تتعرض المرأة اليمنية لأنواع شتى من العنف الاسري والاجتماعي ابرزها العنف الجسدي واللفظي من خلال تربية  سلوكية صارمة وجادة  لابد من التقيد بها حتى دون فهما واطلاق الصفات السلبية لها مولدا لديها  شعور  بالنقص في تقديرها لذاتها او العدوانية كما تؤدي الحماية الزائدة لها في نقص المهارات الاجتماعية ومهارات التحكم بالشخصية تاركة  ضغوط نفسية كبيرة مثل الخوف و القلق  والاكتئاب والوسواس او الانتحار  .

  وتفاقمت خلال السنوات الاخيرة عدد المريضات نفسيا خاصة مع شن “دول تحالف العدوان “بقيادة المملكة السعودية غارات جوية على اليمن في الـ 26 مارس 2015 وانقطاع الرواتب المصدر الوحيد  لدخل الكثير من الاسر اليمنية ، كما زاد العدوان على البلاد من تردي وضع الصحة النفسية حيث يوجد نقص وضعف كبير في البنى التحتية لخدمات الصحة النفسية ، اضافة الى ان  الوصمة المجتمعية”مجنونة” واسعة الانتشار حيال موضوع الصحة النفسية يزيد الأمر سوءا.

وتعيش المرأة اليمنية في زمن الضغوط النفسية التي الصغير يعاني منها مثل الكبير والمرأة مثل الرجل لتتحمل المرأة النصيب الاكبر من العقبات والمآسي فهي من تعول الأسرة فى  ظل موت الزوج او اغترابه او الانفصال بالإضافة إلى تحمل الكثير من الإجهاد الشخصي والعلاقات الشخصية الاجتماعية التي تسبب الإرهاق الشديد للمرأة اضف الى ذلك  الحقوق المغيبة والمنتهكة كالميراث والتعليم ومعانة يومية شتى ، هذه المعاناة والضغوط تسببت في حدوث خلل في توازن النفس البشرية للكثير من النساء .

 

صحيفة “السياسية” الالكترونية طرقت دور المصحات النفسية  لمعرفة أسباب تزايد الحالات النفسية لدى النساء والضغوطات التي يتعرضن لها نتيجة العنف والقهر الاجتماعي  .

  • انعدام حقوق الابناء تجاة وحشية الاباء :

هنا تحكي لنا الاخصائية النفسية ليلى المطري ان فتاة تبلغ منتصف العقد الثاني من عمرها جاءت الى المصحة وهي في حالة نفسية شديدة السوء لا تستطيع الكلام  وكانت قبل مجيئها الى المصحة لا تستطيع حتى الاكل كان عن طريق فتحة من الرقبة لاختفاء جميع اوردتها ،السبب ان والدها كان معه مبلغ من المال واختفى  فلم يجد احد يتهمه بالسرقة ويسلط عليه عقابه سوى اخويها الاصغر منها سنا اخذ ايديهما وقطع اصابعهما وعندما دخلت ورات اصابع اخوتها مبتورة على الارض تعرضت لصدمة نفسية شديدة افقدتها النطق. 

  • ثقافة العنف هي السائدة :

بدوره يقول مدير مستشفى الامل للأمراض النفسية والعصبية  بصنعاء الدكتور سامي الشرعبي  ان الثقافة تجاه المراة اليمنية من قبل الرجل هي ثقافة العنف  منذ نشأتها وتعامله اللا مسؤول معها ..مضيفا ان المرأة تواجه الفاظا قاسية وعنفية تفقدها الثقة بنفسها وشعورها بالنقص لدرجة يخيل اليها انها  ربما تستحق هذا لأنها كذلك  ؛ بالرغم من ان الاسلام قد كفل لها كافة حقوقها المعنوية والمادية  .

واوضح الدكتور سامي الشرعبي  ان اغلب المريضات نفسيا اللواتي  لحقهن العنف او التهميش منذ الصغر يمتلكن مشاعر اكثر حساسية وصدق  من الاخرين لذا عند تعرضهن في المستقبل لضغوطات الحياة والظروف السيئة المحيطة بهن يكون اكثر قابليه من غيرهن للدخول في المرض النفسي ولا يستطعن تقبل الواقع مما يعكس اثار سلبية على سلوكياتهن النفسية .

