“الجزء الثالث”

 

الأزمة في الخليج الفارسي: واشنطن وطهران وجهاً لوجه

بقلم: اميل بوفييه

 

(موقع “- les cles du moyen orient لوكليه دو موين اغيونت” الفرنسي- ترجمة اسماء بجاش-سبأ)

 

منذ منتصف مايو 2019, ارتفعت وتيرة الحوادث الأمنية في منطقة الخليج الفارسي, مما أدى إلى تصاعد التوترات، ليس فقط لفظياً بل وحتى عسكرياً: ففي 20 يونيو المنصرم، أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوامره للجيش بتنفيذ سلسلة من الضربات العسكرية ضد أهداف إيرانية، بيد أنه تراجع عن قراره في اللحظات الأخيرة, وبالنظر إلى مدى ثراء وتكثيف الأخبار في منطقة الخليج الفارسي، التي تتمتع بموقع الاستراتيجي للغاية، يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على الوضع الحالي والأسباب والعواقب والتبعات المحتملة لهذه الأزمة.

 

1- ما الذي يحدث؟

 

إن سلسلة الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها الناقلات النفطية التي ترفع أعلام دولاً مختلفة في الخليج الفارسي, تعد نقطة انطلاق للأزمة امتدت منذ ذلك الحين إلى أن لامست العديد من الجوانب الأكثر فتكاً.

 

الأحد, 12 مايو:

 

تم سماع دوي عدة انفجارات في ميناء الفجيرة الإماراتي للنفط والذي تبحر خلاله العديد من السفن, حيث تعرضت أربع ناقلات نفطية لعمليات هجومية إرهابية، اثنتان منها ترفع العلم السعودي, فهذا الأخير لديه ايدي دولية بما فيه الكفاية لتحييد الناقلات وإعطاء القضية طابعاً دراماتيكياً مذهلاً، ولكن ليس بما يكفي لتعريض أطقم السفن للخطر.

 

على سبيل المثال، تعرضت الناقلة “أندريه فيكتوريا” التي ترفع العلم النرويجي، لضربة حساسة أسفل الجسم الرئيسي للناقلة, حيث تواجد المقصورة العازلة لتسرب المياه والتي من شأنها منع حدوث اي اضراراً بالغة.

 

بيَّنَ الضرر الذي تسبب به الانفجار مدى ضعفه, إذ يعتقد بعض الخبراء أن السفينة كانت مستهدفة بواسطة طوربيد غير محمل برأس متفجر, وبالتالي، فإن قوه الارتطام كانت كافيه لإحداث اضرار كبيرة، ولكن عدم وجود عبوة ناسفة يمنع حدوث أي ضرر جسيم.

 

أشار السعوديون بأصابع الاتهام لإيران, في حين شاركتهم الولايات المتحدة الأمريكية هذه المزاعم.

 

ومن جانبهم, يجري صناع القرار في طهران محادثات عاجلة مع حلفائهم مع القارة الأوروبية وشبه الجزيرة العربية، في حين يقومون ايضاً في الوقت نفسه بنشر تعزيزات عسكرية – مقاتلين ومعدات- في المنطقة.

 

الخميس, 13 يونيو:

 

تعرضت ناقلتا نفط مرة أخرى لعمليات تخريبية, حيث تم زراعة ألغام لاصقة، تم أزالت بعضها في اللحظة الاخيرة من على بدن السفينتين اللتان تحملان احدهما العلم  النرويجي, بينما حملت الأخرى العلم الياباني.

 

ومرة أخرى, يشار إلى إيران بأصابع الإتهام، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تزعم أنها وثقت وجود فرق برمائية إيرانية عملت على إلصاق الألغام وإزالة بعضها, مثبتة ذلك بالصور، في حين تؤكد طهران على براءتها من هذا العمل, معتبرةً ذلك ضمن مسلسل المؤامرات التي تحاك ضدها.

 

ومن جانبها, استنكرت اليابان الحليف المخلص للولايات المتحدة الأمريكية الهجوم الذي استهدف إحدى ناقلاتها، في حين كان رئيس الوزراء شينزو آبي، على راس وفد رسمي يزور العاصمة الإيرانية طهران في الوقت ذاته.

 

ومن جانبها, ردت طهران بالقول انه من المشكوك فيه أن يتم مهاجمة أي مصالح يابانية خلال زيارة دبلوماسيه وقالت ان “الكلمة المشبوهة ليست كافية لوصف ما يبدو انه يستشف المسألة من هذه الهجمات”.

 

الأربعاء, 19 يونيو:

 

ضرب صاروخ المنطقة السكنية في مدينة البصرة العراقية التي يوجد بها العديد من مقار الشركات النفطية وفي مقدمتها شركة النفط الأمريكية العملاقة إكسون موبيل.

 

أسفر هذا الهجوم عن إصابة عاملين عراقيين بجروح, في حين لم تعلن أي جماعة إرهابية أو دولة مسؤوليتها عن هذا الهجوم.

 

وكما جرت العادة, فقد أنصب التركيز على إيران، على الرغم من أن القضية تسببت في اضطراب دبلوماسي أقل.

