بقلم: نورد راندي*

برلين، صحيفة “در فرايتاج” الألمانية نقلا عن موقع “جيوبوليتيك آلرت”، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-

بينما تركز وسائل الإعلام الرئيسية على إدانة الرئيس ترامب لسحب القوات الأمريكية من سورية، يواجه اليمن أزمة صحية على نحو خاص. آخر المستشفيات العاملة في عدة مدن رئيسية في اليمن ستغلق أبوابها وتتوقف عن تقديم الخدمات للمرضى. التقى موقع “جيوبوليتيك آلرت” مع الدكتور يوسف الحاضري المتحدث باسم وزارة الصحة اليمنية لمناقشة تداعيات هذه الأزمة.

لقد نفد الوقود بالكامل في اليمن:

تخيل كيف ستتوقف الحياة الاجتماعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة إذا ما نفذ الوقود من المحطات في يوم من الأيام. لن يتمكن الناس من الذهاب إلى العمل ولن تتمكن العائلات من طهي الطعام. في المنازل لن يجد الناس الماء الساخن للتنظيف أو الاستحمام.

بالنسبة لبلد يعيش تحت الحصار مثل اليمن، فإن نقص الغاز يعني أيضاً أن المستشفيات يجب أن تغلق. قلصت معظم المستشفيات من ساعات عملها والبقية الباقية تستعد للإغلاق بالكامل.

قال الدكتور يوسف الحاضري لـ “جيوبوليتيك آلرت”  “هناك مئات الآلاف من المرضى، إن لم يكن الملايين، منهم من سيموت سريعاً ومنهم من سيموت موتاً بطيئاً، سيموتون جراء المعاناة من الألم.

من الذي سيوفر النفط لملايين اليمنيين الذين يحتاجون إلى وسائل النقل للوصول إلى هذه المستشفيات؟ من الذي سيوفر وسائل النقل لستة آلاف مريض يعانون من الفشل الكلوي إلى المركز الصحي مرتين في الأسبوع؟ من سيوفر الوقود للقطاع الخاص، الذي يقدم خدمات العلاج لحوالي 60 ٪ من السكان؟ ”

أشد فئات المجتمع فقراً، تلك التي تعيش في المناطق الريفية في اليمن، مثل الحديدة ، هي الأكثر عرضة للخطر لأنها لا تستطيع تحمل تكاليف النقل إلى المستشفيات العاملة، التي تبعد عن العاصمة صنعاء مسافة خمس ساعات.

المستشفيات تُغلق في اليمن وما زالت وسائل الإعلام صامتة:

وأوضح الدكتور يوسف الحاضري  أن 50 ٪ من قطاع الرعاية الصحية يعمل في بلد يعمل ببنية تحتية صحية بسيطة ، ما أدى إلى تضاعف عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدمات صحية بعد العدوان والحصار المستمر منذ خمسة أعوام.

إليك ما تبدو عليه الأزمة الحالية من الناحية العملية حيث سيتوقف:

  • 120 مستشفى حكومي و 255 مستشفى خاص
  • 3000 مركز صحي حكومي ، 900 مركز صحي خاص
  • أكثر من 5000 صيدلية عامة وخاصة
  • مئات المختبرات
  • 27 مركزا لغسيل الكلى

3 مراكز  لعلاج السرطان

وسلط الحاضري الضوء على الأزمات الصحية المدمرة التي تواجه بلاده وقال:

  • إجمالي الجرحى أكثر من 50 ألفاً – بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال – بسبب هجمات التحالف العسكري.
  • ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية (دون سن الخامسة) إلى 2,200,000 ومن بين 5.000,000 طفل – أو 44٪ – 500.000 طفلاً يعانون من سوء التغذية الحاد.
  • 1,1 مليون امرأة في سن الإنجاب مصابات بسوء التغذية مما يؤثر على أطفالهن وحملهن في المستقبل.
  • تموت امرأة كل ساعتين بسبب مضاعفات الحمل والولادة.
  • تشير تقارير الأمم المتحدة وتقارير وزارة الصحة أيضاً إلى وفاة طفل يمني كل 10 دقائق بسبب سوء التغذية أو المرض القاتل.
  • تم قطع 48,000 من رواتب العاملين الصحيين منذ 40 شهراً بسبب نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن الواقعة تحت الاحتلال السعودي الإماراتي.

سلاح المرض:

لم يكتف التحالف السعودي بمواصلة عدوانه فحسب، بل أنه ضيق الخناق أيضا على المساعدات والرعاية الصحية في اليمن في محاولة لخنق المدنيين الأكثر عرضة للخطر في اليمن حتى الموت. وفي ظل هذا العدوان يواجه مرضى السرطان  ومرضى الكلى والنساء الحوامل  والأطفال  وكبار السن أسوأ النتائج.