واكد ان انعدام العقاب هو احد الاسباب في تزايد العنف ضد المرأة الذي يوصلها الى الخروج عن السيطرة على تصرفاتها واحداث خلل في توزان النفس البشرية ..مشيرا الى  ان المراة تواجه كذلك التغيرات الاجتماعية والبيولوجية التي تحدث لها وتجعلها تعيش مجموعة من التحولات البدنية والنفسية والاجتماعية ولا يتفهما الرجل وكل هذه التغيرات السلبية في حياة المريضة تخرجها عن طورها الطبيعي  وتجعلها تتصرف تصرفات غربية .

 

  • ماهية المرض النفسي :

يعتقد الكثير من الناس ان المرض النفسي هو “الجنون” بالتأكيد لا فالأمراض النفسية والعصبية التي يمكن ان تسبب للمريض تصرفات غريبة تطول جد ا اشهرها الفصام وهو نوع من انواع الذهان العقلي .

 

و يعرف الدكتور سامي الشرعبي  المرض النفسي بانه مَجموعةٌ من الأحداث والمَواقف والأفكار التي تدفع الشخص إلى الشعور بالتوتّر والقلق، وإحساس الفرد بأنّ الواجبات المطلوبة منه تفوق قُدراته وإمكانيّاته، فيخرُج بسبب ذلك من حالة الاستقرار والتوازن النفسي إلى حالةٍ من الاضطراب والذي يظهر عليه على شكلِ همٍّ وحُزنٍ وألم.

وتابع قائلا ان المرض النفسي منتشر على مستوى العالم واكثر من ثلث سكان العالم يتعرضوا للاصابة بواحد من الامراض النفسية في مراحل حياتهم .

  • لا للخجل من زيارة العيادات النفسية :

تمرض النفس وتضعف كما يمرض الجسد وتحتاج النفس المريضة الى علاج واودية وتوجيهات نفسية كما يحتاج الجسد الى علاج وادوية وبما اننا نعيش في عصر المادة والسرعة والقلق كلها امور تسبب ضغوطات كبيرة على انفسنا البعض منا يستطيع تحملها ومجاراة العصر والبعض الاخر يحتاج الى طبيب نفسي يرشده الى الحل الصحيح لحالته .

لذا يرى الدكتور الشرعبي انه عند ملاحظة الاختلاف المفاجئ  في السلوك كالضيق والحزن الشديد والانعزال عن الاخرين واضطراب النوم وفقدان الشهية والتدهور الدراسي وعدم الرغبة في العمل وعدم ممارسة العلاقات الاجتماعية المعتادة على الاسرة او الشخص مراجعة الاطباء والاخصاء النفسانيين  حتى لا تتضاعف الحالة النفسية والدخول في مشاكل صحية كبيرة                                                                                                                                                                                                                                                    

  *   الازمة الاقتصادية :

وتوضح الاخصائية ليلى ان  عدد المريضات نفسيا تضاعف خلال السنوات الاخيرة والسبب يعود الى الازمة الاقتصادية المتمثلة في انقطاع الرواتب وهذا ما حصل مع  زهرة  البالغة من العمر 20 عاما التي اجبرتها والدتها على الزواج ثلاث مرات برجال في سن والدها لانها لا تستطيع تحمل اعباء نفقتها هي واخواتها بعد وفاة والدهن  الا ان الزوج الاخير كان مقارب لعمرها ولكنه معدم الى حد عدم استطاعته توفير اللقمة في اليوم الواحد وكانت النتيجة دخولها في حالة نفسية حرجة ومحاولتها الانتحار اكثر من مرة خاصة وان العلاجات النفسية التي كانت تحصل عليها فاتحة للشهية وهي لا تجد ما تسد به جوعها اضافة الى اسعار الادوية المرتفعة بشكل جنوني  .