 

ومن جانبها, كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت سابقاً بإجلاء المئات من موظفيها الدبلوماسيين إلى العاصمة بغداد بسبب “تهديدات غير محددة” من إيران التي لها وجود قوي في العراق من خلال الميليشيات الشيعية المعروفة باسم الحشد الشعبي.

 

الخميس, 20 يونيو:

 

أُسقطت طائرة أمريكية بدون طيار فوق مضيق هرمز من قبل القوات الإيرانية, حيث زعمت أن الطائرة المسيرة دخلت المجال الجوي الإيراني لأغراض التجسس، ومن جانبها, نفت الإدارة الأمريكية هذه المزاعم, إذ أشارت إلى أن الطائرة كانت تُحلق في المجال الجوي الدولي, حيث أشار الرئيس ترامب على  تويتر أن “إيران ارتكبت خطا كبيرا جدا!”.

 

 

 

ليلة الخميس، 20 يونيو إلى الجمعة, 21 يونيو:

 

أصدر الرئيس الأمريكي تعليمات إلى القوات المسلحة الأمريكية في المنطقة بتنفيذ سلسلة من الضربات العسكرية ضد أهداف إيرانية، بما في ذلك مواقع الصواريخ أرض – جو ومواقع الرادارت, وبينما كانت السفن قد انتقلت إلى الخليج وأصبحت على أهبت الاستعداد, تراجع الرئيس ترامب في نهاية المطاف عن أوامره, حيث قام بتغيير رأيه وألغى العملية.

 

الجمعة, 21 يونيو:

 

انتاب المجتمع الدولي حالة من القلق جراء تصاعد وتيرة التوترات بين طهران وواشنطن على الرغم من أن إلغاء حملة الضربات التي شنها دونالد ترامب مطمئنه إلى حد الذي تظهر فيه أن الصدام من غير المرجح أن يرى ضوء النهار.

 

القت هذه التوترات التي خيمت على المنطقة بظلالها على عدد كبير جداً من شركات الطيران التي قررت التوقف عن التحليق فوق مضيق هرمز، بينما أعلنت بعض الدول مثل الهند نيتها إرسال تعزيزات عسكرية إلى منطقة الخليج لتأمين رعاياها وسفنهم.

 

  1. لماذا هذا الارتفاع المفاجئ لحدة التوترات؟

 

تشكل هذه التوترات جزء من السياسات التي يقررها الرئيس الأمريكي المعادي لإيران, والمتأثر بصقوره المناهضين لإيران: مستشار الأمن القومي جون بولتون وزير الخارجية مايك بومبو، حيث زادت الإدارة الأمريكية من الضغط على طهران، مما أثار مخاوف التدخل العسكري المباشر.

 

ولتذكير, فقد انسحبت الولايات المتحدة في واقع الأمر من جانب واحد في 8 مايو من العام 2018, من اتفاقية فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، زاعمة أن طهران قد انتهكته عدة مرات.

 

وفي نوفمبر من العام نفسه، فرضت واشنطن عقوبات صارمة على الواردات النفطية  لنظام الملالي.

 

وفي أوائل مايو تم إلغاء الإعفاءات الممنوحة لبعض البلدان التي حظيت بتراخيص سابقة باستيراد النفط الإيراني.

 

وعلى المستوى الأمني البحت، فان الحرس الثوري الذي يعتبر صاحب نفوذ قوي في النظام الإيراني، تم ادراجه على قائمه المنظمات الإرهابية في 8 ابريل 2019.

 

في 3 مايو, أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية المجموعة البحرية “غان” إلى الخليج والتي تتألف من عده سفن حربية، بما في ذلك حامله الطائرات “لينكولن”، فضلا عن أسطول من قاذفات القنابل من طراز “”B-52.

 

وردا علي ذلك، أعلنت طهران في 8 مايو 2019, أي بعد مرور عام على إعلان الولايات الأمريكية الانسحاب من اتفاق فيينا، أنها ستوقف لمدة 60 يوما تنفيذ بندين من خطه العمل الشاملة المشتركة بموجب الاتفاق النووي الذي ظلت ، وحتى الآن، إيران ملتزمة ببنود الاتفاق مع الدول الاوروبيه, حيث أعلنت أنها ستقوم بإحياء إنتاجها من اليورانيوم المخصب وزيادة مخزوناتها من المياه الثقيلة اللازمة لبرنامجها النووي العسكري.

 

إن الحوادث الأمنية المختلفة التي وقعت في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج الفارسي هي نتيجة مباشرة للتصعيد السالف ذكره, فالأميركيون والإيرانيون يختبرون حدود صبر بعضهم البعض.

 

  1. ما هي مخاطر الصدام الإيراني الأمريكي في الخليج الفارسي؟

 

يمثل الخليج الفارسي موطن 60 ٪ من احتياطي النفط حول العالم, ومن أجل الوصول إلى هناك، يجب أن تمر الناقلات النفطية عبر مضيق هرمز- ممر مائي ضيق لحركة المرور- إذ يبلغ عرضه 40 كم فقط، في حين يمثل 30٪ من الصادرات العالمية من الذهب الأسود.

