بقلم: ماجي مايكل

(وكالة “اسوشيتد برس ” الأمريكية ترجمة: انيسة معيض-سبأ)

 

رأس العارة, محافظة لحج – ناضلت زهرة في المياه الزرقاء لخليج عدن  ممسكة بأيدي زملائها المهاجرين للوصول إلى اليابسة, مئات من الرجال والنساء والمراهقين نزلوا من قارب, بعد أن صارعوا الموت والأمواج، حيث  بدء عليهم الإرهاق الشديد عند شواطئ اليمن.

شاهدت زهرة البالغة من العمر 20 عاماً رجالاً مسلحين ببنادق في انتظارهم على الشاطئ, حينها, تملكها الرعب, حيث كانت قد سمعت قصص من المهاجرين عن الوحوش المتاجرين بالبشر, تبادر إلى ذهن زهرة , ماذا سيفعلون بنا؟

تحملت زهرة و 300 شخص من الأفارقة صعوبة ست ساعات من السفر, حيث كانوا  محشورين في قارب تهريب خشبي لعبور المضيق الضيق بين البحر الأحمر والخليج, وعندما وصلوا، قام المهربون بتحميلهم في شاحنات وقادوهم إلى مجمعات سكنية ايله للسقوط في الصحراء خارج القرية الساحلية.

تقول زهرة أنه تم سجنها لمدة شهر في كوخ متآكل, عانت فيه من الحر والجوع الشديد، ففي أثناء تواجدها في قبضة المهربين, أمرهم السجانون بالاتصال بأهلهم في كل يوم لمطالبة بمبلغ 2000 دولار, مقابل الإفراج عنهم, بيد أن أسرة زهرة معدمة ولا تملك المال.

بدلاً من ذلك، قام خاطفوها باغتصابها كما قاموا باغتصاب النساء العشرين الأخريات اللاتي كنا معها لعدة أسابيع: “لقد قاموا باغتصاب كل واحدة من الفتيات كل ليلة.

بتعذيبه المنهجي، يعتبر رأس العارة جحيماً من نوع خاص يتخلل رحلة شاقة يبلغ طولها 900 ميل (1400 كيلو متر) من القرن الإفريقي إلى المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط.

المهاجرون يغادرون وطنهم منتعلين في أقدامهم خشب الصندل ويحلمون بالفرار من الفقر, يرتحلون عبر الجبال والصحاري والعواصف الرملية في درجات حرارة تصل إلى 113 درجة مئوية، يعيشون على فتات الخبز والماء المالح من الآبار القديمة.

في جيبوتي، تنحدر طوابير طويلة من المهاجرين في مجموعات من المنحدرات الجبلية إلى السهل الساحلي الصخري، حيث يرى الكثير منهم  البحر لأول مرة ثم يصعدون على القوارب, يجد البعض طريقهم بأمان عبر اليمن الذي مزقته الحرب إلى السعودية، ومن ثم يتم القبض عليهم ورميهم على الجانب الاخر من الحدود والذين يحالفهم الحظ في المملكة لكسب الرزق والعمل كخدم وعمال قليلون جداً, ولكن آخرين تقطعت بهم السبل في اليمن الذي اصبح الوضع فيه مروعاً.

بدأ الاتحاد الأوروبي في دفع حرس السواحل والمليشيات الليبية لوقف المهاجرين، وإغلاق الطريق الرئيسي الآخر من شرق إفريقيا عبر ليبيا وعبر البحر المتوسط إلى أوروبا.

انخفض عدد المعابر من 370.000 الف معبر في العام 2016 إلى ما يزيد قليلاً عن 56.000 الف معبر حتى الآن هذا العام.

وفي الوقت نفسه، وصل أكثر من 150 ألف مهاجر إلى اليمن في العام 2018, بزيادة قدرها 50 ٪ عن العام الماضي, وذلك وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة, وهذا العام، وصل أكثر من 107 الف شخص بحلول نهاية سبتمبر إلى جانب عشرات الآلاف ربما لم تتمكن المنظمة من تعقبهم أو الذين دفنوا في قبور على طول الممر.

السياسات الأوروبية قد تجعل طريق اليمن أكثر خطورة, حيث قامت إثيوبيا، بتمويل من الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات صارمة ضد مهربي المهاجرين وتشديد الرقابة على الحدود.

