على الرغم من الاختلافات يمكن لموسكو والرياض الاتفاق
بقلم: أليكسي كليبنيكوف
(موقع”ميدل أس أي-middle east eye” البريطاني النسخة الفرنسية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)
أسهمت الحالة المتقلبة في المنطقة إسهاما كبيرا في زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها خطوة ضرورية وهامة.
استغرق الأمر من روسيا والسعودية عامين – منذ الزيارة التاريخية للملك سلمان بن عبد العزيز للعاصمة الروسية موسكو في العام 2017- وذلك للتحضير للزيارة الرئيس فلاديمير بوتين للرياض والتي اختتمت بتوقيع اتفاقيات سياسية وتجارية هامة.
ومن نواحي عديدة أسهمت الحالة المتقلبة في منطقة الشرق الأوسط إلى حد كبير في جعل زيارة بوتين ايضاً إلى دولة الأمارات العربية المتحدة تبدو مطلوبة وهامة للغاية.
يشار إلى الهجمات الأخيرة على منشآت النفط السعودية التي تسببت في تقلبات في سوق النفط، إلى جانب التوترات المتنامية باستمرار بين الرياض وطهران، والتوغل العسكري التركي الجديد في سوريا، أحداث ذات أهمية كبيرة، ليس فقط بالنسبة لروسيا والسعودية، ولكن أيضاً لمنطقة ككل.
كما يمكن أن يكون للقرارات والاتفاقيات التي تتخذها كلاً من موسكو والرياض تأثير قوي علي الاستقرار الإقليمي, كما انه يوفر لروسيا كذلك فرصه جيده لتقديم نفسها كمفاوض هام.
وبشكل عام, ركزت المحادثات على مجالين رئيسيين هما: التعاون الاقتصادي والقضايا الاقليمية.
صفقات تجارية
رافق الرئيس بوتين وفد كبير من رجال الاعمال الذين أكدوا علي تحسن العلاقات الاقتصادية بين موسكو والرياض, حيث أسفرت زيارة بوتين عن توقيع أكثر من 30 اتفاقية في المجال الاقتصادي, حيث بلغت قيمتها ما يقرب من ملياري دولار, تغطي العديد من المجالات, بما في ذلك صناعة السكك الحديدية والطاقة والبتروكيماويات والزراعة والاستثمارات المشتركة والإنتاج الطبي وأكثر من ذلك.
وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في الآونة الأخيرة فقط تجاوز مليار دولار، إلا أنه ينطوي على إمكانيات كبيرة للنمو.
قال كيريل دميريف، المدير الإداري لصندوق الثروة السيادية الروسي (RDIF)، لقناة سي أن بي سي, أن الاستثمارات الروسية المتنامية في السعودية وتجارتها ينبغي أن ينظر اليها على أنها وسيله “لبناء الجسور” بدلا من المشاركة في المنافسة الاستراتيجية التي يحذر الكثيرون في الغرب منها بانتظام.
تعد الصناديق السيادية لموسكو والرياض – صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة وصندوق الاستثمارات الخاصة السعودي بمثابة المحرك الرئيسي للتعاون الاقتصادي بين البلدين, فمنذ العام 2017 استثمرت الرياض بالفعل حوالي 2.5 مليار دولار – من أصل 10 مليار دولار الموعودة في الاقتصاد الروسي، حيث يتطلع كلاهما إلى زيادة الاستثمارات المشتركة خلال السنوات المقبلة.
يشير العمل الذي قام به البلدين منذ زيارة العاهل السعودي لروسيا إلى أن كلا الطرفين زاد من تعاونهما الاقتصادي في الفترة الفاصلة, ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لأن إمكانات العلاقات الثنائية أكبر بكثير من حالتها الحالية.
تعقيدات إقليمية
ومع ذلك، ما زالت الرياض وموسكو والسعودية متباعدتين بشان العديد من القضايا الاقليمية الهامة، مثل إيران وسوريا واليمن في حين وافق كلا البلدين على خلافاتهما، فقد طورتا التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
إن توقيع صفقة أوبك النفطية بين روسيا والسعودية فيما يخص تمديد فترة خفض إنتاج النفط من ستة إلى تسعة أشهر مع أوبك، هي أفضل مثال على هذا النهج, فهذا الاتفاق الذي روجت له الرياض وموسكو وحد الدولتين وظهر أنه على الرغم من وجود خلافات بينهما، إلا أنهما يمكنهما العمل معاً لاحترام المصالح المتبادلة.
طلبت الرياض من موسكو المساعدة في التحقيق لتحديد الجناة في أعقاب الهجوم على المنشآت النفطية السعودية, وقال بوتين لوسائل الإعلام :”قلت نعم، نحن مستعدون لتبادل أي شيء قد يكون ضروريا لإجراء تحقيق شامل”.
على الرغم من أن الرياض صرحت بأنها لا تحتاج إلى ميسرون للمساعدة في تحسين علاقاتها مع إيران، إلا أنها منفتحة للحوار مع كل من يريد الأمن في منطقة الخليج, ومن المؤكد أن موسكو التي لها علاقات جيدة مع طهران ستحاول تجنب الانحياز.
وعلى جبهة مبيعات الأسلحة، فإن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال حوالي 3 آلاف جندي ومعدات إضافية إلى السعودية يمكن أن يقلل بشكل فعال الفرص المتاحة لروسيا لبيع معداتها العسكرية إلى المملكة.
ومع ذلك، فان هذا لا يستبعد إمكانية الشراء, وذلك بعد نجاح موسكو في تطوير واختبار أنظمه الحرب الكترونية المضادة للطائرة بدون طيار في سوريا، مما يزيد من فرص بيعها للسعوديين.
أضاف إلى ذلك، أعلنت وكالة روسوبورون اكسبورت “الوكالة الروسية للصادرات العسكرية” أنها ستقدم أحدث أنظمة مراقبة الطائرات بدون طيار الروسية وغيرها من الأنظمة المضادة للطائرات في معرض دبي للطيران في نوفمبر والتي ستكون بمثابة فرصة جيدة لتسويق أسلحتها.
ديناميكيات سوريا المتغيرة
من المفارقات أن العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا دفعت السوريين إلى توحيد صفوفهم, فبفضل الوساطة السورية, توصل الأكراد السوريون إلى اتفاق مع الحكومة السورية في قاعدة حميم, حيث نص الاتفاق على نشر وحدات من الجيش العربي السوري على طول الحدود التركية السورية, يتعلق الاتفاق فقط بالجزء العسكري من الصراع مع تجميد أي حل سياسي بين الأكراد ودمشق لوقت لاحق.
تحاول تركيا من خلال قيادة عملية عسكرية في شمال شرق سوريا تحسين موقعها على طاولة المفاوضات التي أضعفتها الحالة التي لم تحل في إدلب.
هذا التطور مهم أيضاً بالنسبة للسعوديين، لأنه ليس فقط إيران حاضرة وبقوة في المشهد السوري، بل وفي تركيا كذلك, فهذه الديناميكية يمكن أن تغير موقف الرياض من سوريا وتجعلها أكثر انفتاحاً على الاعتراف التدريجي بالحكومة السورية.
اتخذت الإمارات والبحرين خطوات لاستعادة علاقاتهما مع دمشق، وذلك من خلال المشاركة في معرض دمشق الدولي السنوي على الرغم من إخبارهما من الولايات المتحدة بعدم القيام ذلك, بيد انهم برروا قراراتهم بالحاجة إلى موازنة النفوذ الإيراني والتركي المتزايد في سوريا.
يبدو انه بمساعده روسيا، يمكن للرياض أن تواصل سياستها لإعادة الانخراط مع دمشق, حيث ستلعب روسيا دورا هاما كوسيط.
*أليكسي كليبنيكوف: خبير في شؤون منطقة الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي, حاصل على درجة الماجستير في السياسة العامة العالمية ودراسات الشرق الأوسط. عمل في الفترة بين عامي 2012-2014 زميل في كلية هوبير همفري للشؤون العامة بجامعة مينيسوتا, كما عمل ايضاً كزميل باحث في مدرسة هيوبرت همفري للشؤون العامة في جامعة مينيسوتا في العام 2013.
الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع ميدل أس أي.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.