بقلم: أحمد عبد الكريم*

(موقع”investigaction– انفستيج أكسيون” الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش – سبأ )

 

اليمن- الحدود السعودية: أملاً في حياة أفضل، حزم “هرمالا” البالغ من العمر 32 عاماً متاعه معلناً مغادرة بلدة “جيما” الزراعية الفقيرة والواقعة في إقليم أوروميا في إثيوبيا متوجهاً صوب المملكة العربية السعودية, حيث واجه العديد من المخاطر التي لا توصف على طول خط سير رحلة الموت، فقد صارع شبح الموت غرقاً في عرض البحر, كما تعرض للمطاردة والتعذيب وسوء المعاملة, كل ذلك من أجل السعي نحو حلماً لم يتحقق.

على مدار الحرب المستمرة منذ ما يقرب من الخمس سنوات في اليمن، لم تؤدي القنابل والقذائف الأمريكية الصنع التي عكف التحالف العربي المنضوي تحت راية الرياض على اقتنائها إلى تدمير حياة الكثير من اليمنيين فحسب بل أخذت هذه الأسلحة على عاتقها تحطيم أحلام المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي بعد أن تقطعت بهم السبل في غياهب الكابوس الذي خيم على اليمن منذ أواخر مارس من العام 2015، عندما بدأت الحرب الضروس في سرد فصولها.

فقد كان “هرمالا” يأمل في بادي الأمر أن يشد الرحال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بالنظر إلى العدد الكبير من سلسلة الاجراءات الجديدة والمناهضة للهجرة التي انتهجتها إدارة الرئيس ترامب، اختار بدلاً من ذلك تغيير مسار رحلته المحفوفة بالمخاطر والتي سوف تجبره على قطع سلسلة من المرتفعات الجبلية والوديان والغابات والمستنقعات والبحار, فقد كان يراوده أمل أن تكون وجهته النهائية هي المملكة الغنية بالنفط “السعودية” عن طريق اليمن الذي مزقته الحرب.

دفعت جملة من العوامل مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة من أمثال “هرمالا” -الذي وجد نفسه في مرمى الأسلحة جراء الحروب والصراعات الدائرة في اليمن- إلى السفر عبر أكثر التضاريس وعورة على وجه الأرض على أمل عبور البحر الاحمر إلى اليمن ليبلغ وجهته في نهاية المطاف إلى المملكة السعودية, وذلك بعد أن أغلقت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أبوابها أمام المهاجرين واللاجئين.

ففي نوفمبر الماضي، قطع “هرمالا” لأكثر من 1000 كيلومتر من منزله, حيث  اجتاز أحد أكثر طرق الهجرة البحرية ازدحاماً حول العالم, فقد سافر أولاً بواسطة الحافلات وبعدها سيراً على الأقدام إلى أن تمكن من اجتياز الحدود إلى جيبوتي، ومن ثم بدأ برحلة تخطى خلالها المرتفعات الجبالية والعواصف الرملية ودرجات الحرارة المرتفعة، فقد كان يعيش على فتات الخبز والماء غير النظيف.

وبعد دفع رواتب المهربين, وصل “هرمالا” ومن معه من المهاجرين، مجموعة مكونة من سبعة مهاجرين آخرين، في الأخير إلى الساحل الجنوبي لليمن في رحلة استغرقت ما بين 12 إلى 20 ساعة عبر مضيق باب المندب المضطرب, على متن قارب خشبي شديد الاكتظاظ, ومع ذلك فقد كانوا محظوظين للغاية, حيث تمكنوا من الوصول إلى الأراضي اليمنية, فالرحلة من القرن الأفريقي إلى الساحل اليمني عن طريق خليج عدن أو البحر الأحمر مليئة بالمخاطر, حيث يواجه المهاجرون واللاجئون أوضاعاً صعبة جداً، إذ يجبرهم المهربون في كثيراً من الأحيان على السباحة لعدة كيلومترات لتجنب القبض عليهم من قبل خفر السواحل السعودية أو لأن الحمولة الزائدة للقوارب لا يمكنها مقاومة الأمواج الهائجة.

مهاجرون إثيوبيون على متن قارب على الساحل غير المأهول خارج مدينة أوبوك ، جيبوتي ، في طريقهم إلى اليمن ، 15 يوليو ، 2019. ناريمان المفتي/ وكالة أسوشيتيد برس

قال لاجئ آخر من المجموعة التي كانت بصحبة “هرمالا” لموقع “MintPress” بالكاد يستطيع التحدث باللغة العربية أن 45 من بين 150 راكباً كانوا على متن القارب قد لقوا حتفهم عندما أجبرهم المهربين على القفز في المياه قبالة ساحل عدن بعد أن تكبد قاربهم حملاً هائلاً.