دفعت الاعتقالات الوسطاء المعروفين بالمهاجرين للجوء إلى المتاجرين غير الموثوق بهم، واتخاذ مسارات أكثر خطورة مما زاد من خطر الانتهاكات, حيث ينتهي المطاف بالعديد من هؤلاء المهاجرين في مدينة رأس العارة الساحلية.

يتم سجن جميع المهاجرين تقريباً في مقار مخفية, بينما تتعرض عائلاتهم للابتزاز مقابل المال، حيث يتعرضون للتعذيب يومياً ويتراوح التعذيب ما بين الضرب والاغتصاب وأيضا حرمانهم من الطعام، وصرخاتهم  لا تكاد  تسمع نتيجة لضجيج المولدات أو السيارات أو انها ببساطة تضيع في الصحراء.

قال أحد العاملين في المجال الإنساني الذي يراقب تدفق المهاجرين: “من بين كل ألف شخص، يختفي 800 شخص في السجون”.

إن المتاجرين الذين يقومون بالتعذيب هم مزيج من اليمنيين والإثيوبيين وعرقيات مختلفة, لذلك لا يمكن للضحايا التماس الولاءات القبلية، فهم يتعرضون للتعذيب على أيدي رجال من مجموعات عرقية أخرى: إذا كان المهاجرون من منطقة أوروميا الاثيوبية، فإن الذين يقومون بالتعذيب هم من منطقة تيغرينيا, وهكذا.

وفي الوقت نفسه، ولأن المجموعات الثلاث الرئيسية لا تتحدث لغات بعضها البعض، يحتاج المهربون اليمنيون إلى مترجمين لنقل أوامر للمهاجرين ومراقبة محادثاتهم الهاتفية مع عائلاتهم.

تحدثت وكالة أسوشيتد برس مع أكثر من عشرين إثيوبياً نجوا من التعذيب في رأس العارة, أبلغ عن مقتلهم تقريباً، كما توفي رجل بسبب الجوع بعد ساعات من مقابلة أسوشيتد برس له.

يتم تجاهل السجن والتعذيب إلى حد كبير من قبل السلطات اليمنية, ومن جانبها, شاهدت وكالة اسوشيتد برس شاحنات مليئة بالمهاجرين يمرون عبر نقاط التفتيش العسكرية دون عوائق أثناء ذهابهم من الشواطئ لتفريغ حمولتهم البشرية في كل مجمع صحراوي والمعروف باللغة العربية باسم “حوش”.

قال محمد سعيد، ضابط سابق في حرس السواحل الذي يدير الآن محطة وقود في وسط المدينة: “إن المتاجرين يتحركون بحرية في الأماكن العامة ويقدمون رشاوى عند نقاط التفتيش”.

من رأس العارة، يبعد حوالي 50 ميلا في أي اتجاه إلى المدينة المجاورة, يعيش حوالي 8000 عائلة في مجمع من البيوت الحجرية المتآكلة والمكونة من طابق واحد بمحاذاة الطرق الترابية مع وجود فندق واحد ومطعمين, كما يعد سوق السمك هو مركز النشاط  اليومي في السوق.

يستفيد كل السكان تقريباً من التجارة البشرية, إذ يقوم البعض بتأجير الأراضي للمتاجرين بالبشر عن طريق جعلها مقار احتجاز أو العمل كحراس أو سائقين أو مترجمين, بالنسبة للآخرين، فإن المهربين الذين يمتلكون سعة من المال يعتبرون سوقاً مربحاً نظراً لأنهم ينفقون المال في شراء الطعام أو تعبئة مركباتهم بالوقود أو بيعهم أوراق القات المنشطة إلى حد ما والتي يمضغها اليمنيون والإثيوبيون يومياً.

يمكن للسكان المحليين معرفة أسماء المهربين, واحد منهم يمني الجنسية اسمه محمد العسيلي يدير أكثر من 20 حوش, ويشتهر بقيادة سيارة الدفع الرباعي من طراز نيسان والتي يقودها داخل المدينة, كما ينتمي البعض الآخر إلى واحدة من أكبر القبائل في جنوب اليمن، حيث البعض منهم يشتهر بقيامة بأعمال غير مشروعة, يطلق عليهم اليمنيون أسم “قطاع طرق” فهؤلاء ليس لديهم ولاءات سياسية لأي طرف من الأطراف المتحاربة.

يتحدث العديد من المُتاجِرين بصراحة عن أنشطتهم، لكنهم ينكرون أنهم يقومون بالتعذيب ويلومون الآخرين على فعل ذلك.

