تواطؤ أميركا في جرائم الحرب في اليمن هل حان محاسبتها؟
بقلم: محمد بزي
( صحيفة” الجارديان” البريطانية, ترجمة: انيسة معيض- سبأ)
استهدفت القوات التي تقودها المملكة العربية السعودية المدنيين بشكل متعمد منذ الأيام الأولى للحرب- ولم يفعل المسئولون الأمريكيون الكثير لوقفها.
منذ تدخل الرياض وحلفائها في الحرب الأهلية في اليمن في مارس 2015, قدمت الولايات المتحدة دعمها الكامل لحملة جوية لا هوادة فيها, حيث ضربت الطائرات الحربية والقنابل السعودية آلاف الأهداف، بما في ذلك المواقع المدنية والبنية التحتية، وافلتوا من العقوبة.
منذ البداية، أصر المسؤولون الأمريكيون على أن الأسلحة والتدريب والمساعدة الاستخباراتية الأمريكية ستساعد السعوديين على تجنب التسبب في وقوع المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين.
ولكن كانت هذه كذبة تهدف إلى حجب أحد الجوانب الأقل فهماً لدعم الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية وحلفائها في اليمن: الأمر لا يعني أن القوات التي تقودها الرياض لا تعرف كيفية استخدام الأسلحة الأمريكية الصنع أو بحاجة إلى المساعدة في اختيار الأهداف.
لقد استهدفوا المدنيين والبنية التحتية في اليمن عن عمد منذ الأيام الأولى للحرب- وقد أدرك المسؤولون الأمريكيون هذا منذ عام 2016 على الأقل ولم يفعلوا سوى القليل لوقفه.
قدم فريق من محققي الأمم المتحدة، بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع لها، تقريراً مدمراً في جنيف في أوائل سبتمبر يشرح بالتفصيل كيف أن الولايات المتحدة، إلى جانب بريطانيا وفرنسا، متواطئة في جرائم الحرب في اليمن بسبب استمرار مبيعات الأسلحة والدعم المخابراتي للسعوديين وحلفائهم، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة.
على الرغم من الضغوط التي تمارسها الرياض، فقد صوت مجلس حقوق الإنسان يوم الخميس الماضي لنشر تحقيقه.
إذا أجرى المجلس تحقيقاً قوياً استناداً إلى التقرير المكون من 274 صفحة، فقد يرى العالم أخيراً بعض المسؤولية عن جرائم الحرب المرتكبة في اليمن على مدار السنوات الخمس الماضية, حيث قدم مؤلفو التقرير قائمة سرية بالأفراد الذين قد يكونون مسؤولين عن جرائم الحرب إلى مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه القائمة تشمل أي مسؤولين غربيين.
قال التقرير إن الدول الثالثة التي لها تأثير على الأطراف المتحاربة في اليمن- بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيران – “قد تكون مسؤولة عن تقديم المساعدات أو المساعدة في ارتكاب انتهاكات القانون الدولي”.
يتجاوز التواطؤ الأمريكي في حرب اليمن توفير التدريب والدعم الاستخباراتي، وبيع اسلحة بمليارات الدولارات إلى الإمارات والسعودية، اللتان أصبحتا أكبر مشترٍ للأسلحة في واشنطن.
تنظر الولايات المتحدة في الاتجاه الآخر بينما يرتكب حلفاؤها جرائم حرب ويتجنبون المسؤولية عن التحريض على أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
تم حجب مدى المعاناة الإنسانية الى حد ما بشكل كامل في اليمن لأن الأمم المتحدة توقفت عن التحديث لعدد القتلى المدنيين منذ يناير 2017, عندما وصل عدد القتلى إلى 10.000 الف شخص.
في حين أن عدد القتلى الفعلي أعلى بكثير، ولا تزال العديد من التقارير الإخبارية تعتمد على أرقام الأمم المتحدة التي عفا عليها الزمن.
في يونيو، أصدرت مجموعة مراقبة مستقلة، وهي مشروع بيانات الأحداث والمنازعات المسلحة, تقريراً جاء فيه بشكل مفصل ان هناك أكثر من 90000 الف حالة وفاة منذ بدء الحرب في عام 2015.
وفي أبريل أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً يحذر من أن عدد القتلى في اليمن قد يرتفع إلى 233.000 الف شخص بحلول نهاية عام 2019, وذلك أعلى بكثير من التقديرات السابقة.
ويشمل هذا الجزء الوفيات الناجمة عن القتال بالإضافة إلى 131.000 حالة وفاة غير مباشرة بسبب نقص الغذاء والأزمات الصحية مثل وباء الكوليرا والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في اليمن.
من الجانب الاخر الأسباب المعنوية للولايات المتحدة للمساعدة في إنهاء معاناة اليمنيين، لقد أضر الصراع أيضاً بالمصالح الأمريكية في المنطقة.
تسببت حرب اليمن في عدم استقرار جديد في الشرق الأوسط الكبير، وزادت التوترات بين الخصمين الإقليميين إيران والمملكة العربية السعودية.
يدعم السعوديون وحلفاؤهم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً, بينما تدعم إيران المتمردين الحوثيين الذين سيطروا على المدن الرئيسية في البلد في عام 2014.
في 14 سبتمبر، أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجمات على اثنين من المنشآت النفطية الرئيسية في المملكة العربية السعودية، قائلين إن الهجمات كانت ردا على القصف السعودي لليمن, لكن الزعماء السعوديين وإدارة دونالد ترامب ألقوا باللوم على إيران في الهجمات، دون تقديم أدلة مباشرة.