  وتشير الاخصائية الى ان  تلك الظروف وانعدام المال وارتفاع اسعار الادوية تجبر الكثير من المرضى النفسيين على اخراج ذويهم من المصحات النفسية وهذا ما حصل مع حليمة  التى جاء بها اهلها الى المصحة النفسية لكن تكاليف الرقود داخل المصحة كانت باهظة اضافة الى الغلاء الفاحش في سعر الادوية اضطر اهلها الى شراء ما استطاعوا ورجعوا بها الى حبسها داخل المنزل ومعالجتها عن طريق شيوخ القران والمشعوذين .

 

  • حقوق منتهكة و حكم بالجنون:

تقول زينب البالغة من العمر خمسين عاما انها  اصيبت بحالة نفسية شديدة وهي في سن الثلاثين من عمرها بعد انفصالها عن زوجها واخذه اولادها   وعندما توفي والدها اردت ان تشعر بشئ من حقوقها المادية (الميراث ) لكن اخاها وقف في طريقها مانعا اياها مما تطمح لينتهي بها الامر الى مرض نفسي  وبدلا من علاجها تم حبسها في احدى غرف المنزل لكن الامر انتهى بها الى دخول المصحة النفسية وقد تدهورت صحتها بشكل كبير جدا .

وتضيف ابنتها  بان السبب في عدم تعافي والدتها الى الان كان عدم الرعاية منذ البداية واخذها الى طبيب مختص وانما تم الذهاب بها الى المشعوذين وشيوخ القران  وعدم وجود دار مستقلة بها ونظرة من حولها الدونية ومنادتها احيانا “بالمجنونة “او عندما تذهب الى المجالس النسوية وتريد الكلام الكل يصمت وينظر اليها وكأنها ستقول شيئا مضحك او مخيف مما يزعجها ويحطم نفسيتها .

من جهتها تؤكد الاخصائية المشرفة في دار رعاية الامراض النفسية جميلة قائد ان المريضة عندما تعزل في البيت خاصة في القرى بحجة الخوف عليها من المجتمع الخارجي اوالخجل من نظرة المجتمع وان البيت هو الامان هم لايدركون ان هذا الامان هو الخطر بعينة لان حبسها وعدم علاجها ربما يخرجها من المرض النفسي ويتطور الى عقلي وجنون محتم  .

وتوضح جميلة  انه من  خلال معرفتها وقربها من المريضات ان ابتعاد الاسرة عن المريضة  ونظرة الخوف والرحمة في عيون الاخرين واحساسها بان كل يوم قوتها تنهار ولا توجد يد تنقذها او جهة وطنية تحميها بأخذ حقوقها المسلوبة او توفير الغذاء المناسب والمسكن الصحي الهادئ يضاعف من حالتها النفسية و هذه الاشياء تجعل المريضة تعيش في دوامة اليأس وتكون اكثر ضعف وانزلاق واستستلام للضياع وللمرض .

  • عدم تمكين المرأة اقتصاديا:

اما رجاء التي تز وجت في سن مبكر وتسكن في بيوت الايجار وانجبت سبعة من الاولاد مابين ذكور واناث لم يكن معها شهادة او أي حرفة يدوية تساندها على  الظروف الاقتصادية المرعبة عندما توفى زوجها ترك لها حمل ثقيل فوق طاقتها اوصلها الى حد الجنون لتسكن بهدوء من هموم و ضجيج الاولاد وغلاء المعيشة في احدى دور المصحة النفسية   .

 

  • الثقافة النفسية الغائبة وقلة الوعي الصحي :

   وبحسب مجموعة من الاخصائييين النفسيين الذين التقت بهم السياسية  اكدوا   ان عامة الناس ليس لديهم معرفة جيدة بالامراض النفسية لذلك يجب على الإنسان ألا يتحدّث إلا عن علم ومعرفة ، فبعض النصائح قد تقود إلى التهلكة ممن يجهلون الأمراض أياَ كانت الأمراض بجميع أنواعها ، خاصةً إذا كان غير متخصص فيما يتحدّث عنه.

