بقلم: مارتن جاي

(مجلة”انترناشنال بوليسي ديجيست,International Policy Digest,  الأمريكية, ترجمة: انيسة معيض- سبأ)

عندما كشفت الأنباء عن أن “الانفصاليين” المدعومين من الإمارات العربية المتحدة في أغسطس من هذا العام استولوا على العاصمة اليمنية المؤقتة عدن التي كانت بأيدي القوات الحكومية المدعومة من المملكة العربية السعودية، فهذا كان بمثابة بداية ولوج البلد في وضع معقد.

كان الانفصاليون المدعومين من الإمارات والسعودية – على الورق على الأقل- على الرغم من أن “الانقلاب” كما كان يسمى يُعتقد أنه العمل الخبيث الذي قامت به أبو ظبي والذي دعم الهدف الذي يسعى اليه المجلس الانتقالي الجنوبي لإنشاء حزام جنوبي منفصل من اليمن مستقل عن مناطق سيطرة الحوثيين في الشمال، لكنها سعت أيضاً إلى حكم ذاتي من حكومة هادي الحالية المدعومة من الرياض.

عندما حدث “الانقلاب”، كان الأمر بمثابة نقطة محورية ليس فقط للسعوديين الذين أدركوا أن شركائهم في اليمن ليسوا دائماً على نفس الطريق والهدف، بل إن الاتفاق الإماراتي- السعودي ليس قوياً كما كان يعتقد الكثيرون.

في الواقع، بينما كان ينبغي على صقور ترامب أن يراقبوا الشيء المرعب تلك اللحظة التي مزق فيه كلاً من هذين العملاقين الإقليميين اتفاقهما بشكل فعال، هذا الفعل جعل وجه الرئيس الروسي بوتين يتلألأ فرحاً لاغتنام الفرصة.

لقد حان الوقت لتظهر روسيا على الساحة العربية، فهناك الكثير من الفرص المتاحة للزعيم الروسي في المنطقة للاستفادة من التقسيم والفوضى والعنف بقواعد جديدة وشركاء جدد وصفقات جديدة في الوقت الذي بدت فيه الجبهة السعودية-الإماراتية ضد إيران في حالة يرثى لها.

قد يقول الكثيرون أن هذا ما تدور حوله رحلته إلى المنطقة في منتصف شهر أكتوبر الحالي. من الناحية النظرية، يجب زيارة السعوديين في الرياض ومواصلة الترويج لروسيا كشريك إقليمي لتحقيق الاستقرار وليس من مكافأة لمن يخمنون إذا كان سيطرح السؤال السحري: هل سيمنع نظام الصواريخ الروسي S-400 الهجمات من إيران؟

إننا نتذكر جيداً اللغة الجسدية الدافئة لكل من محمد بن سلمان وبوتين في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين، في أعقاب فضيحة قضية خاشقجي التي دفعت ولي العهد السعودي إلى البحث عن شركاء جدد، عندما أوضح ترامب أنه لم يكن تماما صديق الرياض التي تأمل في أن نكون كذلك.

دفعت قضية خاشقجي بمحمد بن سلمان إلى التطلع إلى الصين وروسيا للحصول على صفقات شراء لدفاع أفضل، وعرض نظام الصورايخ  S-400 من بوتين هو تذكير ضمني بذلك.

قد لا يتم تحديد نظام الدفاع الصاروخي الروسي المثير للجدل رسمياً لإجراء محادثات في الرياض، لكن لا شك من انه سيتم الحديث عنه باستفاضة هناك. ولو ان الموضوع الحقيقي هو اليمن.

تتمتع روسيا بعلاقة خاصة مع المتمردين في جنوب اليمن، المنضمين إلى الإمارات.

في الواقع، تهدف تحركاتها التصالحية نحو المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تعزيز علاقة موسكو مع الإمارات العربية المتحدة لتمكين بوتين من بناء قاعدة بحرية على طول ساحلها الجنوبي.