وفي يوليو المنصرم، لقي 15 إثيوبياً مصرعهم بعد أن تعطل القارب الذي كان يقلهم قبالة ساحل اليمن, حيث تم تركهم عالقين في عرض البحر.

وفي مخيم للاجئين في صنعاء، أخبر الناجون من حادث آخر لـ “MintPress” أن بعض المهاجرين الذين سافروا معهم ماتوا بسبب الجوع والعطش، بينما ابتلع البحر  آخرون بعد أن تعرضت القوارب التي كانوا على متنها للهجوم, حيث تسيطر السعودية والإمارات على المياه الاقليمية لليمن, حيث تقوم بدوريات تمشيط واسعة النطاق للمنطقة.

وعلى الرغم من الحرب المستمرة والأزمة الإنسانية المتصاعدة والمستعسرة في هذا البلد، فقد شهدت السنوات الأربع الماضية ارتفاعاً مطرداً في عدد الوافدين من اللاجئين والمهاجرين القادمون من شرق إفريقيا إلى اليمن.

ومن جانبها, أشارت المنظمة الدولية للهجرة انه منذ أبريل المنصرم وصل إلى اليمن  حوالي 90 ألف مهاجر قادمون من شرق أفريقيا 90٪ منهم من إثيوبيا فقط.

ومع ذلك، فقد وصل أكثر من 150 مهاجر إلى اليمن خلال العام 2018, بزيادة بلغت 50 % عن العام السابق, وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، ففي الفترة ما بين يناير وأغسطس من العام المنصرم, وصل إلى اليمن 97.069 مهاجراً كان من بينهم أكثر من 13% من الأطفال و 66% منهم كانوا بدون مرافق.

وبحسب إدارة الهجرة والجوازات في اليمن, فقد وصل إجمالي ما يصل إلى 700 ألف شخص جلهم من الإثيوبيين والصوماليين عبر البحر الاحمر والبحر العربي منذ العام 2015, عندما بدأت الحرب في سرد فصولها.

رحلة إلى الجحيم

يواجه المهاجرون الأفارقة في المنطقة الجنوبية الشرقية لليمن والخاضعة للسيطرة الكاملة للقوات السعودية والإماراتية مخاطر جسيمة وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب والابتزاز والانتهاك الجنسي والجسدي, حيث روى ثلاثة إثيوبيين كانوا محتجزين في مخيم معروف في شمال اليمن قصصهم إلى لـ MintPress, بعد أن اقتربوا من نهاية رحلتهم المكلومة في اليمن، إذ تعرضوا للاعتداء الجسدي من قبل المهربين في عدن الذين كانوا يأملون بدورهم في انتزاع أموال الفدية من أفراد عائلاتهم في إثيوبيا.

دندن بعض اللاجئون على أوتار محنتهم, حيث قال أحدهم لـ :”MintPress” “لقد باعت أسرتي الأرض التي كانوا يقتاتون منها والتي  كانت مصدر رزقهم الوحيد كي يتمكنوا من دفع الفدية المطلوبة, في حين وصف لاجئ آخر كان مسافراً مع مجموعة “هرمالا”, كيف تم معاملته في أحدى المخيمات في محافظة لحج:” قام المهربون بضربي, حيث عملوا على تعليقي على الحائط عندما امتنعت عن الاتصال بأقاربي, وكلما أصروا على ذلك, كنت أقابلهم بالرفض, حينها باشروني بضربة على رأسي باستخدام الهراوات, حيث نتج عن تلك الضربة نزيف وتورم شديد ولا تزال الندبة واضحة على راسي حتى الآن.

تؤكد التقارير الصادرة عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” وغيرها من المنظمات, أن المهاجرين يتعرضون للتعذيب والإيذاء بشقيه الجسدي والنفسي بشكل منتظم, بالإضافة إلى سوء المعاملة على أيدي المهربين والمسؤولين في المناطق الجنوبية الشرقية لليمن, كما عمد التحالف أيضاً الذي تقوده الرياض وحلفاؤها على تعذيب واغتصاب وإعدام المهاجرين وطالبي اللجوء من منطقة القرن الإفريقي في مراكز الاعتقال في مدينتي عدن ولحج الساحلية.

