لم يقتصر الأمر في اليمن على قيام جيش من الهياكل العظمية الجائعة بصد جحافل المرتزقة التي يتولى توجيهها نخبة من الضباط رفيعي المستوى، بل تجاوز ذلك ليصل إلى مرحلة تهدد وبشكل مباشر البنى الحيوية الرئيسة للمعتدين بل وتؤثر بشدة على اقتصادهم وحركة التجارة على أراضيهم؛ ومن غير المستبعد أن يغدو ذلك المستضعف قريباً هو من يسن القوانين ويفرض الشروط الخاصة بقبول استسلام أولئك الذين كانوا بالأمس صناع القرار وسادة الحرب.

بقلم: هيدي بلحسين

(صحيفة”ميديا بارت” الفرنسية, ترجمة: محمد السياري, سبأ)

منذ بضع سنوات تنبأ المؤلف والكاتب الكبير، جنيفييف تابويس، بأن التحالف العسكري السعودي سوف يلطخ سمعته بالعار والهزيمة على الأراضي اليمنية. وها هو اليوم يلقى ذلك المصير المحتوم على يد جيش من الهياكل العظمية الجائعة؛ حيث لم يقتصر الامر على صد جحافل من المرتزقة والقتلة التي يتم توجيهها من قبل ثلة من الضباط الأثرياء، بل تجاوز تلك المرحلة ليصل إلى حد التهديد المباشر للبنى التحتية الحيوية في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي أثر وبشكل مباشر على الأسواق العالمية كما هي الحال في لندن ونيويورك. بل وأضحى من الوارد أن تغدو تلك الجنود الضعيفة في القريب العاجل الطرف الذي يضع الشروط الخاصة لقبول استسلام القوات السعودية التي كانت بالأمس تتظاهر بأنها تدعوهم إليه وتفرض البنود الخاصة بالاتفاق.

–         أستيريكس الحوثي!*

في الحقيقة لا بد من التأكيد هنا بأن الإشارة إلى رواية “أستيريكس” ليست مجرد استعارة مكنية لرسم صورة كاريكاتورية تعبر عن مدى أتساع الفجوة بين أطراف الصراع؛ بل هي في واقع الأمر تجسيد حقيقي لانعدام معيار تكافؤ القوى بين الحوثيين وقوات التحالف: ففي إحدى الجانبين نجد المقاومة الحوثية التي يصل قوامها إلى مائة ألف مقاتل، وكان هؤلاء هم من تمكنوا من احتلال العاصمة صنعاء قبل أن تتوحد كلمة معظم قبائل الشمال والجنوب باستثناء محافظة حضرموت التي كان يسيطر عليها آنذاك تنظيم القاعدة؛ أما على الجانب الآخر فتوجد قوات التحالف التابعة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والمعززة بأفواج من المرتزقة، وهم جميعاً مدربون ومجهزون على أعلى مستوى من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة في أوروبا؛ ولا نغفل هنا العتاد الحربي الذي تحوز عليه قوات التحالف والمتمثل في المئات من الطائرات المقاتلة وآلاف الدبابات والمدرعات والمدفعيات، فضلاً عن القوة الصاروخية البرية والجوية التي تفوق بكل المقاييس تلك الموجودة في فرنسا.

وعلى مدى 42 شهراً كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يبذل كل ما في وسعه محاولاً الدفع بخصمه الحوثي نحو حافة الانهيار والاستسلام, حيث تم بموافقته تنفيذ 16 ألف غارة جوية وفقاً للمعلومات المقدمة من قبل أجهزة الاستخبارات العسكرية، أي أن حزمة من القنابل كانت تلقى على الأراضي اليمنية كل ساعتين إلى جانب سلسلة من الهجمات المدفعية والضربات الصاروخية المكثفة…

ولتوضيح الصورة بإيجاز يمكننا القول بأن حصيلة ما ترتب على ذلك كان مئات الآلاف من المدنيين الذين قتلوا أو شوهوا وكذلك تشريد الملايين من المدنيين الذي يعانون من انعدام الظروف الصحية والغذائية اللازمة لاستمرار الحياة. وبالرغم من قلة من توقعوا استمرار المقاومة الحوثية وصمودها حتى النهاية، إلا أن احداً لم يتصور أن أولئك المحاربين الصغار الذين يلفون حول أجسادهم قطعاً ملونة من الأقمشة قد يتمكنون من قلب موازين الصراع وترجيح الكفة بما يصب في مصلحتهم.

