الموت وسفك الدماء والبؤس في اليمن
“رايثيون يعلن: الضرب بالإبداع!”.
بقلم: كاثي كيلي*
( مجلة “ذا بروجرسف “The Progressive- الامريكية- ترجمة: انيسة معيض- سبأ)
في معرض شرحه لزيارته لأكبر سوق للأسلحة في العالم، والذي أقيم في لندن في شهر أكتوبر ، يصف الصحفي آرون ميرات الشعار الذي تم وضعه فوق كشك رايثيون: “الغارات مع الإبداع”.
رايثيون تصنع قنابل بافواي الموجهة بالليزر – المنتجة في المصانع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التي تم العثور على شظاياها في حطام المدارس والمستشفيات والأسواق في جميع أنحاء اليمن.
أتساءل، كيف يمكن لمصنع الأسلحة التي تتسبب بمثل هذا الموت وسفك الدماء والبؤس أن يدعي الإبداع؟
وبالنظر في أسلحة رايثيون التي هدمت اليمن, فان شظايا أسلحة راثيون Raytheon وغيرها من الأسلحة التي تصنعها الولايات المتحدة وجدت في مواقع التفجير، حيث يقوم الناجون من المدنيين في اليمن بجمع أجزاء الجسم وقطع الملابس المتناثرة، والتي تعد ضرورية لجمع قوائم بأسماء القتلى.
وفي سبتمبر الماضي، ضربت المملكة العربية السعودية مركز احتجاز في محافظة ذمار الواقعة في المرتفعات الشمالية لليمن، بسبع غارات جوية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص وأدت الغارات إلى “سحق” المنطقة، وفقاً لبيثان مكيرنان، وتقارير صحيفة الجارديان:” استغرق الأمر خمسة أيام لإزالة جميع الجثث الممزقة والمتناثرة على الجدران جراء الانفجارات”.
بعد الهجوم، أجرى مكيرنان مقابلة مع مصطفى العدل، حارس أمن يبلغ من العمر 22 عاماً كان يعمل في الموقع. وكان شقيقه أحمد، وهو حارس أيضاً، من بين القتلى.
أشار عادل إلى بطانية يمكن رؤيتها في الطابق الثاني من المبنى الذي كان ينام فيه حرس السجن, وقال عادل “يمكنك رؤية بطانية أحمد الزرقاء هناك”.
“كان هناك 200 شخص، والآن لا يوجد سوى أشباح.”
قتلت السعودية ودول أخرى في التحالف الذي تقوده في اليمن عشرات الآلاف من الناس جراء القصف والحصار الذي فرضته، ودمرت البنية التحتية للبلد بالفعل، وجرفت اليمن إلى أن يكون على وشك المجاعة التي قد تقتل الملايين.
أشار الرئيس دونالد ترامب إلى دعم إضافي للسعودية في 11 أكتوبر عندما أعلن الجيش الأمريكي أنه سيرسل آلاف اضافية من الجنود إلى المملكة، وبذلك يرتفع عدد القوات الأمريكية هناك إلى 14000.
لكي يفهم الناس في الولايات المتحدة السبب الذي سيوحد اليمنيين معاً لمقاومة السعوديين، يتطلب الأمر وعياً عميقاً بكيفية قيام المؤسسات المالية، في محاولة للسيطرة على الموارد النفيسه، بدفع المزارعين والقرويين في جميع أنحاء اليمن إلى الديون واليأس.
يكتب عيسى بلومي عن هذا التاريخ القاسي في كتابه ، “تدمير اليمن: ما الذي تخبرنا به الفوضى في العالم العربي عن العالم”, الصادر عام 2018.
يشرح بلومي كيف أن المجتمع اليمني المستقل والبلد الزراعى إلى حد كبير، أصبح حقل التجارب لـ “مشاريع التنمية” لصندوق النقد الدولي والتي استندت إلى النظريات الاستعمارية المذهلة للتحديث، وسحق المؤسسات الشعبية، ووصلت إلى “طرق فعالة حثيثة في التطفل لنزع ثروة اليمن من أيدي شعبها.
على سبيل المثال، تم تشكيل جمعيات التنمية المحلية خلال السبعينيات لمساعدة الناس على تحديد المحاصيل التي سوف يزرعونها وكيف يمكنهم استخدام الأرباح, لكن “خبراء” الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قاموا بالضغط على هذه المجموعات لإنتاج “المحاصيل النقدية المخصصة للتصدير”.
بعد كل شيء، يكتب بلومي، مع النوع الصحيح من المحاصيل النقدية واستخدام التكنولوجيا الأمريكية لتوفير العمالة، والمبيدات الحشرية والأسمدة، لم يعد القرويون اليمنيون مطلوبين في الحقول الزراعية, وبدلاً من ذلك، يمكن أن يعملوا في المدن لدى المؤسسات الصناعية التي تنتج الملابس لسوق العالمية. . . أو مشاريع النفط والغاز التي تزدهر قريبا “.
