الآن لا يوجد سوى الاشباح
أربع سنوات من الحرب في اليمن, يعيش خلالها السكان المدنيون تحت وطآه الموت الناجم عن الغارات الجوية, وبالرغم من ذلك لم تقرب المملكة العربية السعودية من تحقيق النصر، في حين لا يزال المواطنين البسطاء في جميع أنحاء اليمن غارقون في مستنقع هذه المعاناة.
بقلم: بيثان مكيرنان, تصوير: أخيلياس زافليس
(صحيفة ” الجارديان” البريطانية، ترجمة: نجاة نور – سبأ)
بدأت السماء تمطر والسماء غاضبة تهدد بأصوات الرعد، لكن شخص واحداً يتجول بالقرب من أنقاض مركز الاعتقال الذي استهدفته غارات قوات التحالف في مدينة ذمار شمالي اليمن والذي يسيطر عليه الحوثيون.
مصطفى العدل شقيقه أحمد أحد حراس هذا المركز, لقي مصرعه في هذا المكان عندما تعرض الموقع مؤخراً لضربة جوية شرسة من قبل التحالف، إلا أنه ما زال يعمل في حراسة المكان, ففي الليل ينام في أحد المبانى التي لم يتهدم بالكامل والأقل تضررا, فهو يرى أن تسريبات المطر عليه ” تغسل الدم.”
قال الشاب البالغ من العمر 22 عاماً “يمكنك رؤية بطانية أحمد الزرقاء هناك” مشيراً إلى الطابق الثاني حيث كان في السابق المربع الخاص بالحراس, فقد كان يقطن في هذا المكان 200 شخص، ولكن اليوم لا يوجد سوى الأشباح.
عادل هو واحد من عشرات الأشخاص الذين قابلتهم الجارديان في رحلة نادرة قطعت خلالها مسافة 6.000 كيلومتر عبر مناطق اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة والانفصاليين، والذين وصفوا كيف أن أكثر من أربع سنوات من الحرب قد غيرت حياتهم إلى درجة يصعب فيها التعرف عليهم.
ملامح المعاناة واضحة في كل مكان, ولكن في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن، تجذرت ولاحت في الافق أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بينما أطبق شبح الكوليرا والجوع والغارات الجوية السعودية خناقها على السكان المدنيين.
كان الهجوم الذي استهدف مدينة ذمار في سبتمبر هو الأكثر دموية حتى الآن من قبل التحالف الذي تقوده السعودية, حيث يقاتلون من أجل استعادة الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي مقاليد الحكم.
ووفقاً لقاعدة اليمن للبيانات، وهي قاعدة بيانات خاصة بإحصائيات الحرب, وبحسب معايير الصراع التي حددها القصف العشوائي للتحالف على المدنيين في الأسواق وحفلات الزفاف والمستشفيات، فقد كان هذا الهجوم هو الاكثر ترويعاً وعنفاُ.
لقي 100 شخص على الأقل حتفهم, فيما ذكر شهود العيان إنها سبع غارات تسببت في تدمير المنطقة.
استغرق الأمر خمسة أيام لانتشال جميع الجثث الممزقة التي انتشرت على الأعمدة الحديدية وعلى الجدران جراء الانفجار.
عندما تحول حرم كلية المجتمع إلى مركز اعتقال غير رسمي، كان ينبغي أن يكون هذا الموقع مدرجاً ضمن قائمة المواقع المحظور استهدافها لدى التحالف.
لقد كان هجوماً استهدف القوات التابعة لهم, حيث كان حوالي نصف السجناء من جنود هادي ونصفهم من المدنيين الذين اعتقلهم الحوثيون، على حد قول أحد الناجين علي أحمد العباسي 39 عاماً، من على سريره في المستشفى.
قال العباسي ” زارنا الصليب الأحمر قبل ثلاثة أشهر, وبالتالي ليس هناك اي وسيلة تجعل التحالف ينكر وجودنا.
تم تعليق صور للجثث المتفحمة والدماء المتناثرة على الجدار بالقرب من مدخل العائلات التي ستأتي للتعرف على ذويها, اما في بعض الحالات فلا أثر للوجوه، فقط الأيدي هي المتبقية.