وعلى نحو مماثل لسلوك حزب الله في لبنان والذي لا تنتهي تهكماته وسخريته وإهانته للكيان الصهيوني الغاصب، فإن الحوثيين على رأس الهرم في اليمن يتحدون السعودية ويسيئون إلى سمعتها باستمرار. ومن خلال استراتيجية المقاومة المسلحة تمكنت الحركة الحوثية من إلحاق الهزيمة بالقوات النظامية المعززة عسكرياً ولوجستياً. ومع أن هذا النوع من المواجهات غير النظامية ليس بالأمر الجديد، إلا أن أثره في العمق السعودي خلق بعداً جديداً ونمطاً آخر للرد العسكري غير المباشر.

-ثورة التسلح:

مما لا شك فيه أن المعدات العسكرية باهظة الثمن التي نجدها في المعارض الدولية للأسلحة قد أصبحت عتيقة الطراز؛ ويعود السبب في ذلك إلى الأسلحة السيبرانية والأسلحة ذات التحكم عن بعد التي باتت أكثر تأثيراً وأشد رهبة من سابقاتها كما هو الحال بالنسبة للدبابات والفرقاطات والمدمرات وحتى حاملات الطائرات.

زد على ذلك أنها اليوم تستهدف وبشكل مباشر البنى التحتية الاستراتيجية والحيوية وتضع جميع أنظمة الدفاع المعروفة في حالة من الشلل التام والتوقف عن العمل. ويعد الهجوم الأخير الذي نفذته جماعة الحوثي والذي أدى إلى توقف إنتاج النفط في السعودية مثال حي وحديث ودليل دامغ على صحة تلك الفكرة. ومن المعلوم للجميع أن النفط السعودي قبل أن يتم تصديره لا بد وأن يمر بعدة مراحل ليتم تصفيته من الشوائب العالقة به وذلك عبر مستوعبات ضخمة مخصصة لتلك العملية. وحين تم تفجير عدداً من تلك المستوعبات بمنطقة “بقيق” في 14 سبتمبر الماضي كان نتاج ذلك أن القطاع المسؤول عن ربع الإنتاج السعودي من النفط أصيب بشلل تام وسيظل كذلك لعدة شهور قادمة ما لم تكن عدة سنوات، ومرد ذلك أن قطع الغيار المطلوبة لهذا النوع من المنشآت غير متوفرة على الأطلاق. وتلك في حقيقة الأمر ضربة قوية والموجعة للغاية لشركة أرامكو السعودية التي كانت تستعد لإطلاق عرض الخصخصة؛ ومن المستبعد جملة وتفصيل أن يرغب أحد بعد هذه الحادثة في شراء الأعمال التجارية المستهدفة؛ زد على ذلك أنها شكلت نذير شؤم ووضعت نقطة سوداء في ملف عبد العزيز بن سلمان، نجل الملك وشقيق ولي العهد، الذي تم تعيينه مؤخراً وزيراً للطاقة.

من المؤكد أن ذلك الهجوم الذي نفذ بأيد يمنية يُعد لغز غامض وسر مجهول الهوية. إذ أنه من غير المنطقي أن تعجز الجهات المسؤولة عن التحقيق في القضية عن تحديد المنطقة التي تم منها إطلاق المقذوفات المستخدمة في الحادثة!  وبالرغم من امتلاكها لرادارات “أواكس” الحديثة لكشف الطائرات والأقمار الصناعية المساحة للمنطقة الجغرافية فضلاً عن طائرات الدرون المخصصة للتحليق على ارتفاعات شاهقة وغير ذلك من وسائل المراقبة والانذار المبكر المتطورة والتي من المفترض أن تكون قادرة على تحديد أبسط الأجسام المتحركة على الأرض، لم تتمكن وزارة الدفاع السعودية من رؤية ذلك قادماً.

ومما لا شك فيه أن تأكيد استخدام المقذوفات غير المرئية بعيدة المدى سوف يزيح الستار عن ثورة غير مسبوقة في عالم الأسلحة الصغيرة، كون ذلك سوف يمنح صاحبها تفوقاً حاسماً وأسبقية غير معهودة على جميع الأصعدة.

