بقلم:  أبريل لونغلي  وبيتر ساليسبري

(مجلة: فورين افيرز الامريكية- ترجمة: انيسة معيض-سبأ)

قبل أقل من شهرين، هددت الحرب الأهلية في اليمن بإغراق الشرق الأوسط الكبير, حيث أدى الوضع الذي يعد مأزقاً بين الحوثيين المدعومين من إيران والقوات المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية إلى مقتل ما يقدر بنحو 100.000 شخص وتسبب في انبثاق ما اعتبرته الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

إذا لم يكن ذلك سيئ بما فيه الكفاية، فإن الانقسام الذي حدث في أغسطس داخل التحالف الهش ضد الحوثي كان بمثابة نقوس الخطر بإشعال حرب أهلية داخل حرب أهلية, فيما آثار الهجوم الذي تحمل الحوثيون مسؤوليته على منشآت أرامكو السعودية النفطية في سبتمبر، تهديدات بالانتقام من إيران من قبل الرياض وواشنطن على حد سواء داخل حدود اليمن أو في المنطقة برمتها، الأمر الذي انذر  بان المزيد من سفك الدماء أمر لا مفر منه.

ومع ذلك, في تحول غير متوقع للأحداث، يبدو أن عمليات التفجير هذه قد فتحت الطريق امام السلام.

في ٥ من نوفمبر, وقّع الخصوم الرئيسيون في الكتلة المناهضة للحوثيين – حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها من المجتمع الدولي والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي اتفاق لتقاسم السلطة يُعرف باسم اتفاقية الرياض.

توسطت المملكة العربية السعودية في هذا الاتفاق واتخذت خطوات متوازية لتخفيف حدة الصراع عبر الحدود مع الحوثيين, وتوسيع الحوار مع الحوثيين والحد من الغارات الجوية على اليمن.

من جانبهم، أوقف الحوثيون جميع الهجمات على السعودية, وتفيد التقارير أنه يجري الآن مناقشة مبادرة أوسع للحد من التصعيد من كلا الجانبين الحوثيين والسعوديين.

إذا نجح كلا من اتفاق الرياض والمبادرة السعودية الحوثية, وتمكن وسطاء الأمم المتحدة من حبكهما في مسار تفاوضي واحد، يمكن التوصل إلى تسوية سياسية وطنية.

يعد هذا  امر كبير إذا حصل, حيث سيتطلب الأمر الوصول إلى تسوية سياسية وطنية في اليمن للقضاء على التدخل العسكري بقيادة السعودية وسد الفجوات الهائلة بين العديد من الجماعات المسلحة والفصائل السياسية في البلد, كما من الممكن أن تتوقف المفاوضات الحالية أو تنهار كليا, وإذا حدث ذلك, فمن المرجح أن يتعمق الصراع ويتوسع.

ستعمل كل من الرياض وطهران على تكثيف نضالهما من أجل بسط النفوذ، وسوف ينغمس اليمن أكثر فأكثر في خضم فوضى الدول الصغيرة المتحاربة, وكل منها تتبع داعمها الدولي.

بداية للسلام

دخل اليمن في خضم  الحرب الأهلية في عام 2014, عندما سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، مما أجبر حكومة هادي على التراجع إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية ثم إلى الرياض في العام التالي.

ترى السعودية الحوثيين كمشروع إيراني، حيث قادت تدخلا عسكريا إقليميا لردهم, لكن الصراع سرعان ما اتخذ أبعادا محلية وإقليمية معقدة.

كان تحالف القوات اليمنية الذي تدعمه السعودية في الحشد متحدا من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية, كان أعضاؤه يتصرفون بشكل مستقل, وغالبا ما يكونون متعارضين فيما بينهم.

كما تسبب تقسيم المهام بين الرياض وأبو ظبي في حدوث المشكلات.

ففي أوائل عام 2016, اتفقت الحكومتان الخليجيتان على أن تعمل الرياض مع حلفائها في شمال اليمن لمحاربة الحوثيين, في حين أن ابو ظبي التي ساعدت سابقا المقاتلين اليمنيين على طرد الحوثيين من عدن ستنشى قوات جديدة في الجنوب.

لكن على الرغم من أن الإماراتيين أيدوا اسم هادي, إلا أنهم لا يريدون العمل مع حزب الإصلاح، وهو حزب إسلامي سني له صلات بجماعة الإخوان المسلمين وجزء من ائتلاف هادي.

وبدلاً من ذلك, دعم الإماراتيون المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي جماعة انفصالية جنوبية مناهضة للإخوان، والتي ترى أن أعضاء الإصلاح هم “غزاة” شماليون أقرب إلى الحوثيين.

تحطمت قشرة الوحدة الهشة تماما في أغسطس، عندما وجه المجلس الانتقالي الجنوبي اسلحته إلى القوات المدعومة من السعودية الموالية لهادي، مما أجبرهم على الخروج من عدن.

