على الصعيد العسكري والسياسي والاستراتيجي لم يتمخض عن أهداف ومطامع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اليمن سوى سلسلة من الاخفاقات المدوية والكوارث المحققة.

بقلم: محمد محمود ولد محمدو

(صحيفة “لوتون” السويسرية الناطقة بالفرنسية, ترجمة: محمد السياري –سبأ)

كانت وفاة الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، في سبتمبر 1970 – وهو في سن 52 عاماً – بمثابة صدمة نفسية وجسدية بالنسبة للعديد من الدول العربية التي لم تكن تعافت بعد من صدمة الهزيمة في حربها ضد العدو الإسرائيلي والتي جرت أحداثها في يونيو 1967. ومن المسلم به جدلاً أن تلك النكسة قد تسببت بلا شك في تفتت القومية العربية وكذلك أساءت لصانعها الفعلي عبد الناصر، حتى أن هذا الأخير ظل مجرد شبح في عالم السياسة طوال السنوات الثلاث التي تلت تلك الهزيمة.

فضلاً عن ذلك هناك تحدٍ آخر في ذاكرة التأريخ كان يقف في طريق الرئيس المصري الراحل تمثل في الثورة التي قامت في اليمن ضد الحكم الامامي والتي شارك فيها منذ سبتمبر 1962؛ وقد سارع عبد الناصر آنذاك بنشر قواته في صنعاء لدعم الحركة القومية في الشمال؛ وعلى مدى عقد من الزمان كانت محاولته تلك في نشر القومية العربية وترسيخها في اليمن سبباً رئيساً في استنزاف مقدرات جيشه من عتاد وأرواح.

 

وعلى نحو مماثل قلباً وقالباً للمصير العسكري والسياسي الذي خلصت إليه مطامع الولايات المتحدة الأميركية في آسيا في نفس تلك الحقبة، كانت اليمن، بالرغم من اختلافها جغرافياً وثقافياً، تخبئ المصير الفيتنامي ذاته بالنسبة لمصر وعبد الناصر.

 

وفي الوقت الحاضر ها هي تخبئ المصير ذاته بالنسبة لبلد عربي آخر لا زال مفعماً بالحيوية ومندفعاً بحماسة المطامع في المنطقة على أمل أن يحقق ما لم يكن بمقدور أسلافه تحقيقه؛ وشيئاً فشيئاً بات بالإمكان رؤية ملامح ذلك المصير يحلق في سماء المملكة العربية السعودية وفي أفق ولي العهد، محمد بن سلمان.

 

في البدء شرع محمد بن سلمان عقب تعيينه وزيراً للدفاع ونائباً لولي عهد المملكة الوهابية بقرار ملكي مصدق عليه من قبل والده سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في التدخل العسكري في اليمن في 26 مارس 2015؛ وكانت الغاية الظاهرة من ذلك وضع حد للفوضى السائدة لدى الجارة اليمنية بعد خروج الرئيس علي عبد الله صالح من دائرة الحكم ليحل محله الحليف السعودي، عبد ربه منصور هادي، ومن ثم صعود الحركة الحوثية المنتمية للطائفة الزيدية الشيعية إلى سدة الحكم والاستيلاء على العاصمة صنعاء.

 

وعلى غرار الغزو الاميركي لكلٍ من دولة العراق ودولة أفغانستان وإلى جانب الدعم المقدم من قبل الحملات الإعلامية والبنتاغون، ها هو الغزو السعودي لليمن آنذاك يبصر النور ليحمل عنوان “عاصفة الحزم” – كامتداد لعملية “عاصفة الصحراء” التي قامت بتنفيذها الولايات المتحدة الأميركية في العام 1991 في إطار الرد على الغزو الذي شرعت العراق في تنفيذه على دولة الكويت؛ وتبعاً لذلك القرار سرعان ما اعلنت تسع دول عربية أخرى انضمامها إلى صفوف تلك العملية في محاولة منها للفوز بمكانها الخاص على الأراضي اليمنية. وبالرغم من أن أربع سنوات ونصف قد أنقضت منذ بدء انطلاق تلك العملية، ألا أنه لم يتم التوصل إلى تحقيق أياً من الأهداف المقررة سلفاً حتى اللحظة؛ وها هم مقاتلو اليمن في الشمال يقررون التوجه لاتخاذ موقف دفاعي؛ ولذلك فإنَّ الغارات اليمنية على الأراضي السعودية باتت تصبح أكثر من ذي قبل، كما أنّ تأثيرها على أرض الواقع لم يعد محدوداً بل وأصبح يطال العمق السعودي.

 

وعلى الصعيد العسكري والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي لم تتمخض أهداف ومطامع ولي العهد السعودي في اليمن سوى عن سلسلة من الاخفاقات المدوية والكوارث المحققة.