مهاجر إثيوبي يظهر ندوباً من التعذيب الذي تعرض له في لحج، اليمن/ ناريمان المفتي/ وكالة أسوشيتيد برس

تجلب الحرب في طياتها العديد من المخاطر على حياة المهاجرين الأفارقة, ففي يناير الماضي، لقي ما لا يقل عن 30 شخصاً مصرعهم عرقاً في البحر, عندما أطلقت سفن تابعة لقوات التحالف التي تقودها السعودية والتي تقوم بدوريات في الساحل اليمني النار على قاربهم مما تسبب في غرقه.

وفي مارس من العام 2017, أمطرت طائرة هليكوبتر تابعة للتحالف العربي بقيادة الرياض وابلاً من النيران على سفينة تحمل أكثر من 140 مهاجراً, مما أدى إلى مقتل 42 لاجئ صومالي, حيث وصفت منظمة حقوق الإنسان هذا العمل بأنه “جريمة حرب”.

كما قتل في 30 مارس من العام 2015, 40 لاجئ على الأقل وأصيب 200 آخرين عندما استهدفت مقاتلة سعودية مخيم “المزرق” للاجئين.

ومع ذلك، لا يزال الآلاف الأفارقة من المهاجرين الذين ترتقي أرواحهم إلى السماء في ارض اليمن مجهولي الهوية، وما زالت مقابرهم الضحلة تصطف على طول الطريق التي يعبرها الآخرون ممن يبحثون عن حياة أفضل في أرض غريبة عنهم.

الرغوة : وادي الموت

بعد رحلة استغرقت ثلاثة أيام، تمكن “هرمالا” أخيراً وثلاثة من رفقاء دربه من الفرار من براثين المهربين في مدينة عدن, ولكن تم احتجازهم مؤقتاً في مخيم آخر للاجئين يديره التحالف الذي تقوده الرياض, ولحسن حظهم تمكنوا في الأخير من الهرب مرة أخرى وفي طريقهم من جنوب اليمن شمالاً باتجاه الحدود السعودية، وتحت اشعة شمس الصحراء الحارقة, كان بعضهم ينتعل أحذية بالية والبعض الآخر حافي القدمين, حيث أن الأخطار التي يواجهها “هرمالا” ورفاقه الآخرون الذين يسافرون باتجاه الشمال لا تعد ولا تحصى.

تلتقي طرق المهاجرين في محافظة صعدة، حيث لا ينفك القتال النشط بين المقاومة اليمنية والقوات السعودية من الوقوف, فهناك يُقتل المئات بشكل روتيني جراء الغارات الجوية التي يشنها النظام السعودية بشكلٍ عشوائي, وغالباً ما يمكن رؤية طوابير بشرية طويلة من المهاجرين وهم يسيرون صوب غايتهم المنشودة, كما أن دوي الانفجارات الناجمة عن الغارات الجوية القريبة لم يقف عائقاً أمام تحقيق أحلامهم.

وعلى الرغم من أن السكان المحليين ايضاً يصارعون شبح الوقوع في شرك المجاعة، إلا أنهم لم يبخلوا في تزويد اللاجئين بالمياه النظيفة والطعام عندما يكون ذلك في متناول يدهم.

ومن خلال مزيج بين اللغة الإنجليزية والعربية البسيطة, قال اللاجئون الذين تحدثوا إلى لـ “MintPress”: “الشعب اليمني شعب مضياف، فهم لا يرون أي ضير في مرورنا عبر مناطقهم أو حتى البقاء فيها”, وروى آخرون كيف زودهم السكان بالطعام والملابس كما دلوهم على الطريق الصحيح المؤدي إلى المملكة العربية السعودية”.

لطالما كانت اليمن دولة مضيفة بالنسبة للاجئين, فهي في الواقع الدولة الوحيدة في منطقة شبه الجزيرة العربية الموقعة على اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها.

وبعد عبور الريف اليمني الجبلي، شق “هرمالا” طريقه بصحبة ثلاثين آخرين من رفقاءه الإثيوبيين حتى وصلوا في نهاية المطاف إلى منطقة الرغوة نقطة العبور الأخيرة إلى المملكة الغنية بالنفط  والواقعة بالقرب من محافظة صعدة, ولكن بالنسبة لـ “هرمالا” – ذو الشعر المجعد والوجه المستدير والذي كان محبوباً من كل من واجهه حتى المتجرين به- كانت الرغوة هي المحطة الأخيرة في رحلته.