قدم ذلك الانقسام الفائدة العسكرية للحوثيين وهدد بإراقة المزيد من الدماء, ولكن حريصاً على منع انهيار الجبهة المناهضة للحوثيين، استدعت الرياض المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي للتوصل الى اتفاق  لتقاسم السلطة.

إذا كان اتفاق الرياض قائما، فلن يمنع ذلك من الاقتتال الداخلي بين الفصائل المناهضة للحوثيين, بل سيخلق حكومة يمنية أكثر تمثيلا يمكن للسعوديين الخوض في مباحثات بشكل أفضل نحو اتفاق سلام وطني.

الطريق طويل

لا يزال هناك الكثير من الأخطاء, يمكن ان تعيد دائرة العنف ويتم اطلاق الصواريخ الحوثية على السعودية أو تتجدد الغارات الجوية السعودية التي تقتل المدنيين اليمنيين, وهناك أيضا خطر من أن تستخدم الرياض الاتفاقية بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي لا لمواصلة محادثات السلام ولكن لتكثيف المجهود الحربي ضد الحوثيين.

هذا هو التخوف لدى العديد من الدبلوماسيين والمحللين, ورغبة بعض الجماعات المناهضة للحوثيين والمسؤولين في حكومة هادي, كما أن الاتفاق التي توسطت فيه السعودية بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي غير متين.

لا يزال العداء بين الفصيلين عالياً، ويعبر المسئولون من كلا المجموعتين عن تشاؤمهم من متانة الاتفاقية.

لقد تأخر حفل التوقيع مرارا وتكرارا، وذلك نتيجة الاقتتال الذي دار بين الحكومة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي.

يريد المجلس الانتقالي جنوبا مستقلا وسيحاول استخدام الاتفاقية مع حكومة هادي لتعزيز موقعها المحلي وتعزيز مكانتها الدولية.

من جانبها، ستعمل حكومة هادي على تدمير طموحات المجلس الانتقالي الجنوبي السياسية وإضعاف قدراتها العسكرية.

الاتفاق مصاغ بشكل غامض ويقدم إرشادات قليلة حول التنفيذ, كما إنه يحدد جدولا زمنيا غير واقعي لدمج القوات العسكرية والأمنية المتنافسة ويترك دونما إجابة, كيف يفترض أن يحدث هذا الاندماج أوجه قصور تعكس الاتفاقات الفاشلة السابقة بين الفصائل في اليمن.

لقد أعلن كلاً من الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي الاتفاق بصفتها فوزا لصالحهما, ولم يظهر أياً منهما رغبة حقيقية في التنازل عن السلطة  للآخر.

هناك أيضا مخاوف بشأن قدرة الرياض على إدارة تنفيذ الاتفاقية, ونظراً لدعم الرياض المستمر لهادي, يمكن للبعض في معسكر الرئيس أن يستنتج أن لهم اليد الطولى, وإذا كانت حكومة هادي تشعر بالثقة المفرطة, فقد تثير تجدد القتال مع المجلس الانتقالي الجنوبي.

حتى لو كانت اتفاقية المشاركة في السلطة الجنوبية قائمة, واستمرت عملية التصعيد السعودية الحوثية في المسار المعهود، فإن الطريق إلى سلام دائم في اليمن سيكون طويلا وغير مباشر.

حوالي خمس سنوات من القتال اجتاحت أجزاء كبيرة من النظام القديم وغيرت المشهد السياسي في البلد.

في بداية الحرب, كان كل من الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي من القوى الناشئة, والآن هم اقطاب النفوذ المهيمنة، الأولى تسيطر على شمال غرب البلد والأخرى عدن ومحيطها المباشر, والمركز الثالث للسلطة ممثلة بحكومة هادي وحلفاؤها, بما في ذلك حزب الإصلاح والمعارضين للمجلس الانتقالي الجنوبي من الجنوب الذين يسيطرون على المقاطعات الواقعة إلى الشرق من الحوثيين ومناطق المجلس الانتقالي الجنوبي.

سوف يعتمد الكثير على قدرة المملكة العربية السعودية وعزمها على إدارة دفتي المفاوضات المختلفتين، وفي نهاية المطاف إقناع حكومة هادي بضرورة التماس السلام مع الحوثيين, لكن حتى في الوقت الذي يسهل فيه السعوديون المفاوضات فيما بين اليمنيين، فإن اليمنيين هم الذين سيقررون النتيجة.

يمكن القول أن تسوية النزاعات الدائرة في اليمن في متناول اليد الآن مما كانت عليه في أي وقت خلال السنوات الخمس الماضية، لكن هذا لا يعني أن السلام بات قاب قوسين أو أدنى.

بعض القضايا التي لم يتم حلها في البلد – مثل مسألة ما إذا كان الجنوب سينفصل – قد تؤدي إلى مزيد من العنف بغض النظر عما يحققه الدبلوماسيون, ومع ذلك, هناك الآن فرصة نادرة للبدء في إنهاء الحرب الآن لا  ينبغي تفويتها.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.