بقلم: عبد العزيز كيلاني

( موقع”لوبلوج” الامريكي, ترجمة: انيسة معيض-سبأ)

في ساعات الصباح الباكر من يوم 14 سبتمبر، كانت شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو هدفا لهجومين واضحين. وصرحت وزارة الداخلية السعودية في بياناً لها انه “في الساعة الرابعة من صباح يوم السبت، قامت فرق الأمن الصناعي في أرامكو بالعمل على إخماد الحريق الذي شب في اثنتين من منشآت الشركة في بقيق وخريص بعد أن استهدفتهما طائرات بدون طيار … وتم السيطرة على النيران الناجمة عن الهجوم  واحتوائهما وقد بدأت السلطات المختصة بالتحقيق في الحادث.

ينتج حقل خريص النفطي حوالي 1.5 مليون برميل من النفط يومياً. تقوم منشأة أرامكو في بقيق بإزالة الشوائب من الخام الحامض لتحويلها إلى خام عذب وتبلغ كامل طاقتها الإنتاجية حوالي 7 ملايين برميل يومياً. قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أن التأثير الذي نتج عن الضربات قد قلل من إنتاج النفط الخام بمقدار 5.7 مليون برميل يومياً، وهو ما يمثل أكثر من نصف إجمالي الإنتاج السعودي اليومي.

أعلن الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن الهجوم. وقال محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي للحوثيين، لـموقع لوبلوج أن هذه الضربات “تأتي في سياق حق الدفاع عن النفس”. وأشار إلى أنه عندما توقف السعودية عدوانها على اليمن، فإن جماعته ستتوقف فورا.

وقال البخيتي: “إن نجاح هذه العملية والخسائر الفادحة التي تكبدتها المملكة العربية السعودية تؤكد ما قلناه في الماضي، وهو أننا سنتوسع في ضرب العمق السعودي واستهداف منشآت أكثر أهمية وحساسية”. مؤكدين انه  ليس لدى الرياض خيار سوى مراجعة سياساتها والتوجه نحو السلام.

قد يكون الهجوم مثالاً آخر على تغير موازين القوى في اليمن. في بداية هذه الحرب في عام 2015, كان من غير المتصور أن يكون الحوثيون قد طوروا القدرة على تنفيذ هجمات على نطاق تلك التي قاموا بها مؤخراً. ولكن في هذه المرحلة، أصبح من الواضح أنه لم ينهار التحالف الذي تقوده السعودية فحسب، بل قام اليمنيون الحوثيون أيضاً بتحسين قدراتهم العسكرية والقتالية.

يجب ألا يكون توقيت هذا الهجوم مفاجئاً. لقد كان هناك تطور في الصراع فعندما يقوم التحالف بضربات كبيرة، يقوم الحوثيون من جانبهم بإطلاق النار. على سبيل المثال، يأتي هجوم يوم السبت بعد أسبوعين فقط من قيام التحالف بقيادة السعودية بمهاجمة سجن يديرها الحوثيون، مما أسفر عن مقتل 100 شخص.

حتى عندما كان الحوثيون ما زالوا يبنون قدراتهم العسكرية، كانوا قادرين على شن هجمات انتقامية. على سبيل المثال، بعد يوم من شن التحالف الذي تقوده السعودية هجوماً على صالة عزاء في صنعاء في أكتوبر 2016, قتل فيها أكثر من 140 وأصيب أكثر من 500 شخص، رد الحوثيون بإطلاق صاروخ باليستي على قاعدة الملك فهد العسكرية في منطقة خميس مشيط. لم يكن من غير المناسب بالنسبة لهم عدم الانتقام في هذه الحالة أيضاً.

ألقى مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، باللوم في هذه هجمات على إيران، وهو ما نفاه المسؤولون الإيرانيون. وقال: “تقف طهران وراء ما يقرب من 100 هجوم على المملكة العربية السعودية بينما يتظاهر روحاني وظريف بالمشاركة في الدبلوماسية.

في خضم كل الدعوات لوقف التصعيد، شنت إيران الآن هجوماً غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم. لا يوجد دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن.

أضاف بومبيو في تغريدة لاحقه: “ندعو جميع الدول إلى الإدانة العلنية والصريحة لهجمات إيران. ستعمل الولايات المتحدة مع شركائنا وحلفائنا لضمان استمرار تزويد أسواق الطاقة بإمدادات جيدة وإخضاع إيران للمساءلة عن عدوانها”.

تتضمن تغريدة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو القول إن إيران نفذت 100 ضربة على المملكة العربية السعودية تشمل هجمات الحوثيين بطائرات بدون طيار ضد البنية التحتية والمنشآت النفطية السعودية. على الرغم من أن الحوثيين متحالفون مع إيران، إلا أن ربط كل ضربة يقوم بها الحوثي بإيران يعزز رواية الحرب بالوكالة عن اليمن المنتشرة في واشنطن العاصمة، وقال الباحث صموئيل راماني، ويحمل الدكتوراه والمرشح في العلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني في جامعة أكسفورد، لموقع  لوبلوغ: “إنها تتجاهل حقيقة أن غارات الحوثي بدون طيار غالباً ما تُجرى كشكل من أشكال الانتقام جراء الغارات الجوية السعودية، وليس بناءً على طلب إيران”.