 

وفي اتجاه معاكس لذلك لم تعد جماعة الحوثي ذاك الطرف المغلوب على أمره بل غدت واحدة من أكثر القوى العسكرية رهبة بيد أنها تعاني من انعدام التكافؤ بينها وبين عدوها عدة وعتاداً؛ ولذلك فإنها باتت تشكل كابوساً حقيقياً أمام الجيش التقليدي السعودي الذي تم تدريبه وإعداده منذ زمن ليس بقريب من قبل الولايات المتحدة الأميركية وعلى أعلى المستويات؛ وتلك هي ذاتها النظرة التي تكونت لدى دولة الإمارات العربية المتحدة والتي بالرغم من كونها الحليف الأول للمملكة إلا انها بدأت تشهد مجموعة من الخلافات الحادة مع هذه الأخيرة منذ مطلع الصيف الماضي.

 

مما لا شك فيه أنَّ الحوثيين قد تمكنوا من تضييق دائرة عدم التكافؤ بينهم وبين عدوهم المعزز بترسانة عسكرية تفوق مثيلاتها في الدول الأوروبية من خلال سلسلة من الهجمات التي تقوم بتنفيذها طائرات الدرون ذاتية التحكم.

 

وفي 14 سبتمبر الماضي، قام الحوثيون بمفاجأة عدوهم السعودي من خلال استهداف مقر شركة النفط الرئيسة في البلد، أرامكو، بمنطقة بقيق الشرقية وذلك بواسطة سرب مكون من 18 طائرة درون يتم التحكم بها عن بعد؛ الأمر الذي تسبب في خفض الإنتاج المحلي للنفط في المملكة إلى ما يقارب النصف، فضلاً عن أن تلك الحادثة قد خلقت حالة من عدم الاستقرار في عددٍ من الاسواق الدولية والعالمية. وفي حادثة مماثلة كان الحوثيون قد أرسلوا مجموعة من الطائرات ذاتيه التحكم من الأراضي اليمنية لضرب منشأتي عفيف والدوادمي في الرياض في وقت سابق من مايو وأغسطس الماضيين.

 

من ناحية أخرى إذا كان محمد بن سلمان قد أستطاع منذ اللحظة التي تم تنصيبه فيها ولياً للعهد، في يونيو 2017، وحتى اللحظة ان يستمر في تنفيذ أفكاره الإجرامية على الأراضي اليمنية دون أية عوائق وبعيداً عن أية أمكانية للوقوع في شرك العقاب، فذلك مرده إلى عددٍ من الأسباب القوية التي تفوق سلطة القانون، ومن ذاك أنه يتلقى الحماية والدعم اللازمين من قبل الحليف المميز في الولايات المتحدة الأميركية؛ زد على ذلك أن المجتمع الدولي يفضل بكل جرأة ووقاحة أن يمارس سياسة المداراة وغض الطرف إزاء المآسي الإنسانية الحاصلة في اليمن والجرائم البشعة التي ترتكبها طائرات التحالف بحق الشعب والمدنيين.

 

وفي أبريل الماضي، قدرت دراسة أجراها البرنامج الإنمائي التابع لمنظمة الأمم المتحدة أنه في حال تم الاتفاق على وضع حد نهائي لذلك الصراع قبل نهاية العام 2019، فسوف يكون أجمالي من قضوا في هذا الصراع 233.000 شخص، بينهم 140000 طفل دون سن الخامسة والعديد من الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي لحقوق الإنسان، إلى جانب الخسائر المادية التي قدرت بـ 89 مليار دولار فضلاً عن كون هذا البلد يعد واحد من أفقر البلدان في العالم.

 

وفي هذا السياق جاء قرار الإدارة الأميركية، الذي أعلن في 10 أكتوبر الجاري والذي يتناول الإجراءات الخاصة بمحاكمة الرئيس الأمريكي على قراره بزيادة الدعم المقدم للرياض من خلال إرسال 3 آلاف جندي إضافي ونشر منظومة باتريوت المضاد للطائرات، ليحمل دلالة واضحة تؤكد بأن هذا الصراع سوف يستمر إلى ما بعد هذا العام.

 

في الأخير يمكننا القول بأن قوة ولي العهد السعودي لا تتجلى من خلال الصمود المريب الذي يتحلى به أما القانون والصحافة الغربية التي لم تألُ جهداً في ملاحقته على إثر تورطه في حادثة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، والتي وقعت في أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، كما انها لا تتجلى من خلال حملات الاعتقال التي وجه بتنفيذها في إطار النخبة السعودية في نوفمبر من العام 2017، أو حتى الصراع المرير القائم مع دول قطر والذي تسبب في انقسام مجلس التعاون الخليجي… ولكن من المحتمل أن يكون مصدر تلك القوة متمثلاً في جرأته على غزو أرض اليمن التي لطالما كانت مصدر هلاك العديد من الزعماء، ومع ذلك فهو لا يزال يقف على قدميه حتى اللحظة.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.