إن قرب موسكو من المجلس الانتقالي الجنوبي أدى إلى قيام شركات عسكرية خاصة في جنوب اليمن, حيث تدعم هذا المجلس والذي قد يمهد الطريق لبوتين لدعم محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة، والتي من شأنها أن تضعه في وضع المدين للإمارات مع إعطائه الكثير من رأس المال للعب معها في الرياض.

في الوقت الحالي، يبدو من المألوف عدم التعرّف على صفقات السلام التي يعرضها الأعداء.

قدم الحوثيون مثل هذا العرض للسعوديين, كما قدم الإيرانيون عرضاً مذهلاً للأسلحة النووية إلى الولايات المتحدة خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ كما رفضوا عرضاً لعقد اجتماع غير رسمي مع ترامب. وقد توصل السعوديون إلى عرض الحوار على الإيرانيين. إن الصمت يصم الآذان.

أين يصلح بوتين؟ سيكون من الأمور المتوازنة الإبقاء على أبو ظبي قريبه والرياض ايضاً وهذا ما تدور حوله رحلة بوتين.

إنه لا يحتاج ليدعم المجلس الانتقالي الجنوبي تماماً فقط لمجرد الإشارة إلى أن هذا الخيار سيكون دائماً على الطاولة لإغراء السعوديين بالقدر الكافي ولجعله أكثر من قائد القوى العظمى يجب أن يكونوا أقرب إليه بدلاً من النظر إليه كعدو.

إنها أشياء حساسة، ولكنها بالضبط الطريقة التي يحبها الروس للعمل في الشرق الأوسط، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام أي عملاء جدد.

قلب الظلام : اليمن

إن توقيت الزيارة حرج بالطبع ليس فقط لأن الوضع في اليمن يزداد سوءاً ويجعل السعوديين يذهلون وينحصرون في فيتنام محلية من صنعهم – التي غرقت مؤخراً في لحظة جديدة كتلك التي في فيلم نهاية العالم الان “Apocolypse Now” عندما أسر الحوثيون جنوداً سعوديين في غارة تم شنها على الحدود- ولكن أيضاً بسبب العلاقة المتوترة بين ترامب و محمد بن سلمان.

يرى المحللون المخضرمون أن ما جرى بين إيران من جهة ومن السعودية والإمارات من جهة آخرى من خلاف ليس في مصلحتهما لأنهما لا يمكنهما الانفصال والتعايش دون بعضهما البعض خاصة في السياسية الإقليمية.

دعنا لا نتواصل حتى مع الصحافة للحصول على مكالمات هاتفية خاصة أجراها ترامب إلى محمد بن سلمان أو زعيم الإمارات محمد بن زايد، حيث يعرف ما هو العرض الذي قدمه لهم لإخراج الزعيم السعودي من الورطة التي تعرض لها بسبب مقتل خاشقجي.

إن مقابلة سي بي اس الأخيرة، التي يبدو أنها تدار على مراحل، تدور حول قيام شراكة علاقات عامة أمريكية بإدارتها وقد يتم الكشف عنها في السنوات القادمة أن ترامب له يد في هذا.

أدت سياسة ترامب الخاطئة والخطيرة في الشرق الأوسط إلى كارثة في اليمن مع وجوه كلاً من السعوديين وجيرانهم الإماراتيين.

وعلاوة على ذلك، فإن زيارة بوتين تعد مؤشرا على أن تقارب الرياض وأبو طبي في تأرجح وأن الحماقة التي يتمتع بها الإيرانيون الذين يحلمون بعدم تولي ترامب لفترة ولاية ثانية، قد تكون أيضا حلما لأولئك الذين في الرياض.

بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بالبحث، من اللافت للنظر، في الواقع كم من القواسم المشتركة بين المملكة العربية السعودية وإيران، وقد تحصل روسيا على صفقة خاصة من كل من السعوديين والإماراتيين في اليمن والتي ستعزز فكرة الرعب الروسي بشكل أكبر في منطقة الشرق الأوسط.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.