فيما نفى التحالف أنه استهدف مركز الاعتقال، قائلاً إنه ضرب موقعاً عسكرياً يستخدمه الحوثيون لتخزين الطائرات بدون طيار والصواريخ.
ضربات مثل تلك التي وقعت في ذمار والتي يمكن اعتبارها كجرائم حرب تحدث في شمال اليمن بشكل منتظم ومثير للقلق.
تعتبر محافظة صعدة معقل الحوثيين والتي تقع على الحدود السعودية الأكثر استهدافاً, فبالكاد يمكن أن ترى شارع في البلدة لم يتم قصفه وتدميره: مكتب البريد وسوق المركزي وعدد لا يحصى من المنازل المدنية أم اختفت أو دمرت.
الموت يحلق من فوق في أي وقت, فخلال تقديم وجبات الغداء المكونه من الدجاج والأرز وفتة العسل الحلو، هز صاروخ سقط في منطقه قريبة نوافذ أحد المطاعم.
لم يهتم الناس بأصوات الطائرة الحربية السعودية والاهتزازات الناجمة عنها، حتى عندما حلقت مرة أخرى لتنفذ الضربة الثانية والثالثة والرابعة, فإستراتيجية الأرض المحروقة لم تساعد السعودية من كسب هذه الحرب.
أطلق ولي العهد محمد بن سلمان وزير الدفاع آنذاك، عملية “عاصفة الحزم” في مارس 2015 بعد أن استولى الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء، مما أجبر الرئيس هادي على الفرار إلى الرياض.
ومع ذلك، فإن الحوثيين -المعروفين رسمياً باسم أنصار الله – هم من عصابات الحرب الداخلية الممتدة منذ عقود, وبمساعدة طهران، فقد أصبحوا يمتلكون الآن تقنية متطورة لمنظومه الطائرات بدون طيار ويمكنهم شن هجمات صاروخية عبر الحدود في عمق السعودي، واستهداف مناطق مثل حقول النفط والقواعد العسكرية والمطارات.
إن لقطات من مآثر الحوثي البطولية تعرض في حلقات إلى ما لا نهاية على قناة المسيرة التلفزيونية التابعة لهم، وأغاني المعارك الحوثية، المعروفة باسم (الزوامل) جذابة للغاية حتى أن القوات الموالية للتحالف ترغب بسماعها.
كلمات تلك الزوامل تهز الأمير محمد مع وعود بمزيد من الهدايا الحوثية المرسلة عبر الحدود.
يطلق البعض الآن على اليمن اسم فيتنام السعودية, ولكن الحقيقة هي أنه بدون وجود إمدادات ثابتة من الأسلحة والمركبات والخبرات الفنية التي تقدمها المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول غربية أخرى للسعودية، فإن المأزق الحالي سيكون أسوأ بالنسبة للرياض.
اليمنيون يدركون جيداً منشئ الصواريخ التي تسقط عليهم, حيث يمكنهم بكل سهولة تتبع المعلومات التقنية والأرقام التسلسلية من أجزاء الصواريخ التي تبقى جراء الانفجارات لمصنعي الأسلحة من الدول الغربية.
في وكالة إزالة القنابل والألغام في صنعاء، أجزاء الأسلحة المستخرجة من الغارات الجوية تتوهج تحت أشعة الشمس, من بينها أجزاء للسيارات الاربعة التي تحمل أجهزة استشعار للقنابل العنقودية: وهي متفجرات غير قانونية بموجب القانون الدولي لأن الذخائر الصغيرة التي يتم اطلاقها بواسطتها تتسبب في أضرار عشوائية تمتد لمساحات كبيرة.
الملصقات تقول إنها صنعت بواسطة شركة “غوودريتش” الأمريكية وأيضا في ولفرهامبتون، المملكة المتحدة.
بصرف النظر عن موجات الغارات الجوية، تبدو الحياة في صنعاء – المدينة الشهيرة بالهندسة المعمارية الساحرة التي يبلغ عمرها 2500 عام، والتي تشبه منازل الزنجبيل طويلة القامة, قام الحوثيون بعمل جيد في مناطق سيطرتهم ابتداء من طرد عناصر القاعدة من أراضيهم والشوارع الأكثر نظافة والأكثر تنظيماً من أي مكان آخر في البلد.