ما هي الدولة التي قامت بصناعة وتطوير مثل تلك المقذوفات غير المرئية؟!.. هذا هو السؤال الذي خلق حالة من الاستنفار لدى جميع الدول العسكرية الكبرى والمتقدمة في العالم. الأمر الذي أفضى بالعديد من “الخبراء” الى البحث بهستيرية عن تفسيرات وتصورات منطقية للكيفية التي تم من خلالها تنفيذ تلك العملية، في محاولة منهم لكشف الستار عن ذلك الغموض الذي بات يؤرق العديد من الجهات المهتمة بالأمر؛ ومن هذا المنطلق ذهب العديد منهم إلى أسناد تلك العملية لسرب مكون من 24 طائرة صغيرة بدون طيار ويتم توجيهها بواسطة أجهزة تحكم عن بعد كانت مخفية على بعد عدة كيلومترات من الهدف… كما يرون بأن المكونات والقطع والذخائر المستخدمة تم شراء من سوق الأسلحة ومن ثم تم شحنها بذكاء ومهارة بواسطة أطراف ضليعة في المجال؛ أما الطائرات بدون طيار فقد نقلت على أجزاء متفرقة بواسطة الجمال ومن خلال أناس متمرسون بشؤون الصحراء، ومن ثم تم تجميعها وتركيبها تحت ستار من  الخيام وبطريقة  مماثلة تم اخفاء منصات الإطلاق الخاصة بها؛ وللحيلولة دون اكتشافها من قبل الرادارات، من المفترض أن تحلق تلك الطائرات على ارتفاعات منخفضة وعلى بعد كيلومترات قليلة من أهدافها.

هذه الفرضية معقولة، ولكنها تفترض وجود تواطؤ محلي واسع الطيف، الامر الذي سيفضي بطبيعة الحال وفي نهاية المطاف إلى اكتشاف وجود “طابور خامس” من الشخصيات السعودية النافذة؛ وذلك حتماً ما لا يمكن أن يقر به أيُّ خبير في المجال كون المملكة لم تشهد حتى اللحظة وجود مثل هذا النوع من العداء لولي العهد السعودي.

وبعيداً عن كل تلك التخيلات تبقى الحقيقة المتمثلة في كون ذلك النمط المزلزل من الرد العسكري قد تسبب في زعزعة سعر برميل النفط وخلق حالة من الهلع في الأسواق التجارية والعسكرية التي أصبحت تتساءل بغضب وتوجس عن ماهية الأهداف المقبلة لأولئك اليمنيين الذين باتوا يتمتعون بالجرأة الكافية لمهاجمة النفط المقدس!

–         القادم أسوء!

لمعرفة الأهداف القادمة لأولئك المقاتلين اليمنيين، لا يستلزم الأمر التفكير والبحث بعقلية تتعدى حدود المستحيل، بل يفي بالغرض استعراض الأعمال المميزة للباحثين الأميركيين الذين من المرجح ان تكون لديهم بعض القراءات والرؤى إزاء ذلك؛ ففي 5 أغسطس الماضي، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – المقرب من البنتاغون – تحت عنوان “تهديد إيران للبنى التحتية السعودية الرئيسة” قائمة بالمنشآت النفطية السعودية المعرضة للمخاطر. وفي التقرير ذكر المركز أن معظم الإنتاج النفطي للمملكة يتمركز في محطات معالجة رئيسة وتعد محطة بقيق أكثرها عرضة للخطر، وهي في الواقع أكبر منشأة في العالم لمعالجة النفط وتصفية الزيت الخام، حيث تتجاوز قدرتها الإنتاجية 7 ملايين برميل يومياً؛ وتلك هي ذاتها المحطة التي تعرضت للهجوم في 14 سبتمبر الماضي.

وهناك أيضاً محطات ضخ أخرى غير آمنة أشار إليها التقرير، منها محطتي “عفيف” و”الدوادمي” بمنطقة الرياض اللتان تضخان النفط في خط أنابيب يبلغ طوله 1200 كيلومتر ويربط الخليج بالبحر الأحمر؛ وفي مايو الماضي تعرضت هاتين المحطتين للهجوم وأصيبتا بأضرار بالغة.

وفي إطار مواز وبشكل مثير للسخريةٍ لم يذكر التقرير أن منظومة الصواريخ الاعتراضية “ثاد” التي قامت السعودية بتفعيلها في العام 2017 مقابل 15 مليار دولار بالإضافة إلى بطاريات صواريخ باتريوت مقابل 6 مليار دولار لم تتمكنا من التعرف على أيّ من تلك المقذوفات! وعوضاً عن ذلك لم يخلُ التقرير من دعوة المملكة إلى تعزيز تلك المعدات العسكرية المكلفة بالرغم من ثبوت عدم فعاليتها بالشكل المطلوب، محذراً إياها علاوة على ذلك من احتمالية وجود تهديدات بشن هجمات على تسع مصافي نفطية وثلاث محطات تكرير تتمركز في أكبر مصفاة نفطي في العالم وهو مصفاة “رأس تنورة”.