هدد ترامب بتنفيذ ضربات عسكرية وفرض عقوبات إضافية على طهران، بعد سحب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق الدولي الذي تم توقيعه في عام 2015 والذي حد من البرنامج النووي الإيراني.
من جانبها، سارعت الرياض بدعوة الخبراء الأمريكيين والأمم المتحدة للمساعدة في التحقيق في الهجمات على منشآتها النفطية.
ومن المفارقات, أن المسؤولين السعوديين رفضوا التعاون مع معظم التحقيقات الدولية التي تحقق فيما يتعلق بأفعالهم في اليمن، بما في ذلك تقرير الأمم المتحدة الأخير الذي وجد أن الرياض وحلفائها قد ارتكبوا جرائم حرب.
مثل التحقيقات السابقة التي أجرتها منظمات حقوق الإنسان والصحفيون، وثق تقرير الأمم المتحدة كيف اودى التحالف الذي تقوده الرياض بأرواح آلاف المدنيين جراء الغارات الجوية؛ وقام بتجويع اليمنيين عن عمد كتكتيك حرب, وفرض حصاراً بحرياً وجوياً على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون, هذا الحصار حد بشكل كبير من وصول المساعدات الإنسانية, كما وجد التقرير أن الحوثيين من المرجح قد ارتكبوا جرائم حرب من خلال زرع الألغام الأرضية، ونشر أساليب الحصار ضد عدة مدن، وتجنيد الأطفال والزج بهم في الحرب والقصف بطريقة عشوائية على المناطق الآهلة بالمدنيين.
على الرغم من سنوات التحذيرات من منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وتحقيقات الأمم المتحدة التي وثقت أدلة متزايدة على ارتكاب جرائم حرب في اليمن، واصل المسؤولون الأمريكيون- أولاً تحت إدارة باراك أوباما ثم تحت إداة ترامب- الموافقة على بيع الأسلحة للقوات السعودية والإماراتية.
أدرك المسؤولون الأمريكيون في اواخر عام 2016 أن كبار القادة السعوديين والإماراتيين لم يكونوا مهتمين بالحد من الوفيات بين المدنيين في اليمن، وفقاً لما قاله اثنان من أعضاء إدارة أوباما الذين أدلوا بشهادات أمام الكونغرس في أوائل مارس.
في حديثه إلى اللجنة الفرعية لمجلس النواب حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي، اوجز المسئولون السابقون – دافنا راند: نائب مساعد وزير الخارجية السابق، وجيريمي كونيينديك: المدير السابق لمكتب المساعدات الخارجية الأمريكية في حالات الكوارث- كيف ساعد المسؤولون الأمريكيون السعوديين في اختيار أهدافهم في اليمن، وأنشئوا قوائم “عدم القصف” وأرسلوا مدربين لتقليل الأذى في اوساط المدنيين.
وقال راند للجنة: “لقد توصلنا إلى استنتاج بحلول أواخر عام 2016 أنه على الرغم من وجود عدد كبير جداً من الجنرالات ذوي النوايا الحسنة والمهنية في وزارة الدفاع السعودية، إلا انه لم يكن هناك إرادة سياسية على أعلى المستويات لتقليل عدد الإصابات بين المدنيين.
نفذت الطائرات الحربية السعودية والحلفاء أكثر من 20.000 الف غارة جوية على اليمن منذ بدء الحرب، بمعدل 12 غارة يومياً، وفقاً لمشروع اليمن للبيانات.
وكانت فقط حوالي ثلث هذه الهجمات على أهداف عسكرية, كما قصف التحالف المستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد والمزارع والمصانع والجسور ومحطات الطاقة والمياه.
واحدة من أكثر الحجج الخاطئة المستمرة التي قدمها مسؤولو إدارة ترامب ضد الجهود الرامية إلى إنهاء تدخل الولايات المتحدة في اليمن هي أن السعوديين يحتاجون إلى الدعم والتدريب الأميركي لمنع المزيد من القتلى المدنيين.
لكن آخر تقرير للأمم المتحدة يكذب هذه الحجة، ويظهر أن السعوديين لم يجروا أي تحقيقات موثوقة حول هجماتهم على المدنيين أو اتخذوا تدابير كافية لتقليل الخسائر البشرية، حتى مع التدريب الأمريكي والبريطاني.
في الواقع، فإن نتائج الأمم المتحدة تعزز الكشف عن قضية بريطانية حديثة رفعها نشطاء مناهضون للحرب.
قضت محكمة استئناف بريطانية بأن مبيعات الأسلحة البريطانية للسعودية غير قانونية, وأظهرت الوثائق المقدمة خلال القضية أنه على الرغم من مزاعم الحكومة البريطانية، فقد وقع القصف السعودي للأهداف المدنية في غضون أيام بعد أن قدمت المملكة المتحدة التدريب للقوات الجوية السعودية.
وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة على ارتكاب جرائم الحرب، لا يزال ترامب يدعم بحزم محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الذي لا يرحم وهو مهندس حرب اليمن.
منذ أبريل، استخدم ترامب حق النقض (الفيتو) أربع مرات لمنع الكونغرس من سحب الدعم العسكري الأمريكي وإنهاء مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وحلفائها, ولم يستطع الكونغرس حشد ما يكفي من الأصوات لتجاوز حق النقض الخاص بترامب.
يجب أن يعطي أحدث تحقيق للأمم المتحدة والذي وجد أن الولايات المتحدة متواطئة في جرائم الحرب، زخما جديدا للأغلبية في الكونغرس التي تريد إنهاء التدخل الأمريكي في النزاع الكارثي.
* محمد بزي: أستاذ الصحافة بجامعة نيويورك، ورئيس مكتب الشرق الأوسط السابق في نيوزداي, وهو مؤلف كتاب :الحروب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران.
المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.