مهاجرون أفارقة يسيرون على الطريق السريع في مأرب باليمن، 29 يوليو 2018/ تصوير:ناريمان المفتي/ وكالة أسوشيتيد برس

فقبل بضعة أيام، تم العثور على جثمان “هرمالا” إلى جانب ثلاثة من رفاقه الإثيوبيين، حيث أرتقت ارواحهم إلى السماء بعد أن تمكنت القنابل الأمريكية الصنع التي أسقطتها على المكان الذي كانوا متواجدين فيه الطائرات السعودية من الفتك بهم, وهكذا انتهت رحلتهم دون سابق انذار.

وقبل أقل من شهر، قُتل كذلك العشرات من أقران “هرمالا” في ذات المكان عندما نفذت القوات السعودية قصفاً عنيفاً على سوق مزدحم, فقد حدث هذا الهجوم بعد حوالي أسبوع من مقتل 10 اشخاص من اللاجئين الأفارقة, في حين جرح في نفس الحادث قرابة  35 آخرين, وذلك بعد أن ألقى حرس الحدود السعودي قذائف الهاون على نقطة تجمع مزدحمة للاجئين الأفارقة في المنطقة المتاخمة للحدود السعودية.

ومن جانبهم, يصف المهاجرون هذه المنطقة بأنها وادي الموت, نظراً لكون رائحة البارود والجثث تملئ المكان.

وبالرغم من مصارعتهم لخطر المرض والجوع والموت كل يوماً تقريباً إلا أنهم تمكنوا من اجتياز المسافات الطويلة والعصيبة الفاصلة بين القارات, ولكن لطالما وقف الموت لهم بالمرصاد فاتحاً ذراعيه منتظراً لهؤلاء المهاجرون, وذلك بفضل الإمدادات التي لا نهاية لها على ما يبدو من الأسلحة التي قدمتها الإدارة الأمريكية لدول التحالف السعودي.

فعلى طول امتداد منطقة الرغوة اليمنية الحدودية والواقعة في مديرية منبه في محافظة صعدة، تنتشر المخيمات التي يسكنها الالاف من المهاجرين الأفارقة القادمون من إثيوبيا والصومال على أمل عبور الحدود إلى المملكة العربية السعودية الغنية بالذهب الأسود.

معظم المناطق الحدودية اليمنية مع المملكة السعودية أصبحت بمثابة مسرحاً للعمليات القتالية, حيث تتصارع فيها القوات السعودية ضد المقاومة اليمنية بقيادة الحوثيين, ولحسن الحظ, لم تصل هذه العمليات القتالية حتى الآن إلى حي الرغوة المأهول باللاجئين الإثيوبيين والصوماليين والذين يقيمون في الغالب في مخيمات لا تعد ولا تحصى في المنطقة بالرغم من كون وصف التحالف الذي تقوده الرياض لتلك المنطقة بأنها منطقة تهريب معروفة، بيد أنه لم يحددها إلا مؤخراً على أنها منطقة نشاط عسكري.

لا يختلف الوضع العام للمهاجرين الأفارقة سوءاً كانت الحياة لا تزال تدب في عروقهم أو في حال فارقوها, إذ لا توجد مقابر تلتحف أجسادهم, مما قد يؤثر سلباً على إمدادات المياه والتربة جراء تحليل أجسادهم, حيث يتم نادراً نقل جثث المهاجرين الذين قتلوا على أيدي حرس الحدود السعودي أثناء محاولتهم عبور الحدود, وبالتالي يكون هذا الفعل بمثابة تحذير للآخرين إذ ما تجرئوا على السير على نهج ذويهم.

كل شخص في حي الرغوة لديه قصة مأساوية يرويها, ففي هذا المكان المعتم, تجد فتاة في ريعان شبابها لا تفارق الابتسامة محياها, فهي شخص استثنائي يبعث على الأمل في الواقع القاتم الذي يخيم على حي الرغوة, فقد عملت كممرضة في إثيوبيا, ولكنها تركت أسرتها وبلدتها على أمل العثور على عمل في المملكة السعودية الغنية حتى تتمكن من إعالة أختها وأبيها الطاعنين في السن, واليوم لا تزال تقضي وقتها في الركض من مريض إلى مصاب في المخيم، مستخدمه مهاراتها ومواردها المحدودة للغاية لمساعدة من تستطيع.

وباللغة عربية ضعيفة, في حين أن معظم اللاجئين الآخرين في المخيم لا يستطيعون التحدث بها على الإطلاق قالت لـ MintPress””: لم يعد يخيفني شيء في المخيم بعد الآن سوى ضجيج الطائرات النفاثة ودوي انفجار القنابل عند ارتطامها على الأرض, حينها تصيبني حالة من الصراخ والهلع, حيث أحتضن الارض في كل مرة اسمع فيها تحليق الطائرات المقاتلة, “فالمكان هنا يصبح مرعباً”.