لقد استخف المهرب اليمني علي هواش والذي كان يعمل مزارعاً وانخرط في أعمال تهريب البشر قبل عام, من قدر المهربين الذين يفترسون المهاجرين الفقراء ويعذبونهم ويحتجزوهم كرهائن حتى يدفع الأقرباء فدية, حيث قال: “اعتقدت أننا بحاجة إلى أن يكون لدينا طريقة مختلفة، سأساعدك على الذهاب إلى السعودية، ويتوجب عليك أن تدفع فقط اجرة العبور والنقل, إنه أتفاق”.

تدفق المهاجرين إلى الشاطئ لا ينتهي, حيث شهدت اسوشييتد برس في يوم واحد فقط في 24 يوليو من هذا العام وصول اسطولاً مكوناً من سبعة زوارق تتجه إلى سواحل رأس العارة، واحداً تلو الأخر، بدءاً من الساعة 3 صباحاً، إذ يحمل كل قارب من هذه القوارب أكثر من 100 شخص.

تقافز المهاجرون من القوارب إلى المياه ذات اللون الفيروزي, وانهارت قوى احد الشباب على الشاطئ بعد أن تورمت قدميه, فيما مشت امرأة على شيء حاد في الماء مما ادى إلى سقوطها وهي تصرخ من الألم, بينما البعض الآخر يقوم بغسل ملابسهم في الأمواج للتخلص من القيء والبول والبراز نتيجة الرحلة القاسية.

يتم صف المهاجرين وتحميلهم على متن شاحنات, وهم يمسكون بالقضبان الحديدية للشاحنة أثناء السير بهم على الطريق السريع, حيث تقوم الشاحنة بتفريغ مجموعة من المهاجرين في كل مجمع، مثل حافلة مدرسية تنزل الطلاب.

من وقت لآخر, يهرب الإثيوبيون من سجونهم أو يتم اطلاق سراحهم ويخرجون من الصحراء إلى المدينة.

إيمان إدريس، فتاة تبلغ من العمر 27 عاماً محتجزة هي وزوجها منذ ثمانية أشهر على أيدي مهرب إثيوبي, تتذكر الضرب الوحشي الذي تعرضوا له، والتي تركت ندبة على كتفها.

يتلقى المهرب 700 دولار مقابل اخذها إلى المملكة العربية السعودية، لكنه لم يسمح لها بالرحيل، لأنه “أردني” الجنسية.

سعيد، صاحب محطة وقود، كان مرعوباً من علامات التعذيب التي شاهدها، لذا فقد جعل محطته والمسجد المجاور ملجأ للمهاجرين, لكن السكان المحليين يقولون إن سعيد أيضاً يستفيد من الاتجار، وذلك عن طريق بيع الوقود لقوارب وشاحنات المهربين, وهذا يعني أن المهربين يحتاجون إليه ويتركونه دون غيره.

في يوم زار فيه فريق اسوشييتد برس، وصل العديد من الشبان الذين خرجوا للتو من المجمع مباشرة إلى محطة الوقود, تظهر عليهم أثار جروح عميقة في أذرعهم جراء الحبال التي كانوا مربوطين بها, وقال أحد الذين أصيبوا بكدمات جراء الضرب بأسلاك معدنية أن النساء المسجونات معه تعرضن للاغتصاب وإن ثلاثة رجال قد ماتوا.

شخص آخر، يدعى إبراهيم حسان، ارتجف وهو يعرض كيف تم ربطه على كرة، وذراعيه خلف ظهره، وركبتيه مقيدتان باتجاه صدره, يقول ابراهيم البالغ من العمر 24 عاماً إنه ظل مقيداً هكذا  لمدة 11 يوماً وتعرض للضرب بشكل متكرر, وقال أن من كان يقوم بضربه كان شخص من إثيوبياً ولكنه ينتمي إلى جماعة عرقية منافسة “تيغراي” بينما هو من أورومو.

قال حسان إنه تم أطلاق سراحه بعد أن ذهب والده يستدين من كل واحد في المدينة التي يقطن بها لاقتراض الأموال وجمع مبلغ 2600 دولار المبلغ الذي طلبه المهربون, كما قال حسان وهو يجهش بالبكاء: “عائلتي فقيرة للغاية ووالدي مزارع ولديه خمسة أشقاء”.