وفي الإطار ذاته من الغريب ألا يتم توثيق العواقب الدولية لتحييد مثل تلك المنشأة؛ ومن المؤسف أنه لا يزل بالإمكان تخيل العواقب التي قد تنجم في حال وقوع هجمات على مثل تلك المصادر النفطية.

ولذلك نجد العديد من المراقبين والخبراء الدوليين يتساءلون عمن سيستفيد من الارتفاع المفاجئ في سعر برميل النفط؟ أهي إيران أم روسيا أم الولايات المتحدة ….؟

ماذا لو أن اليمنيين قد قرروا إلى جانب مجموعة من المتمردين السعوديين التعاون والتخطيط لمعاقبة العائلة الملكية وأسقاط حكمهم؟ من الواضح أن تلك الهجمات لم تتسبب في وقع ضحايا بشرية، وفي ذلك دلالة قوية على عدم وجود الرغبة السادية لدى اليمنيين وكذلك عدم الرغبة في سلوك نهج مماثل لذلك المتعطش للدماء الذي يحاربونه.

–         سلاح الردع الحاسم:

تحت طائلة وضغوط سيل من التهديدات والمخاطر، يتم إجراء جولة من المفاوضات خلف الكواليس بشكل سلس ومثمر. وتعود دوافع ذلك إلى كون دولة الإمارات ، ولا سيما عقب فقدانها العشرات من ضباطها في المعارك الحاصلة في محافظتي عدن والحديدة، تعاني وتتخوف من مجرد إمكانية تنفيذ هجوم على دبي أو أبو ظبي، إذ أن ذلك سيكون له عواقب لا يمكن تصورها على مستقبلهم وتقدمهم الملموس في كثير من المجالات.

ولهذا نجدها قد فضلت كبح جماح أطماعها والانسحاب كلياً من ذلك المستنقع اليمني. وعلى العكس من ذلك، لا يزال أبن سلمان والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يصرون بعنجهية على البقاء والاستمرار في سياساتهم الهمجية معتقدين أن مجموعة من الصواريخ والطائرات المتطورة سوف تكون قادرة على إنقاذ سلالتهم من سقوط محتم. ومن هذا المنطلق، من المحتمل أن يلجأ اليمنيون، الذين كانوا في السابق يطالبون بوقف عمليات القصف الجوية التي تقوم بتنفيذها قوات التحالف بقيادة السعودية، إلى رفع سقف الضغوط مطالبين بالتعويضات وإعادة الأعمار.

ومن زاوية أخرى، كان مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قد عمد إلى توثيق وتصنيف عدداً آخر من البنى التحتية الضعيفة في المملكة ولاسيما أنظمة التحكم والإدارة وجمع البيانات والتي لم تسلم هي الأخرى من التعرض سابقاً للقرصنة الإلكترونية؛ ومن بين تلك المعلومات الموثقة جاء ذكر سلاح ذو حدين أشد تأثيراً مما سبق بيد انه لم يتم استخدامه حتى اللحظة وذاك هو سلاح الماء: حيث تمثل مياه البحر المحلاة 70٪ من مياه الشرب المستهلكة في المملكة؛ وهناك ما لا يقل عن 7500 محطة لمعالجة مياه البحر في الخليج الفارسي؛ وتقع أكبر تلك المحطات على مستوى العالم في منطقة “رأس الخير”، الأمر الذي يجعل منها هدف دسماً لا يمكن تجاهله, حيث انها تقوم بإمداد المجمع الصناعي في مدينة الرياض بالمياه العذبة بفضل أنبوبين من الصلب يبلغ قطرهما مترين ويصل طولهما إلى 450 كم ما يزود المدينة ب 800 مليون متر مكعب يومياً. ولا شك أن أي هجوم أو تخريب لمحطة رأس الخير سيجلب المعاناة لـ 6 ملايين نسمة.

ووفقاً لما يتم تناقله على لسان العديد من الخبراء في المجال فإن ثمانية أيام هي بالضبط المدة التي ستكون متوفرة إمام سكان العاصمة لإخلاء المنطقة في حال وقوع أية هجمات على تلك المحطة. ومن المرجو أن يدرك صناع القرار في المملكة أنه بالإمكان تجنب مثل ذلك السيناريو قبل وقوعه وفوات الأوان.

* رواية فرنسية تتتبع مآثر قرية صغيرة من بلاد الغال القديمة… يحوز أبطالها على قوى سحرية خارقة ويعملون جاهدين على مقاومة الاحتلال الروماني وطرده من أراضيهم.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.