يعاني العديد من المهاجرين من تحديات شديدة على صعيد الصحة البدنية والعقلية والناتجة عن التجارب التي عانوا منها خلال رحلاتهم, بالإضافة إلى الأوقات العصيبة التي قضوها في معسكرات الاعتقال في جنوب اليمن, حيث لطالما خيم عليهم الشعور بالخوف من القتل أو ما هو أسوأ من ذلك “العودة إلى ديارهم خالين الوفاض”.

مهاجرة إثيوبية خارج سجن رأس العارة في محافظة لحج، 25 /يوليو/ 2019/ تصوير ناريمان المفتي/ وكالة أسوشيتيد برسوعلى الرغم من وجود الالاف من المهاجرين في هذه المنطقة، إلا أنه لا يوجد هناك أي مركز صحي أو حتى عيادة, كما لا يوجد على الإطلاق نظام صرف صحي، ناهيك عن انتشار الأوبئة على نطاق واسع, حيث يموت ما بين ثلاثة إلى خمسة أشخاص كل يوم بسبب الكوليرا أو الملاريا أو أي أمراض أو أوبئة أخرى.

الوجهة النهائية

تحت جنح الظلام، يحاول العديد من المهاجرين التسلل من عزلة آل ثابت في محافظة صعدة إلى المملكة العربية السعودية, ومع شروق الشمس، تتناثر الجثث على طول  طريق العبور, حيث أن عدد قليل فقط منهم من يحالفهم الحظ تمكنوا من دخلوا المملكة لكسب لقمة العيش, حيث يعملون كخدم في المنازل أو عمال.

صرحت أحدى المهاجرات بعد تعرضها لعملية اطلاق نار دون سابق إنذار من قبل حرس الحدود السعودي لـ MintPress””: أنه تم إطلاق النار عليها أثناء محاولتها عبور الحدود في منطقة الزمة الواقعة على بعد ثلاثة كيلومترات من الرغوة, حيث وصفت المشهد المخيم على المنطقة الحدودية: “ظلت الطائرات الحربية تحلق في السماء، حيث أسقطت العديد من القنابل، في حين لم يكن هناك مكان للاحتماء به, ومع مغادرة الطائرات المقاتلة للمنطقة كان هناك الكثير من القتلى على الحدود, فالمشهد كان بمثابة وجود سيل عارم من الجثث”, كما قال إدريس نيبيو ودينا، فكلاهما من المهاجرين الإثيوبيين، إن طائرة هليكوبتر من طراز أباتشي فتحت النار عليهم بينما كانوا يسيرون في عزلة آل ثابت الحدودية, حينها تفرق الجميع في كل الإتجاهات, ولكن الرصاص الحي تمكن من اختراق اجساد العديد من الأشخاص عند محاولتهم الهروب, بيد أن العديد منهم أما قُتلوا أو جُرحوا, ويصف ادريس مشهد إصابة صديقه بالرصاص, إذ لم يتمكن من مساعدته لأن رصاصة استقرت في رأسه وفارق على أثرها الحياة على الفور, فقد اضطر لتركه على الأرض ولاذ بالهرب.

أعربت منظمة الهجرة الدولية, من جانبها عن قلقها الشديد إزاء مقتل المهاجرين الأفارقة في هذه  المنطقة.

بدأ بعض المهاجرين الذين لم يتمكنوا من اجتياز الحدود وغير الراغبين في مواجهة المعاملة اللاإنسانية التي يتعرضون لها في مخيمات اللاجئين أو مراكز الاحتجاز في العودة إلى ديارهم.

ومن جانبه, أعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة أن 5087 لاجئ صومالي عادوا إلى ديارهم من اليمن منذ العام 2017, كما أشار مارتن مانتيو، نائب ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في اليمن, إلى أن بعض اللاجئين اختاروا الآن العودة إلى ديارهم ومن المهم أن تستمر المفوضية في مساعدة أولئك الذين يرغبون طوعاً في العودة إلى ديارهم والقيام بذلك بكرامة وأمان”.

أصدقاء هيرمالا, الذين ما يزال كابوس الرغوة جاثم على صدورهم، لم يعبروا الحدود بعد، في حين لم يفكرون في العودة إلى ديارهم, فاليأس يدفعهم بهم إلى المخاطرة بحياتهم بصرف النظر عن الصعاب التي تنتظرهم.

*أحمد عبد الكريم صحفي يمني, مختص في تغطيه الحرب في اليمن لموقع  “MintPress” الاخباري وكذلك وسائل الإعلام اليمنية المحلية.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.