الجوع حتى الموت هو عقاب آخر يستخدمه المتجرين لتهديد ضحاياهم, وفي مستشفى رأس العارة، جلس أربعة رجال كأنهم هياكل عظمية حية على الأرض، يقتاتون على الأرز من وعاء بأصابعهم الرقيقة, تبرز عظامهم من ظهورهم، كما برزت أضلاع القفص الصدري بشكل واضح, فهم ولا يتمتعون بأي سمنة قد تظهر على أجسادهم حيث كانوا يجلسون على قطعة قماش مطوية لأنه كان من مؤلماً للغاية الجلوس على الارض مباشرة.

قالوا إنهم سُجنوا على أيدي مهربين لعدة أشهر، حيث كان يتم اعطائهم الطعام مرة واحدة في اليوم وهو عبارة عن قطع من الخبز ورشفة من الماء, قال أحدهم، يدعى عبده ياسين البالغ من العمر 23 عاماً، إنه وافق على أن يدفع للمهربين في إثيوبيا حوالي 600 دولار للرحلة عبر اليمن إلى الحدود السعودية, لكن عندما وصل إلى رأس العارة، تم إحضاره إلى وكر خاص بالمهربين يضم 71 شخصاً آخر وطلب المهربون 1600 دولار.

امتلأت عيناه بالدموع وهو يصف كيف تم احتُجز لمدة خمسة أشهر, حيث كان يتعرض للضرب باستمرار في أماكن مختلفة من جسده, وأظهر علامات الجلد على ظهره، والندبات على ساقيه حيث ضغطوا الصلب الساخن في جلده, وقال إن إصبعه التوى جراء ضربه بصخرة, وفي أحد الأيام، ربطوا ساقيه وعلقوه رأساً على عقب “مثل خروف مذبوح” بيد أنه قال أن الأسوأ كان الجوع, فبسبب الجوع، لا تقدر ركبتيه على حمل جسده, كما لم يغير ملابسة منذ ستة أشهر ولم يغتسل”.

بالقرب من الرجال الأربعة، وضع رجل هزيل آخر على سرير، معدته مقعرة وعيناه مفتوحتان ولكن لا يرى بهما, قامت الممرضات بإعطائه الاسعافات الاولية وبعض المحاليل لكنه توفي بعد عدة ساعات.

العذاب الذي يترك الشبان والفتيات محطمين جسديا وعقليا كذلك يتركهم عالقين, حيث قالت زهرة إنها سافرت إلى اليمن لأنها أرادت تغيير حياتها.

لقد جاءت من أسرة مفككة, فقد كانت طفلة عندما انفصل والدها عن والدتها, ومن ثم اختفت والدتها، وتزوج والدها بأخرى.

توقفت زهرة عن الذهاب إلى المدرسة بعد الصف الثالث, حيث عملت لسنوات في جيبوتي كخادمة، فقد كانت ترسل معظم ما تجنيه من المال إلى أختها الصغرى في إثيوبيا, لم تكن زهرة قادرة على توفير أي مال، فقررت أن تجرب حظها في مكان آخر.

تحدثت زهرة  بصوت هادئ وهي تصف العذاب الذي عانت منه في ذلك الوكر, حيث قالت:”لم أستطع النوم طوال هذه الأيام ، فقد كنت أعاني من الصداع”.

تم حبسها هي وغيرها من النساء في ثلاث غرف، ينمن على الأرض الترابية، تخنقهن  حرارة الصيف, كنا يتضورن جوعاً باستمرار, وكانت زهرة تعاني من الطفح الجلدي والإسهال والقيء.

حاولت إحدى المجموعات الفرار عندما سُمح لهن بالغسل في بئر في الخارج, بيد أن المُتاجِرون استخدموا الكلاب لإلقاء القبض عليهن وإعادتهن وضربهن.

قالت زهرة: “لا يمكنك أن تتخيل كنا نسمع الصراخ, بعد ذلك، لم يتمكن من الغسل إلا تحت تهديد السلاح.

أخيراً، وفي وقت مبكر من صباح أحد الأيام، فتح خاطفوهم الأبواب وأخبروا زهرة وبعض النساء الأخريات بالمغادرة, فعلى ما يبدو، فقد يأس المهربون من الحصول على أي أموال منهن وأرادوا إفساح المجال للآخرين.

تعيش زهرة الآن في منطقة البساتين، وهي منطقة  فقيرة على مشارف مدينة عدن، حيث تتقاسم غرفة مع ثلاث نساء أخريات تعرضن للتعذيب, من بينهن فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً تتلاعب بيديها وتتجنب النظر فقد اصابها حالة نفسية, حيث قالت إنها تعرضت للاغتصاب مرات عديدة يصعب عليها عدها.

كانت المرة الأولى خلال عبور القارب من جيبوتي، حيث كانت مكتظة بأكثر من 150 مهاجراً آخر, وبسبب الخوف من المهربين، لم يجرؤ أحد على التفوه بكلمة, فقد قام القبطان وطاقمه باغتصابها مع النساء التسع الأخريات اللواتي كن على متن القارب خلال الرحلة التي استغرقت ثماني ساعات.

وعندما سألت الفتاة عما حدث معها, أجابت أنها عاجزة عن الكلام عما حدث معها في القارب”, وعند نزولها، تم نقلها هي والآخرين إلى وكر آخر، حيث تعرضت للاغتصاب مرة أخرى كل يوم لمدة أسبوعين, وقالت: “لقد عشنا 15 يوماً من الألم”.

تقول زهرة إنها تعيش حالة من القلق من احتمال الحمل، في حين قالت الفتاة الأخرى إنها تعاني من آلام شديدة في بطنها, فهي تعتقد أن هذه الآلام نتيجة لعمليات الاغتصاب المتكررة التي تعرضت لها، ومما زاد الامر سوأً, فكلاهما لا تملكان المال من أجل الذهاب إلى الطبيب,  أو مواصلة رحلاتهما.

اردفت الفتاة حديثها: “ليس لدي سوى الملابس التي ارتديها, لقد فقدت كل شيء، بما في ذلك الصورة الوحيدة لعائلتي”, والآن، فهي خائفة جداً من مغادرة غرفتها في البساتين, حيث قالت: “إذا خرجنا من هنا، فإننا لا نعرف ماذا سيحل بنا”.

البساتين مليئة بالمهاجرين الذين يعيشون في أكواخ قذرة, فالبعض يعمل في محاولة لكسب ما يكفي لمواصلة رحلتهم, والبعض الاخر مثل عبد الرحمن طه، يعانون دون أمل.

كان عبد الرحمن، ابن مزارع فقير جداً، قد سمع قصصاً عن إثيوبيين عائدين من المملكة العربية السعودية لديهم أموال كافية لشراء سيارة أو بناء منزل, لذلك تسلل مغادراً منزله وبدأ رحلة السفر.

عندما وصل إلى جيبوتي، اتصل بالمنزل وطلب 400 دولار لإعطاء المهربين لترتيب رحلته عبر اليمن, كان والده غاضبا لكنه باع الثور وبعض الماعز وأرسل له بالمال, وعندما وصل إلى رأس العارة، أخذه المهربون و50 مهاجراً آخرين إلى زنزانة احتجاز وجعلوهم يصطفون وطلبوا أرقام هواتف ذويهم.

لم يستطع عبد الرحمن أن يطلب من والده المزيد من المال، فأبلغهم أنه ليس لديه رقم هاتفه أو جواله, وخلال الأيام والأسابيع التي قضاها هناك، تعرض للضرب وترك دون طعام أو ماء, وذات ليلة، أعطاهم رقماً خاطئاً, حينها استشاط المهربون غضباً, فضربه احدهم وكان يمني سمين ذو لحية, ضربة على ساقه اليمنى بقضيب فولاذي, حينها أغمي عليه على الفور.

عندما فتح عينيه, فقد كان يفترش الارض ويلتحف السماء, حيث ألقى المتاجرين به وثلاثة مهاجرين آخرين في الصحراء, حاول عبد الرحمن أن يحرك الآخرين، ولكن دون جدوى, حيث أنهم قد فارقوا الحياة, ولحسن حظه, أخذه سائق عابر إلى المستشفى, وهناك، تم بتر ساقه.

واليوم, تقطعت السبل بحياة عبد الرحمن الذي يبلغ من العمر 17 عاماً, فقد توفي والده في حادث سير قبل بضعة أشهر، تاركاً خلفه ابنة وأربعة من الابناء أصغر سنا منه.

ذرف عبد الرحمن الدموع بغزارة, حين تذكر إحدى مكالماته الهاتفية، مع والده وهو يسأله: “لماذا غادرت؟, رد عليه “بدون عمل أو مال, الحياة لا تطاق”, ولا تزال كذلك.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.