شاهر أحمد عمير*

لم يأتِ السيدُ القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- من قصور السياسة ولا من مصانع القرار العالمي، بل خرج من قلب الأرض التي حاول العالَمُ أن يطمرَ صوتَها ويجعلها في هامش الجغرافيا والتاريخ، من شعبٍ أرادوا له أن يكون مُجَـرّد رقم ضعيف في معادلات القوى، لكنه تحوّل بصمود أبنائه وإيمانه إلى محور يربك حسابات الكبار.


جاء في زمن خانت فيه الأنظمة شعوبها قبل أن تخون قضايا الأُمَّــة، زمن أصبحت فيه الحقيقة عبئًا، والكرامة ترفًا، والحرية جرمًا، وصار الدفاع عن المقدسات مغامرة، بينما غدا الولاء للطغاة “حكمة سياسية” في ميزان الخنوع.

جاء السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في اللحظة التي بدت فيها الأُمَّــة وكأنها تعيش خريفها الأخير؛ خريف الهُوية والضمير والقيم الرسالية التي جعلت منها يومًا ما أُمَّـة شاهدة على الناس.

وحين باعت بعض الأنظمة العربية سلاحها وسيادتها وربطت مصيرها برضا المستكبرين، وحين أصبح المال السياسي معبودًا جديدًا، وجدت الشعوب نفسها أمام مأساة حضارية وأخلاقية تمتد جذورها إلى داخل البيت العربي والإسلامي، لا إلى عدو بعيد فقط.

في تلك اللحظة المظلمة ظهر صوت مختلف لا يساوم ولا يتاجر بقضية ولا يخضع لابتزاز سياسي أَو إغراء اقتصادي.

ظهر السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- ليقدّم نموذجًا قياديًّا استثنائيًّا في زمن الانهيار؛ نموذجًا يعيد تعريف القوة لا؛ باعتبَارها قدرةً على البطش فقط، بل ثباتًا على المبدأ، وصبرًا أمام التحديات، وإيمانًا عميقًا بقدرة الشعوب على النهوض مهما كانت الجراح، وإحياءً للأبعاد الروحية والأخلاقية في الصراع حتى لا يتحول إلى مُجَـرّد لعبة مصالح، بل يبقى مرتبطًا بالحق والعدل والكرامة.

وما يميّز السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- أنه لم يأتِ بمشروع سلطة مؤقتة، بل بمشروع هُوية ووعي وبناء إنسان.

خطابه ليس خطابًا سياسيًّا عابرًا، بل خطابٌ يعيدُ صِياغةَ العلاقة بين الإنسان ودينه، بين الأُمَّــة ورسالتها، بين الواقع الجريح والحلم الذي يجب أن يُستعاد.

لم يتحدث بلُغة الانكسار ولا بشعارات فارغة، بل قدّم للشعوب تفسيرًا أخلاقيًّا للصراع وتحليلًا واقعيًّا للأحداث، مع بُوصلة واضحة تشير إلى العدوّ الحقيقي: المشروع الصهيوأمريكي الذي يستهدف الإنسان في عقيدته وقيمه وكرامته وسيادته.

وفي ظل هذا المشروع القيادي تحوّل اليمنُ من مساحة كانت تُحسب دائمًا كمنطقة ضعف إلى مساحة تأثير وروح ملهمة لبقية شعوب الأُمَّــة.

لم يعد اليمن مُجَـرّد ساحة حرب، بل أصبح مدرسة في الصبر والثبات وربط الموقف السياسي بالهُوية الإيمانية، مدرسة جعلت من التضحية معنى ساميًا، ومن الصمود شرفًا، ومن الدفاع عن المستضعفين واجبًا دينيًّا وإنسانيًّا لا مُجَـرّد خيار سياسي.

السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- لم يواجه العدوّ الخارجي فقط، بل واجه أخطر منه: واجه الانكسار الداخلي الذي أصاب الأُمَّــة، وثقافة الاستسلام والتطبيع مع الظلم والتصفيق للجلاد.

حاول أن يعيد بناء النفس العربية والمسلمة من الداخل، أن يزرع فيها الثقة بقدرتها على الوقوف، وأن يذكّرها بأن الله لا يمنح النصر لشعوب فاقدة الإرادَة، بل لشعوب تؤمن وتتحَرّك وتصبر وتتحمّل.

لذلك صار بالنسبة للكثيرين سفينة نجاة في هذا الطوفان الحضاري والسياسي والأخلاقي؛ سفينة نوح في عصره، من ركبها ثبت على قيمه وهُويته وكرامته، ومن أعرض عنها اختار أن يضيع في عواصف الانهيار.

هذا الحضور القيادي ليس طارئًا ولا وليد لحظة، بل امتداد لمسار إيماني وتاريخي عميق، يثبت أن الأُمَّــة لم تمت وأن جذوة الإيمان لا تزال قادرة على الاشتعال متى وُجد القائد الذي يحسن قراءة اللحظة ويملك الشجاعة ليقول للباطل كلمة الحق، وللشعوب كلمة الأمل، ولله وحده الولاء الأكبر.

ولهذا لم يعد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- مُجَـرّد شخصية سياسية تُقاس بموازين الأرباح والخسائر، بل أصبح عنوانًا للكرامة، والاستقامة على المبدأ، وحضور الدين في الواقع لا كنصوصٍ تُتلى فقط.

صار شاهدًا على أن المستضعفين إذَا امتلكوا الوعي والإيمان قادرون أن يتحولوا إلى قوة تصنع المعادلة بدل أن يكونوا مُجَـرّد رقم فيها، وبذلك يظل حاضرًا في وعي الأُمَّــة كرمزٍ للثبات والإيمان واليقظة التاريخية، وكـ"سفينة نجاة" تحفظ للأُمَّـة ما تبقى من روحها وهُويتها وتمنحها اليقين بأن النهاية للحق مهما طال ليل الظالمين.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت