بقلم: الدكتور أحمد علي أوغلو

(موقع “ميدل ايس مونيتور” الانجليزي- ترجمة: انيسة معيض- سبأ)

عندما بدأت العملية التركية الثالثة على الحدود الشمالية السورية في 9 أكتوبر, جاءت الإدانة “للغزو” التركي من جميع أنحاء العالم، وكذلك الدعوات لوقفها.

وفي اليوم التالي، طلبت خمس دول أعضاء في المجلس الأوروبي: فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا وبولندا, من تركيا في بيان مشترك إنهاء عملها العسكري الأحادي، بحجة أن العملية قد تؤدي إلى عودة تنظيم داعش إلى المنطقة.

ومن جانبها, اعترضت الولايات المتحدة وروسيا على البيان الذي فشل  تمريره في مجلس الأمن الدولي, على الرغم من أنهم فشلوا في تقديم حلول قابلة للتطبيق أزمة اللاجئين المستمرة، إلا أن معظم الدول الأوروبية كانت دائماً تنتقد تركيا التي تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ, ومن المثير للاهتمام أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت ومصر أعربت أيضاً عن معارضتها للعملية التركية, ووصفوها بأنها “غزو لأرض دولة عربية واعتداء على سيادتها.

وفي عام 2016, أكد وزير الخارجية السعودي آنذاك عادل الجبير أن “الرياض تدعم ما تفعله أنقرة في شمال سوريا, وأعتقد أن أهداف أنقرة والرياض في المنطقة هي ذات الاهداف تقريباً.

ومع ذلك، فقد أدان الجبير الآن التوغل التركي في شمال شرق سوريا وطالب بإنهاء العمليات العسكرية على الفور, ووفقاً للمسؤول السعودي فأن الهجوم التركي يعمق معاناة الشعب السوري.

من المعروف أن علاقات أنقرة المضطربة مع الرياض قد توترت أكثر بعد القتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر 2018.

كما تدهورت العلاقات التركية المصرية بالفعل بعد الموت المفاجئ لمحمد مرسي الذي يعتبر أول رئيس منتخب ديمقراطيا الذي توفي في يوليو الماضي أثر أزمة قلبية بعد انهياره في المحكمة بالقاهرة, حيث ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حادثة الوفاة بأنها جريمة قتل متعمد لأن ضباط الأمن المصريين تركوا مرسي على الأرض لأكثر من 30 دقيقة, وتعهد في وقت لاحق استكشاف جميع السبل الممكنة لفضح الجريمة.

ومن المفارقات أن هذه الدول العربية بذاتها التزمت الصمت إزاء انتهاكات إسرائيل في سوريا, ففي مارس، أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل الضوء الأخضر للاستيلاء على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.

لم تقم الجامعة العربية المحتضرة بأي رد فعل ملموس تجاه الاستيلاء على الأرض السورية المحتلة منذ عام 1981 ولا على النقل الاستفزازي للسفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.

وعلى الرغم من أن جامعة الدول العربية قد تحولت إلى متجر للتحدث يخرج الافكار المتكررة غير ذات معنى والروايات القديمة، إلا أنه لم يصدر أي تصريح ضد ما يسمى بالقوات الديمقراطية السورية وجناحها العسكري، ووحدات حماية الشعب (YPG) الذين استولوا على أكثر من ثلث سوريا.

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، ارتكبت هذه الجماعات الانفصالية ما يرقى إلى أن يعد جرائم حرب ضد العرب السوريين.

تهدف عملية نبع السلام التركية إلى منع هذه العناصر من بناء كيان يتمتع بالحكم الذاتي يهدد أمنه القومي, وتصنف أنقرة قوات سوريا الديمقراطية امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور.