يوم الأحد ،قامت إدارة ترامب على زيادة الضغط من اجل قضيتها ضد إيران. وقال مسؤولو الإدارة الأمريكية إن الهجمات شنت من جهة الغرب والشمال الغربي، أي العراق أو إيران بدلاً من اليمن. وأشاروا إلى صور الأقمار الصناعية التي تبين 19 نقطة تم استهدافها في المنشآت النفطية. ومع ذلك، قال الجنرال المتقاعد مارك هيرتلينج لشبكة سي إن إن, إن الصور “لا تظهر أي شيء فعلياً، بخلاف دقة جيدة في قصف خزانات النفط”. ورد الأدميرال المتقاعد جون كيربي على هذه النقطة، قائلاً “لا يوجد شيء أراه في هذه الصور التي تؤكد الإطلاق من أي مكان معين … لقد صدمت بدقة الضربات. وممكن بالتأكيد بـ [المركبات الجوية غير المزوده بالملاحين]. لكن مرة أخرى ، هذا لا يؤكد حقاً أي شيء”.

وبعد ساعات من التحدث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان غرد دونالد ترامب في اليوم التالي من الهجماتً: “لقد تعرض النفط السعودي إلى الهجوم. هناك سبب للاعتقاد بأننا نعرف الجاني، المحمي وذو المال والفير بناءً على التحقق، لكننا ننتظر أن نسمع من المملكة حول من يعتقدون أنه السبب في تنفيذ هذا الهجوم، وبأي  حدود سنمضي قدماً!.

وقال واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، لموقع لوبلوج إن الهجوم لم يكن من العراق:”لقد أبلغت العراق الإدارة الأمريكية من خلال محادثة هاتفية جرت يوم الاثنين بين وزير الخارجية مايك بومبو ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي بأن هذه الطائرات لم تأتي من العراق”, إذ “يحاول العراق أن ينأى بنفسه عن التوترات ولكن الوضع في المنطقة صعب”.

ترامب، الذي جعل التقليل من الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط أولوية، قلل من حدة خطاب إدارته,  رغم أنه قال إن إيران قد تكون مسؤولة عن الهجوم، إلا أنه أشار إلى أنه لا يريد حرباً ويبدو أنه يضع مسؤولية الرد على السعوديين. “لم يكن هذا هجوماً علينا. لكن بالتأكيد سوف نساعد (السعوديين).

ومن المثير للاهتمام، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن “المسؤولين السعوديين قالوا إنهم لم يتوصلوا بعد إلى نفس النتيجة التي مفادها أن إيران كانت نقطة انطلاق للهجمات، وأشارت إلى أن المعلومات التي تبادلها الأمريكيون لم تكن نهائية.” وسواءً كان السعوديون يعتقدون ما يقال أو لا يقال، فما يستوحى أنهم أيضاً يترددون في نزاع عسكري مباشر مع إيران

جدد الحوثيون المسؤولية عن الهجوم, وقال المتحدث باسم الجيش الحوثي يحيى سريع في تغريدة، إن الهجمات على شركة أرامكو في بقيق وخريص في المنطقة الشرقية للمملكة نفذتها طائرات بدون طيار بمحركات عادية ونفاثة. وقال أيضاً إن المصانع لا تزال هدفاً ويمكن أن تتعرض للهجوم في أي لحظة.

كان الحوثيون أكثر نجاحاً في الوصول إلى أهداف داخل المملكة السعودية، بما في ذلك المطارات، خلال الأشهر القليلة الماضية. ومع ذلك، حتى الان يجب أن يكون هناك بعض الشك في أنه كان بإمكانهم القيام بهذه الهجمات على الموقعين السعوديين اللذين يبعدان أكثر من 1000 كيلومتر (621) ميل عن العاصمة اليمنية صنعاء. ومع ذلك، يرى محققو الأمم المتحدة أن الطائرة بدون طيار UAV-X الجديدة للمتمردين قد يصل مداها إلى 930 ميل (1500 كيلومتر)، وهذا يعني أن عملية مثل التي نفذت يوم السبت قد تكون في حدود قدراتهم.

كافح السعوديون لهزيمة الحوثيين وحماية أنفسهم من الهجمات الصاروخية اليمنية على الرغم من الزيادة الكبيرة في نفقاتهم الدفاعية. وفي أكتوبر، كتب بروس ريدل، زميل بارز في معهد بروكينجز، أنه في عهد الرئيس أوباما، “أنفقت الرياض أكثر من 110 مليارات دولار على الأسلحة الأمريكية، بما في ذلك الطائرات والمروحيات وصواريخ الدفاع الجوي.

كانت هذه الصفقات هي الأكبر في التاريخ الأمريكي و”في عام 2017, أفادت التقارير أن المملكة العربية السعودية أنفقت 69.4 مليار دولار على جيشها, في نوفمبر 2018, أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الرياض سوف تشتري نظام الدفاع الصاروخي التابع لشركة لوكهيد مارتن (LMT.N) الذي تبلغ قيمته 15 مليار دولار.

وعلى الرغم من هذه النفقات الضخمة وفشلهم الواضح في ان يحرزوا الغلبة في اليمن، فإن الرياض تطيل الحرب بدلاً من الاعتراف بفشلها في تحقيق أهدافها العسكرية, لقد أصبح من الواضح أنه لا يمكن حل الصراع اليمني إلا بالسبل السياسية.

قال إبراهيم جلال، باحث في الأمن والنزاع والدفاع اليمني  لموقع لوبلوج:”بالنظر إلى أنه لم تتمكن القوات اليمنية المدعومة من التحالف ولا الحوثيين من تحقيق نصر عسكري كامل قبل مقتل الرئيس علي عبد الله صالح في عام 2017, ينبغي ألا يكون السؤال هو ما إذا كانت الحرب في اليمن يمكن كسبها عسكرياً، وينبغي أن يكون السؤال هو: كيف ستبدو التسوية السياسية الشاملة للتفاوض التي من شأنها وضع حد للحرب وتمهيد الطريق للمصالحة الوطنية وبناء السلام المستدام؟

*عبد العزيز كيلاني كاتب بريطاني عربي. وهو أيضاً رئيس تحرير جريدة شرق وغرب الإلكترونية.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.