واضاف الاخصائيون انه  في مجتمعنا توجد وصمة عار على من يعاني من المرض النفسي او من يدخل المصحة النفسية مجنون مع انه مرض مثل أي مرض عضوي سكر قلب ضغط يحتاج علاج وتستقر الامور كما ان  نتيجة الجهل والخرافات وقلة الوعي  تترك المريضة فترة طويلة بدون علاج حتى تتدهور حالتها ومن ثم يذهب بها  الى الشيخ  او المشعوذ ثم الضرب  والحرق في هذه الاثناء تكون نفسيتها ساءت جدا والحالة اصبحت مستعصية ثم تتطور الحالة من مرض نفسي الى عقلي وياخذ العلاج بعدها مراحل طويلة بدلا مما كانت اقصر واسهل بكثير  .

واشاروا الى انه  ما زال متوارثاً بين عامة الناس بأن مصدر المرض النفسي المسّ بالجن أو السحر أو الحسد وان الظاهرة لم تعد تمس شريحة واحدة من المجتمع بل طالت جميع طبقات المجتمع الفقيرة والغنية والمثقفة نتيجة غياب الثقيف الاعلامي والتوعية بالصحة النفسية، فأصبح مقصدهم الشيوخ والدجالين الذين اشتهروا بعلاج أثر السحر والحسد، وإذا لم تفلح تلك المحاولات قاموا بوضع أقرب الناس إليهم في غرفة، حتى لا يشعروا بالخزي من الصورة المؤلمة لهم أمام زوارهم وأقاربهم.

واوضح الاخصائيون انه  لابد من ان نسمع المريضات ونرفع من معنوياتهن والمساندة ببعض الكلمات الصادقة وبطوله بال واهتمام واحترام للشخصية المتعبة  سيتم اعطى جرعة دوائية كبيرة في نفسية المريضة مؤكدين على اهمية خروج المرضى الى امكان مفتوحة على مد البصر ومحاولة ابعادهم عن الانزواء والتفكير في الهواجس المرضية .

  • خدمات الصحة النفسية مفقودة داخل البلاد :

ووفقاً لأحدث استراتیجیة صحة وطنیة في الیمن والعائدة إلى عام 2010، تشير إلى قلة المؤسسات الصحية وإلى رداءة خدماتها وتدني جودتها و ليس ھناك سوى 44 طبيباً نفسیاً من بین أطباء البلاد المتخصصین والبالغ عددھم 8,500 طبيبا. ووجود 19 منشأة للصحة النفسية في البلاد، بما في ذلك المستشفيات والعيادات والمنشآت الصحية ضمن السجون.و يبدو ذلك متعارضاً مع بيانات منظمة الصحة .

كما أفاد خبراء الصحة النفسية في اليمن عن زيادة بنسبة ما يقارب 40 في المئة في معدلات الانتحار بصنعاء بين عامي 2014 و2015، وزيادة في أعداد المرضى النفسيين. وكشفت واحدة من الدراسات العلمية القليلة عن الصحة النفسية أن 79 في المئة من الأطفال يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، 70 في المئة يعانون من مشاكل في النوم 63 في المئة من الأطفال لديهم تخوف وشكوك حيال المستقبل.

كما أشارت الإحصاءات التي أوردها أطلس الصحة النفسیة لمنظمة الصحة العالمیة لعام 2011 إلی وجود أربع مستشفیات للصحة النفسیة في الیمن، و0.21 طبيب نفسي و0.17 أخصائي نفسي لكل 100,000 يمني

وفي ظل استمرار العنف وغياب تعاليم الشرعية الاسلامية وقوانين حقوق الانسان وانعدام العقاب والظروف الاقتصادية التي تزداد سوء يوما بعد يوم نتيجة العدوان على البلاد وانقطاع الرواتب وغياب التوعية الصحية بالمرض النفسي  عبر وسائل الاعلام اوالمناهج الدراسية او الندوات الصحية سيبقى االقهر والظلم الاجتماعي في تزايد مخلفا اعدادا كبيرة من المريضات نفسيا مكبلات بالقيود وحبيسات الجدران ومثقلت بالهموم والالم  .