كثير من الناس قد لا يُدركون كيف يؤثر نقص الوقود والحصار على كل جانب من جوانب الرعاية الصحية اليمنية.

95٪ من الأجهزة الطبية في المستشفيات الحكومية اليمنية أنتهت فترة صلاحيتها ولكن يجب على الأطباء العمل بها لأنه لا يوجد بديل. المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض السكري (500 ألف مريض) ، وأمراض القلب ، والفشل الكلوي (6000) ، وزرع الكلى (3000) ، والسرطان (60 ألف ، وغيرهم من الأمراض المزمنة لا يمكنهم الحصول على العلاج بسبب ارتفاع الأسعار في السوق التجارية. والحكومة غير قادرة على تقديم بديل مجاني أو بأسعار معقولة بسبب الحصار.

وقال الحاضري، الناطق باسم وزارة الصحة، إن العشرات من الناس يموتون بسبب عدم الحصول على الأدوية الحيوية كل يوم.

وقد انتشرت الأوبئة مرة أخرى، التي كانت قد اختفت في اليمن قبل عقود، وذلك بسبب تدمير البنية التحتية اليمنية، الخاصة بالمياه و الصرف الصحي. وحتى 5 اكتوبر 2019 أصيب بوباء الكوليرا 2,099,531 شخصا.

وأكد الحاضري أن الحصار وتدهور نظام الرعاية الصحية وسوء الصرف الصحي قد تسبب في عودة أمراض القرون الوسطى إلى اليمن وما تجره معها من عواقب وخيمة:

ولفت الحاضري إلى أن  3662 شخصاً آخر لم يكن بالإمكان نقلهم بسيارات الإسعاف إلى المستشفيات بسبب الظروف الاقتصادية السيئة وتدمير الطرق والخوف من الطائرات الحربية التي تستهدفهم وغيرها من الأسباب. وهذا رقم كارثي خلفه وباء واحد وفي القرن الحادي والعشرين! ”

كما أنه من الشائع أن تقوم الرياض بتنفيذ غارات جوية “مزدوجة” تستهدف سيارات الإسعاف والطواقم الإعلامية والمسعفين بعد غارة جوية أولية على منزل مدني أو تجمع. ففي الصيف الماضي، قصفت الطائرات الحربية سوق أسماك مزدحم في الحديدة وقصفت بعد ذلك مدخل المستشفى، مما أسفر عن مقتل 55 شخصتً وإصابة أكثر من 130 آخرين.

وبالتزامن مع زيادة تفشي وباء الكوليرا، ارتفع عدد حالات الإصابة بوباء الدفتريا أيضاً إلى  مع 4,244 مصاباً وبلغ عدد الوفيات 233  اعتباراً من سبتمبر 2019 – 79٪ منهم من الأطفال دون سن الرابعة عشرة. وعلاوة على ذلك، انتشرت أنفلونزا الخنازير و الملاريا وحمى الضنك والحصبة والعديد من الأوبئة الأخرى و قتلت الآلاف من اليمنيين.

توفي 42 ألف يمني آخر بسبب إغلاق مطار صنعاء، الذي تم إغلاقه في 8 أغسطس 2016 وما زال مغلقاً حتى اليوم.

وقال: “يحتاج أكثر من 200 ألف مريض إلى السفر للخارج للعلاج ولا يمكنهم ذلك بسبب إغلاق مطار صنعاء. نحن نفقد حوالي 30-50 مريضا يومياً.”

لماذا تحتاج المستشفيات اليمنية إلى الغاز؟

40٪ فقط من المناطق في اليمن كانت تحصل على الكهرباء قبل الحرب. و خلال العدوان المستمر منذ قرابة الخمسة أعوام ، قصفت طائرات التحالف السعودية المدعومة من الولايات المتحدة محطات توليد الطاقة الكهربائية والمعدات التي تحتاجها المدن الكبرى لتوفير الطاقة. اعتمدت معظم المستشفيات والمصانع والفنادق والمباني الكبيرة والعمليات الصناعية على المولدات الاحتياطية التي تعمل بالغاز لتوفير الكهرباء حتى قبل بدء الحرب.

تحولت العديد من المنازل والمجمعات في جميع أنحاء العاصمة صنعاء إلى الطاقة الشمسية لكسر اعتمادها على الغاز. ومع ذلك، فليس من المستغرب أن يستهدف التحالف السعودي محطات الطاقة الشمسية المجتمعية أيضاً. وفي حين أن الطاقة الشمسية قد تسد الفجوة في المنازل، إلا أن المستشفيات والعمليات الكبيرة لا تزال تحتاج إلى الطاقة الغازية.

