نتيجة للعنف في غاية الشدة، حيث يتم تجاهل القوانين والقواعد الدولية، وفي نفس الوقت يعاني المدنيون من تأثير الطقس البارد والضغوط الاقتصادية.
لقد هرب الكثير من الناس بلا شيء، فقد كانوا غير قادرين على اخذ الاحتياجات الأساسية معهم, في حين فر آخرون بكل ما لديهم، محاولين أخذ أكبر قدر ممكن من ممتلكاتهم لأنهم لا يتوقعون العودة إلى ديارهم.
لقد تم تهجير العاملين في المجال الإنساني وآخرون من مقدمي الخدمات, كما اتلفت المرافق بما فيها من تجهيزات، حيث تقدر قيمتها بملايين الدولارات، وذلك نتيجة لتدمير البنية التحتية”.
في الأسبوع الماضي، ألقت تركيا، العضو في حلف الناتو باللوم على روسيا في الهجوم الذي أدى إلى مقتل 33 جندياً تركياً على الأقل، مما زاد من مخاطر هذه الكارثة، وكان رد فلاديمير بوتين بإرسال سفن حربية من أسطوله في البحر الأسود على طول الساحل التركي عبر مضيق البوسفور باتجاه إدلب، ومع تصاعد التوترات، تتوقع تركيا دعم التحالف الغربي لها، وللتأكد من ان الدعم وشيك، أعلن الزعيم التركي رجب طيب أردوغان أنه سيفتح حدوده للسماح لحشود إدلب بالوصول إلى أوروبا.
إذا كانت القارة تعاني مع الموجات السابقة من اللاجئين السوريين، تخيل كيف سيكون رد فعل أوروبا على مليون شخص من الفقراء الذين يعانون من سوء التغذية، حيث جاء انتقالهم في خضم وباء فيروس كورونا، إنه سيناريو كراهية الاجانب لحلم القومية وتهديد خطير للأخلاقيات المنفتحة والتعاونية وفلسفة التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي.
ربما يتفهم الرئيس ترامب الآن سبب تصميم وزير الدفاع السابق جيم ماتيس على إبقاء القوات الأمريكية الخاصة في شمال سوريا كأحد عناصر تحقيق الاستقرار، ولماذا استقال على خلفية قرار ترامب بسحبها.
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان الرؤساء الأمريكيون يلجون في الشرق الأوسط ثم يخفقون في القدرة على الخروج، ويدفعون بالقوات، ويسحبون القوات، ويرسمون خطوطاً حمراء فقط ليتم تجاهلها لاحقاً، ويبتهجون بزوال بعض الطغاة بينما يفرحون لآخرين، لقد جربنا كل شيء ما عدا الاستراتيجية.
إن الشرق الأوسط يربك الخطاب السياسي الأمريكي، سواء كنا نشجع تدخلاً أجنبياً أو ننتقده، فإننا نزن أفعالنا ضد تدابير الخرافة للنقاء الأخلاقي.
نريد أن نقف إلى جانب محبي الخير ضد الأشرار مع الحرية ضد الطغيان ومع النور ضد الظلام, وفي النهاية، نريد انتصارا مرتبا يرقى الى القمة وأي شيء أقل يعد هزيمة.
هذه المنطقة هي المكان الذي تموت فيه أوهام الحكايات الخرافية, ولكن مع انخراط ترامب الآن إلى قبح تعقيد الأزمة السورية، ينبغي أن يكون الدرس هو أن الولايات المتحدة لا تستطيع الهروب من الشرق الأوسط.
إنه مفترق طرق كوكب الأرض وفهم جذر الثقافة الإنسانية, سوف تضغط مشاكلها دائماً على جدول أعمال العالم، وفي المستقبل المنظور، ستتم إدارة تلك المشكلات في أحسن الأحوال ولن يتم حلها أبداً.
وبطبيعة الحال، فخيبة الأمل في الربيع العربي تجعلنا نريد أن نترك كل شيء وراءنا، ولكن فشل الثورة ذاته يبين السبب لماذا أنه لا مناص من الشرق الأوسط.
*ديفيد فون دريلي: يكتب عموداً مرتين أسبوعياً في “The Post”، كان سابقاً محرراً عاماً لمجلة تايم، وهو مؤلف لأربعة كتب، منها الصعود إلى العظمة: أبراهام لنكولن، وسنة أمريكا الأكثر خطورة و”مثلث: النار الذي غير أمريكا”.
* واشنطن ، 2 مارس 2020 صحيفة “واشنطن بوست” الإمريكية – ترجمة: انيسة معيض- سبأ ـ السياسيه
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.