على حافة الغرق.. نازحو شاطئ غزة يواجهون البحر والشتاء بخيامٍ واهنة
السياسية - وكالات:
بين هدير البحر والمطر، يقف نازحو شاطئ غزة في مواجهةٍ يومية مع خطرٍ لا يرحم ، بعدما أُجبروا على النزوح بفعل هدم العدو الإسرائيلي منازلهم.
خيامٌ هشة تفصلهم عن أمواجٍ متقدّمة وسماءٍ مثقلة بالمطر، في مشهدٍ تختلط فيه صعوبة الطبيعة بمرارة النزوح القسري. هنا، لا يُقاس الشتاء بدرجات الحرارة، بل بمسافة الأمواج عن الخيام، وبعدد الليالي التي ينجو فيها الأطفال من الغرق.
على مقربة من شاطئ البحر غربي مدينة غزة، تقف "هيا خضر" أمام خيمتها تراقب تلاطم الأمواج، وتفكّر كيف يمكن لها أن تنجو بحياتها وأطفالها من مياه الأمطار والبحر معًا، في ظل تأثر القطاع بمنخفض جوي ماطر يزيد من قسوة المعاناة.
خضر، التي هُدم منزلها في منطقة الزرقا شمال قطاع غزة، لم تجد مأوى سوى خيمة لا تقوى على صدّ الرياح.
تقول لوكالة (صفا) الفلسطينية: “ما إن سمعنا بقرب منخفض جوي، حتى طلبت من زوجي إنشاء ساتر من أكياس الرمل مع حفر قناة تصريف بدائية، في محاولة لتجاوز خطر الغرق بمياه الأمطار وأمواج البحر معًا”.
وتضيف أن العائلة عاشت ثلاثة منخفضات سابقة على الشاطئ، غرقت خلالها الخيمة وتبللت الأغطية والفراش، وبقيت أيامًا تحاول تجفيف ما تبقى، قبل أن يفاجئهم منخفض جديد بالمأساة ذاتها.
“نعيش الشتاء ونحن نضع أطفالنا نصب أعيننا، نخشى أن تغرق أجسادهم الصغيرة بالماء، ونحاول جاهدين ألا يتكرر ذلك”.
ورغم تدعيم الخيمة وشدّ أوتادها، وسدّ الثقوب في الشادر، تؤكد خضر أن “الحياة على شاطئ البحر منعدمة”، مشيرة إلى أن الأمواج في المنخفضات السابقة تقدّمت وأغرقت خيامًا عديدة، وأن مستوى المدّ الشتوي فاجأ العائلات التي نصبت خيامها بعيدًا عن البحر خلال الصيف.
مشهد شاطئ غزة اليوم يختصر وجع النزوح بأقسى صوره؛ خيام ممزقة، رمال مبتلّة، وريح باردة لا تهدأ، فيما تتجدّد معاناة آلاف النازحين مع كل منخفض جوي، في ظل افتقار خيامهم لأبسط مقومات الحياة.
غير بعيد عن خيمة خضر، يحفر النازح عيد الهسي خندقًا حول خيمته بعمق يقارب المتر، محاولًا تصريف مياه الأمطار ومنعها من إغراق المأوى المؤقت.
يقول:“نحاول ألا نعيد الأيام القاسية التي عشناها في المنخفضات الأخيرة، حين غرقت الخيمة واضطررت لإرسال أطفالي إلى جدّهم خوفًا عليهم من أن تبتلعهم مياه البحر”.
ويضيف أن خيمته قريبة من الأمواج، ولم يجد مكانًا آخر ينصبها فيه، فكان شاطئ البحر ملاذه الوحيد، قبل أن يتحول مع كل منخفض إلى تهديد مباشر للحياة. “لا نعرف ماذا سيحصل معنا، حتى صوت الأمواج وحده يرعبنا، وكل أمرنا إلى الله”.
ومع حلول منخفض جديد، يضيف الهسي شادرًا آخر فوق خيمته، في محاولة أخيرة للصمود، بينما يبقى البحر أقوى من كل التحصينات البدائية.
ومع استمرار المنخفضات الجوية، تتفاقم مأساة نازحي شاطئ غزة، الذين يواجهون البرد والبحر بخيامٍ واهنة ووسائل محدودة.
وبينما يترقب الأطفال ليلة أخرى قد تحمل الغرق بدل الدفء، تتجدد الحاجة إلى تدخلٍ إنساني عاجل يوفّر مأوى آمنًا ومواد إغاثية تحمي الأرواح قبل فوات الأوان. فهنا، على حافة البحر، لم تعد المساعدة الإنسانية مطلبًا مؤجلًا، بل ضرورة ملحّة لإنقاذ ما تبقّى من حياة.