اليمن بلد منتج للنفط ويوجد به أكثر من 3 مليارات برميل من احتياطيات النفط الخام ، لكن الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة تحتلان حاليا حقول النفط الرئيسية في اليمن وتًصدر المنتج.

و نتيجة لذلك، يجب على اليمنيين استيراد الوقود والاعتماد على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

يحتجز التحالف الأمريكي السعودي بشكل تعسفي سفن الوقود لإحداث أزمة.

إن الحصار البري والبحري والجوي غير المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة يقيد جميع الواردات إلى اليمن. فقبل أن ترسو السفن في ميناء الحديدة لتوزيع المساعدات، يجب عليها أولاً أن ترسو في جيبوتي حيث يقوم كل من السعوديين والأمم المتحدة بتفتيش السفن بحثاً عن أسلحة وصواريخ.

تستغرق العملية أسابيع وغالباً ما يتعفن الطعام في الشمس الإفريقية الحارة قبل أن يصل إلى اليمن.

في الشهر الماضي، كشف مسئولو صنعاء والمنظمات غير الحكومية المحلية أن التحالف السعودي احتجز بشكل تعسفي ما لا يقل عن 13 سفينة مليئة بالطعام والوقود والإمدادات الطبية. وكانت هذه السفن قد مرت بالفعل بالتفتيش في ميناء مجاور، لكن السلطات السعودية رفضت السماح للسفن بالرسو والتفريغ في ميناء الحديدة اليمني.

تُعتبر تصرفات الرياض التي تحتجز السفن انتهاكاً صارخاً لاتفاقية استكهولم التي تم الاتفاق عليها في ديسمبر 2018 ، حيث توصلت حكومة صنعاء اليمنية وأعضاء التحالف السعودي إلى اتفاق سلام جزئي. في حين أن جماعة أنصار الله اليمنية صمدت في نهاية الصفقة (بما في ذلك عملت على تسليم السيطرة على ميناء الحديدة للمراقبين الدوليين)، انتهك التحالف السعودي على الفور الاتفاق بالغارات الجوية والقصف العسكري وما زال مستمر في ذلك.

وقال محمد الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى بصنعاء في تغريدة أن احتجاز السفن يثبت أن التحالف غير مهتم بالسلام.

وكتب:” استمرار الحصار باحتجاز السفن لايمثل نوايا إيجابية ولا يدل على توجه عملي نحو السلام. وعلى العالم أن يدرك أن تفاقم الوضع الإنساني من خلال تشديد الحصار لا ينتج عنه إلا كارثة. فاليمن معروف عنه بأنه يمر بأسوأ أزمة إنسانية صنعها العدوان. نأمل أخذ الموضوع بجدية كاملة كونه موضوع إنساني بحت.

ليس هناك تغطية إعلامية للكارثة التي تدور في اليمن:

هل تذكرون التغطية الإعلامية الكبيرة التي سميت “آخر مستشفى في حلب”؟ لماذا لا يتواجد هؤلاء الصحفيين الآن في اليمن حيثما ينهار نظام الرعاية الصحية بشكل حقيقي بسبب تصرفات واشنطن والرياض وأبو ظبي.

عند عملية البحث السريع على محرك البحث جوجل لا نجد ترقية سوى للمقالات التي كتبتها وسائل الإعلام التابعة للتحالف السعودي والتي تبرز “المساعدات السعودية لليمن.

تلعب الولايات المتحدة دورا محوريا في الحرب السعودية والإماراتية ضد اليمن. حيث توفر واشنطن القوات والتدريب العسكري والتدريب على قيادة الطائرات المقاتلة وتزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو ناهيك عن تقديمها الصواريخ الذكية الموجهة بدقة إلى الرياض خصيصاً لحربهم ضد اليمن. علاوة على ذلك، توفر الولايات المتحدة أيضاً الدعم اللوجستي لاختيار أهداف الضربات الجوية والمعلومات الاستخباراتية والقوات لإدارة مراكز قيادة الضربة الجوية.

تسببت الغارات الجوية والعمليات العسكرية من قبل التحالف في مقتل أو إصابة ما يقرب من 40 ألف شخص منذ بدء الحرب في عام 2015. وقد بلغ عدد قتلى الحصار أكثر من قتلى الغارات الجوية ولكن لم يتم تسليط الضوء من قبل وسائل الإعلام الرئيسية على ذلك وفشلت تقارير الأمم المتحدة في معالجة ذلك بشكل روتيني.

*نورد راندي صحفية أميركية تعمل من بيروت على تغطية الأخبار الخاصة بالامبريالية الأميركية في غرب آسيا بالتركيز على اليمن بصورة أساسية

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.