فشلت قوات سوريا الديمقراطية مراراً وتكراراً في التنصل من حزب العمال الكردستاني، حيث أكد وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر “وجود روابط جوهرية” بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني, وبالتالي، إذا كانت الرياض وشركاؤها يشعرون بقلق عميق، كما يزعمون بشأن سلامة الأراضي السورية وسيادتها، فلا ينبغي لهم الانحياز إلى هذه الجماعة الإرهابية التي تهدف إلى إقامة دولة تتمتع بالحكم الذاتي عن طريق تقسيم سوريا.

خلال العام الماضي، أنفق السعوديون الكثير من المال – يقال إنه بلغ 100 مليون دولار – لإقناع ترامب بتمديد الوجود العسكري الأمريكي في سوريا, كما يقال ايضاً إن الرياض أنشأت مكاتب توظيف في الحسكة والقامشلي في شمال سوريا.

أعلن التحالف المناهض لداعش الذي تقوده الولايات المتحدة أنه يعمل مع حلفاء قوات سوريا الديمقراطية لإنشاء وتدريب قوة حدودية جديدة قوامها 30 ألف فرد في يناير 2018.

خصصت السعودية 200 دولار لكل مجند جديد منضم لقوات الحدود, وأفيد بعد ذلك أنه أرسل حمولة من المساعدات تقلها شاحنات إلى وحدات حماية الشعب.

في ظاهر الأمر، يروج السعوديون مثل الأمريكيين لقوات حماية الشعب باعتبارها القوة الفعالة الوحيدة التي يمكن أن تهزم داعش، لكنهم، من ناحية أخرى، مهتمون بشكل أساسي بموازنة القوة لكل من تركيا وإيران.

يقود احمد جربا وهو سوري مقرب من الرياض، الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري الذي كان التحالف الرئيسي لجماعات المعارضة في البلد آلاف المقاتلين المنتشرين بين دير الزور من الشرق والرقة في الشمال والحسكة في الركن الشمالي الشرقي لسوريا, ومن خلال مشاركته، عرض السعوديون إرسال قوات لحراسة المنطقة إلى جانب الولايات المتحدة وقوات حماية الشعب لمنع ظهور داعش, بيد أن هذا الاقتراح تم رفض بشدة من قبل المسؤولين الأتراك.

وهكذا، كانت عملية نبع السلام بمثابة ضربة كبيرة للجهود السعودية الرامية إلى كبح مشاركة تركيا في شمال سوريا والتي تهدف أساساً إلى طرد الجماعات الإرهابية وتسهيل إعادة اللاجئين السوريين إلى المنطقة الآمنة التي تنوي أنقرة إنشاؤها.

الموقف السعودي ضد تركيا في سوريا يتماشى بشكل رئيسي مع موقف إسرائيل, حيث أدانت الدولة الصهيونية “الغزو التركي” وأعربت عن تعاطفها مع وحدات حماية الشعب.

تعرف إسرائيل بدعمها العلني والثابت لحزب العمال الكردستاني الانفصالي المحظور ولوكيله في سوريا ولوحدات حماية الشعب, إذ يدعم إنشاء كردستان الكبرى كحليف محتمل ووسيلة للحد من نفوذ تركيا في المنطقة.

علاوة على ذلك، جاءت العملية التركية بعد أيام من حدوث اشارات تخبر بإمكانية عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية التي تم تعليق عضويتها في عام 2011, بعد أن سحقت قوات النظام الاحتجاجات السلمية في جميع أنحاء البلد.

أوحت المصافحة الودية الأخيرة بين أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية ووليد المعلم وزير الخارجية السوري في الأمم المتحدة بحدوث تقارب وشيك بين الجانبين, كما أعادت دولة الإمارات الحليف الوثيق للسعودية علاقاتها مع دمشق في ديسمبر من العام الماضي.

فشل التحالف الذي تقوده السعودية في حربه المستمرة في اليمن, حيث اودى هذا الصراع  بحياة عشرات الآلاف من اليمنيين الأبرياء ودمر البلد بأكمله, ويقول أردوغان على السعوديين وأصدقائهم “النظر في المرآة” قبل انتقاد العملية التركية.

الآراء المعبر عنها في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للموقع.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.