بقلم: بورزو دراغي

(صحيفة: الاندبندنت, البريطانية – ترجمة: انيسة معيض- سبأ)

من بين الأحداث العديدة المروعة التي وقعت في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي كانت القصة التي لم يلاحظها أحد وهي أن جندياً يعمل مع القوات الحكومية في اليمن، حين اكتشف أنه لم يعد باستطاعته تقاضي راتبه، قام بسحب سلاحه على الفور وإطلاق النار علي نفسه  في وسط مدينة عدن مقر لواء المشاة الأول.

كان السبب وراء اطلاق الشاب النار على نفسه قلقه على ما يبدو من ان يعجز عن توفير الطعام لأسرته وهذه الحادثة تذكر بالبؤس المستمر الذي يلف الحرب الدائرة بلا توقف في اليمن، وهي واحدة من بين العديد من الصراعات الطاحنة التي أحالت مساحات شاسعة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مناظر من الرعب والحرمان.

تعد الحرب في اليمن أكبر المآسي منذ خمس سنوات على بدايتها وهي واحدة من  النزاعات العديدة في المنطقة، والتي يمكن حلها بسهولة، إذا كان لدى المجتمع الدولي الإرادة لكبحها بدلاً من تجاهلها إلى حد كبير، أو العمل على تأجيجها.

خلافًا لسوريا، فإن اليمن نفسه لا يهم كثيرًا أياً من القوى العظمى في العالم. على عكس العراق أو ليبيا، لان لديها القليل من النفط. كما  أنها بجوار مضيق لا يشكل أهمية كبيرة جداً حيث يمر عبره جزء ضئيل من الشحن البحري في العالم.

على عكس طالبان وخليفة حفتار، لقد أظهرت جميع الأطراف المتحاربة في اليمن أنها تستطيع تقاسم السلطة. ولا أحد فيها يخالجه التفكير او يعتقد أنه بإمكان أي فصيل أن يحكم البلد النامي والذي لا يسوده القانون الواقع على الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية بمفرده.

في الواقع، هناك القليل مما يمكن جنيه لأي طرف من الأطراف لمواصلة الحرب مع اليمن. فمثل كل الحروب، هذه الحرب نشبت من قبل الاستغلاليين الذين يرون مصلحة في استمرار الصراع. لكن اليمن لا يزال من بين أفقر البلدان على وجه الأرض؛ وليس هناك الكثير لاستغلاله.

والأهم من ذلك, هو وجود القليل من الميزات الاستراتيجية في استمرار الحرب.

بدأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الصراع ضد الحوثيين ذوي القوة المتصاعدة لأن الجماعة المسلحة كانت تعتبر وكيلاً لمنافسه السعودية العدو اللدود لإيران وخطراً على ممالك شبه الجزيرة العربية.

ولكن كلما طال امد الحرب، يقوي الحوثيون التحالف مع إيران بشكل أفضل ، وكلما أصبحت القدرات العسكرية للمجموعة أفضل، ونتيجة لذلك تشكل تهديدات أمنية أكثر خطورة على المملكة السعودية التي يحكمها محمد بن سلمان وعلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي يحكمها ولي العهد محمد بن زايد.

انخرطت إيران في الحرب لمجرد اطالة أمد اللعب، ولتزويد الحوثيين بالأسلحة والتدريب كوسيلة منخفضة التكلفة نسبيا لإيقاع السعودية في صراع طويل الأمد. وعلى عكس أفغانستان أو العراق، لا يشترك اليمن في حدود مع إيران؛ فهل تلعب دورًا حيويًا في طموح بأن تكون حامية للمسلمين الشيعة.

ولكن مع استمرار الحرب، أصبحت حصتها في نتائج النزاع أكثر رسوخاً. ففي الأسبوع الماضي أفادت تقارير بأن إيران تزود الحوثيين بشكل متزايد بأفضل الأسلحة. كما اتهمت الولايات المتحدة إيران بشحن الصواريخ الروسية الموجهة المضادة للدبابات كورنيت وصواريخ أرض – جو متقدمة عبر سفينة شحن صغيرة تم اعتراضها في البحر في 9 فبراير، ويعد الاعتراض  الرئيسي الثاني على الأسلحة الإيرانية المزعومة منذ نوفمبر.

وقال وليام أوربان المتحدث باسم الجيش الأمريكي للصحفيين “الإمداد المتواصل بالأسلحة من قبل الحكومة الإيرانية للحوثيين أدى بالتأكيد إلى إطالة أمد الصراع وتأخير التوصل إلى حل سياسي وزيادة معاناة الشعب اليمني”. علاوة على ذلك، في يوم الجمعة، أدعى الحوثيون أنهم أسقطوا طائرة مقاتلة سعودية من طراز تورنادو “بصاروخ أرض – جو متقدم”، مما يشير إلى أن قدرات أكثر تطوراً يتم استخدامها في ساحة المعركة.

بدلاً من التوجه نحو انهاء الحرب، أصبحت حرب اليمن أكثر تعقيداً وخطورة مع  كل شهر يمر. إن الفصائل المناهضة للحوثيين هي الآن اساساً في حالة حرب، حيث يشتبك المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل منتظم مع الحكومة المعترف بها دولياً بقيادة رئيس الحكومة الخائن الفارعبد ربه منصور هادي، والتابعة للمملكة العربية السعودية.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن الصراع كان لا يكلف الكثير. ويزعم الحوثيون أن الحرب تكلف السعودية 60 مليار دولار. في حين أن الرقم، مثله مثل كل شيء تقريباً تقوله الجماعة، من المحتمل أن يكون مبالغاً فيه ، من غير ريب في ان الرياض قد انفقت عشرات المليارات من الدولارات لدفع ثمن أسلحة الحرب والمرتزقة ولإبقاء حكومة هادي الهشة قائمة، حتى لو ان حلفاءها احياناً لا يشاركونها في هذه التكلفة.

كما أن هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية قد كلفت البلاد. تخيل لو أنه بدلاً من تمويل الحرب على مدى السنوات الخمس الماضية، استثمرت الرياض نصف ذلك المبلغ في مشاريع تعليمية وزراعية في اليمن – ربما حتى وجدت عملاً مربحاً تقدمه للشاب الذي قتل نفسه الأسبوع الماضي بسبب عدم دفع الراتب له.

لم تحدث محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة التي بدأت في أواخر العام الماضي أي تغيير، مع وجود مؤشرات على أن هدنة هشة بشأن مدينة الحديدة الساحلية آخذت في الانهيار.

في هذه الأثناء، تواصل القوى الغربية – خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا – بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، وتوفر لها غطاء دبلوماسي للحرب التي يعترفون بها في لحظات خاصة، انها حرب مفلسة أخلاقياً وتؤدي إلى نتائج عكسية من الناحية الاستراتيجية. وبالضغط عليهم أكثر سيقرون بأنهم يفعلون ذلك ليس بالضرورة لأن الشركات الغربية تستفيد مباشرة من مبيعات الأسلحة التي تستخدم في صراع اليمن، ولكن لأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وشريكتهما مصر تشتري الكثير من الأسلحة، وبهذا توفر فرص العمل وتحقق أرباحاً مرضية في الغرب.

ولكن إذا كان الاقتصاد الغربي واهن إلى حد أنه يعتمد على زيادة المأساة لـ 25 مليون شخص يعاني الفقر بالفعل، فإنه لا يستحق النجاة من الذنب.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.