يوثق كتاب بلومي الإبداع المستعصي بشدة الذي ظل اليمنيون يمضون فيه، طوال عقد من الزمان، حيث يدهش اليمنيون الغرب ويستكشفون ويواصلون البحث عن التدابير المضادة لمقاومة سيطرتهم الاستغلالية ويقعون في خطر الغضب المدمر للغرب.
وعنددما ذهب المزارعون الذين يئسوا من أجل العمل والحصول على المال في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، “أرسلوا باستمرار التحويلات المالية إلى الأسر التي وفرت الأموال واستثمرت في مشاريع محلية، باستخدام التحويلات المصرفية المحلية”.
شجع الأئمة وقادة القرى الناس على مقاومة مشاريع “التحديث الإمبريالي”، معرفاً ذلك بان الغرب يفضل الدور “الحديث” بالنسبة لهم وهو جعلهم كعبيد يعملون بالأجر دون أمل في تطوير مستقبل أفضل.
بدأت حركة “الحوثيين” عندما حاول حسين الحوثي، وهو معارض لنظام صالح الديكتاتوري (والحليف الغربي)، الدفاع عن حقوق المياه والأراضي للسكان المحليين في محافظة صعدة في شمال غرب اليمن.
وبعد مشاركتهم الحدود التي كانت غير محكمة وغير رسمية مع المملكة العربية السعودية، وجدوا أنفسهم في نزاعات مع دوريات الحدود السعودية, كما قاوموا مطالب “التكيف الهيكلي” من قبل صندوق النقد الدولي بخصخصة بعض من أفضل الأراضي الزراعية والمراعي في اليمن.
وعندما قدم الديكتاتور صالح تنازلات تعد جنائية للسعودية، استمر الحوثي وأتباعه في الاحتجاجات. نجحت كل مواجهة جديدة بأكثر من الآلاف من الناس، وفي نهاية المطاف توسعت الاحتجاجات خارج صعدة.
يستشهد بلومي بالعديد من الحالات التي نُهبت فيها الأصول الاقتصادية في اليمن، بموافقة صالح، من خلال “المصالح المالية العالمية الجيدة”.
في عام 2008, سعى عضو ثري للغاية من عائلة بن لادن إلى بناء جسر عبر مصب البحر الأحمر من اليمن إلى جيبوتي. يمكن للمشروع توليد مئات المليارات للمستثمرين، وتسريع عملية التحديث الاستغلالي؛ لكنه يتطلب أيضاً بناء سكك حديدية وطرق لا توجد فيها سوى قرى الآن, وسيكون الناس الذين يعيشون على طول ساحل البحر الأحمر على هذا الطريق.
منذ عام 2015, تركز القتال في هذه المنطقة التي تسمى تهامة, حيث أن السيطرة على الخط الساحلي ستسمح أيضاً بالاستيلاء المالي على مصائد الأسماك اليمنية التي يمكن أن تكون مربحة.
يقول بلومي أن الدخل السنوي بمليارات الدولارات على المحك، مشيراً إلى مفارقة أن الحرب التي تسبب الجوع تُشن جزئياً للسيطرة على الأصول الغذائية.
يقول تقرير حديث للأمم المتحدة أن اليمن الآن “في الطريق بشكل مؤكد ليصبح أفقر بلد في العالم”، حيث يعيش 79 % من السكان تحت خط الفقر منهم 65 % يعتبرون “فقراء للغاية”.
يقدر مشروع بيانات اليمن في مارس أن 600 من الهياكل المدنية تتعرض في المتوسط للتلف أو الدمار شهرياً في اليمن، معظمها بسبب الغارات الجوية.
يقول تقرير صادر عن مجلس اللاجئين النرويجي عام 2019: “أصبحت المواد الغذائية الأساسية الآن في المتوسط أعلى بنسبة 150 % مما كانت عليه قبل تصاعد الأزمة”.
ووفقاً للتقرير نفسه، لم يتم دفع رواتب المعلمين والعاملين الصحيين وموظفي الخدمة المدنية في الأجزاء الشمالية من البلد.
هنا في الولايات المتحدة، يشبه المعلقون الإخباريون الذين يناقشون قصة اتهام ترامب بالتطورات العاجلة “قنبلة تلو القنبلة”.
في اليمن، تُستخدم القنابل الحقيقية المصنوعة في الولايات المتحدة في قتل وتشويه المدنيين اليمنيين، بمن فيهم الأطفال كل يوم.
* تعمل كاثي كيلي على التنسيق مع “أصوات من أجل اللاعنف الإبداعي”
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.