هذا الهدوء النسبي يأتي بثمن حسب ما قالته (منظمة مواطنه) – واحدة من منظمات حقوق الإنسان والوحيدة التي ما زالت تعمل هناك، حيث يتم سجن المعارضين بشكل روتيني وتعذيبهم، كما تتعرض الأقلية الدينية البهائية للاضطهاد, حيث يعتبرونهم جواسيس لإسرائيل.
الحصار السعودي على المجال الجوي والمفروض على مناطق سيطرت الحوثي والحدود البرية والبحرية يبقي الشمال واقفاً بشكل ثابت على حافة سكين.
قال مصدر دبلوماسي إن القيادات الحوثية في صنعاء قامت بتأمين خطوط الإمداد البرية من عمان، مما يعني أنها يمكنها الاعتماد عليها, فيما يعاني المواطنين اليمنيين بشدة.
الأسواق في صنعاء مليئة بالمنتجات، لكن الاقتصاد المنهار يعني أن الغذاء والوقود ارتفع ثمنهما إلى ضعفين عما كان قبل الحرب.
ثمانون في المائة من السكان أي حوالي 24 مليون شخص يعتمدون الآن على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، فيما نصف هذا العدد على شفا المجاعة.
وبحسب الأمم المتحدة, فأنه بحلول نهاية العام الحالي، سيبلغ إجمالي عدد القتلى بسبب القتال وانتشار الامراض 230.000 شخص، أو ما يساوي 0.8٪ من عدد سكان البلد.
كل مستشفيات المدينة تكتظ بمرضى سوء التغذية ومرضى الكوليرا من الأسر في المناطق المجاورة الذين جمعوا الأموال لإرسال ذويهم لتلقي العلاج المناسب في العاصمة.
في مستشفى السبعين الخاص بالنساء والأطفال، تقول جميلة محمد، 36 سنة، أن الكوليرا تطبق خناقها على عائلتها كل عام مع بدأ موسم الأمطار, ففي الصيف الماضي فقدت ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات, واليوم عادت إلى خيمة الاستقبال الخاصة بالكوليرا في مستشفى السبعين، من أجل ابنة أختها البالغة من العمر عامين, فهي تصلي من أجل أن تنجو.
كانت الفتاة الصغيرة مستلقية على ظهرها وتحدق للفراغ في سقف الخيمة التي تتلقى العلاج فيها، وشعرها المجعد على جبينها الذي يتصبب عرقاً.
لا يوجد مكان آخر شعر بالظلم الذي عاشه اهالي منطقة ضحيان، القرية الصغيرة التي تقع في محافظة صعدة، حيث استهدفت غارة جوية سعودية قبل عام حافلة مليئة بالأطفال الصغار وهم في طريقهم لقضاء رحلة مدرسية، مما أسفر عن مقتل 44 طفل, جزء من الصاروخ الذي اطلعت على الجارديان حددتها بأنها قنبلة( ام – كى ٨٢ ).
قال خبراء الذخائر إنها كانت عبارة عن صاروخ موجه بالليزر، من صنع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية, أرجأت الشركة الأسئلة إلى البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية, واخرى لزمت الصمت قائلة انها ليس لديها تعليق.
في موقع الهجوم، توجد صورة لـ 44 وجهاً صغيراً يرفرفون في لافتة معلقة في الشارع، بجانب جدارية مكتوب عليها “أمريكا تقتل الأطفال اليمنيين.”
في مقبرة القرية، أصبحت قبور الأطفال مزاراً للناس, كان يوسف الأمير البالغ من العمر اثني عشر عاماً في رحلة مصيرية, والآن أصبح يزور قبور أصدقائه بعد الظهرية عند عودته من المدرسة.
أخذ جمبيته، وهو خنجر يمني تقليدي يرتديه الذكور( السلاح الأبيض)، حيث قام بقطع ورقة بلاستيكية للكشف عن الهيكل الملتوي للحافلة المدمرة، والذي تقع بجوار اضرحة الأطفال.
في قسم خصص للشهداء من المقبرة، يوجد قبران محفوران حديثاً, صاحب الأرض يقول إنه لا يتوقع اليوم قدوم أي جنازة مغطاة بالقماش الاخضر, لكنه يعلم أن المزيد سيأتي لا محالة.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.