 

على جانبي المضيق, توجد دولتان متنافستان, هما:  إيران الشيعية والسعودية السنية، تحيط بهما الحليف الإماراتي.

 

وبسيطرتها على مضيق هرمز، وذلك بفضل مجموعه من الجزر الصغيرة التي دججتها بالمعدات العسكرية عند مدخل المنفذ، طالما هددت طهران مرارا وتكرارا في الماضي بإغلاق المضيق من أجل الضغط بلا هوادة على الاقتصاد الغربي الذي  يعتمد على عبور النفط من الخليج الفارسي.

 

وبالتالي فان الخطوة التالية ستكون اشعال فتيل المواجهة بين طهران وواشنطن في الخليج الفارسي, حيث ستعمل هذه المواجهه على زعزعت هذه المنطقة الاقتصادية الحيوية بالنسبة للاقتصاد العالمي، كما ستخلق بلا شك أزمة اقتصادية وعسكرية كبرى.

 

ما هي القوى المتواجدة في الخليج؟

 

يخيم على جانبي منطقة الخليج الفارسي اشتباكين كبيرين من “الكتل”, فبالنسبة للشمال، فإن جمهوريه إيران الإسلاميه، إدراكا منها للمصالح الاستراتيجية للمضيق ولقدرته علي إزعاج القطاعات الاقتصادية الرئيسية في العالم, عززت بحزم لتأمين سواحلها والجزر التي تشكل جزءا من مجالها البحري, وعليه فإن العديد من نقاط انطلاق صواريخ أرض-جو موجودة في منطقة الخليج الفارسي، يوفر لها تغطية شبه كاملة لمضادات الطائرات.

 

 

 

تتمركز العديد من القوات البحرية في الممرات البحرية الإستراتيجية لمضيق هرمز، ولاسيما بالقرب من مدينه بندر عباس التي تعد مركز لمقر البحرية الإيرانيه والتي تقع بشكلٍ مباشر قبالة المضيق, كما تكمل انشاء العديد من القواعد الجوية المنتشرة على طول ساحل الخليج الفارسي والواقعة على مقربة من العدو العراقي السابق كما هو مخطط له من قبل نظام الملا.

 

 

 

وإلى الجنوب الذي تتمركز فيه بشكلٍ هائل محطات النفط، عملت الولايات المتحدة الأمريكية مسبقاً على وضع قوات كبيرة في الكويت و قطر و الإمارات, حيث عملت على نطاق واسع كداعم للعمليات الأمريكية في العراق في العام 2003,  ثم في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف ايضاً بتنظيم داعش, بالإضافة إلى الأسطول الأمريكي الخامس المتمركز في المنامة والذي يمثل قوة عسكرية ضاربة كبرى في جميع أنحاء المنطقة.

 

يعتمد السعوديون والإماراتيون الحلفاء الأوفياء للولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ كبير على القوات الأمريكية من تلقاء أنفسهم لثني إيران عن أي عمل عدائي ضدهم.

 

  1. هل تلوح المواجهة في الأفق بالفعل؟

 

تلعب إيران والولايات المتحدة لعبتهم الكلاسيكية المتمثلة في الخداع، حيث كما ذكر أعلاه، يختبر كل بطل حدود خصمه.

 

هناك أيضا احتمال كبير بأن حملة الاضطرابات التي بدأت في ليله 20-21 يونيو، والتي تم إلغائها في اللحظة الاخيرة، كانت مجرد “خدعة” من الرئيس ترامب المعروف باستخدامه التلاعب الدبلوماسي الواسع النطاق, حيث كان مولعً بتقنيات التفاوض في ذلك الوقت عندما عاش حياة ناجحة كرجل اعمال.

 

ولذلك فمن الغير المرجح حدوث مواجهات, إذ لا يملك الطرفان الرئيسيان الكثير ليخسروه في مثل هذا الصراع، لذلك يمكن أن يكون مؤقتاً, فهي في الوقت الحاضر مواقف وإجراءات في المقام الأول دون وجود أي أهمية عسكريه حقيقية.

 

ومع ذلك، فان هذا الصراع مقلق جدا لأنه يمكن أن ينجرف بسرعة إلى مستوى مواجهة مسلحه حقيقية,  خاصة وأن الرئيس ترامب لطالما ميز نفسه منذ دخوله البيت الابيض بقراراته التي اشعلت الساحة أو بتحركاته التي تشبه لعبة “البوكر” التي لا تزال أرباحها معلقة.

 

ونتيجة لذلك، فان المجتمع الدولي يراقب عن كثب وبشكلٍ خاص الوضع الحاصل في المنطقة, ويشعر بقلق متزايد إزاء وقوع حوادث أمنية.

الجزء الاول :

الصراع في اليمن.. صراع بالوكالة بين طهران والرياض1

 

 

 

الجزء الثاني :

الصراع في اليمن: صراع بالوكالة بين طهران والرياض2