مكتب هيئة الأوقاف بتعز .. جهود استثنائية لترميم جامع الجند التاريخي
السياسية : استطلاع || هيثم اليوسفي*
تتواصل أعمال ترميم وتأهيل وصيانة جامع الجند التاريخي الذي بناه الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، تنفذها الهيئة العامة للأوقاف والإرشاد بمحافظة تعز، بالتنسيق مع هيئة الآثار، ضمن مسار حثيث لإحياء الدور التنويري للجامع والمعلم الإسلامي العريق.
واجه جامع الجند التاريخي، على مدى العقود الماضية، مخاطر تدهور وانهيار نتيجة التحديثات العشوائية التي طمست الكثير من هويته الأصيلة، ما حتم على قيادة الهيئة العامة للأوقاف والإرشاد ومكتبها في المحافظة لإعادة ترميمه وتأهيله وصيانته، بما يليق بمكانة الجامع ودوره التثقيفي والتوعوي والتنويري.
وتكللت الجهود المبذولة تحت شعار "عطاء مصان .. وإحسان مستدام"، بإشراف مباشر من قيادة هيئة الأوقاف والإرشاد في الاهتمام بالجوامع الأثرية والتاريخية، ومنها جامع الجند الذي أولت الهيئة ومكتبها أهمية استثنائية باعتباره أول جامع في تعز.
هوية إسلامية أصيلة
أوضح مدير مكتب الأوقاف والإرشاد بمحافظة تعز، محمد المليكي، أن أعمال الترميم والتأهيل والصيانة للجامع لا تستهدف معالجة الأضرار الظاهرة فحسب، إنما تمتد إلى استعادة الطابع الإسلامي الأصيل للبناء، بما يعيد للجامع مكانته التاريخية والدينية.
وأشار إلى أن فرق العمل اكتشفت خلال أعمال الحفر، مدافن قديمة تعود إلى عهد التأسيس في الجهة الشرقية، يجري ترميمها ومعالجة الأضرار التي لحقت بها نتيجة صاعقة رعدية ضربت الموقع مؤخراً.
وأكد المليكي، أن مسؤولية حماية الوقف مسؤولية مشتركة، داعياً الجميع إلى الحفاظ على الجوامع والمساجد وممتلكاتها الوقفية من أي عبث أو استحداثات مخالفة.
وعد الوقف بابًا من أبواب الرحمة الإلهية، وأي تصرّف يلحق ضرراً بالوقف يعد باطلاً، داعياً الجميع إلى التكاتف لحماية ممتلكات الوقف من الاعتداء والعبث، وتصحيح المفاهيم التي أدت إلى ضياع كثير من منافعه ومنع وصوله إلى المصارف الشرعية.
معمار تاريخي أصيل
يقع جامع الجند التاريخي في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة الجند، يعود تأسيسه إلى العام العاشر للهجرة، حين أمر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصحابي الجليل معاذ بن جبل ببنائه ليكون منارة للعلم والهداية.
حافظ الجامع على طرازه الإسلامي الأصيل لأكثر من 14 قرناً، ما يجعله أحد أبرز المعالم الدينية والتاريخية في اليمن والجزيرة العربية.
ترميم شامل
تتضمن أعمال الترميم الحالية معالجة العقود والجدران وصحن الجامع، وإزالة التلابيس الحديثة التي شوهت مظهره عبر الزمن، إلى جانب إعادة تأهيل قنوات تصريف المياه المدفونة التي تسببت في انتشار الرطوبة وإضعاف البنية الإنشائية.
ويجري تأهيل حمامات البخار التاريخية، وترميم الشذروان، ومعالجة الأضرار الهيكلية ضمن خطة متكاملة هدفها حماية الهوية المعمارية وتعزيز البنية الخدمية للجامع.
وأكد مدير مكتب الأوقاف بتعز، أن تلك الجهود تأتي ضمن توجهات الهيئة لإعادة تأهيل المساجد التاريخية وصون الهوية الدينية والحضارية اليمنية، معتبرًا جامع الجند رمزاً أثريًا وتاريخيًا وحضارياً بارزاً يستحق الرعاية والحماية.
اكتشافات أثرية
أكد مدير فرع هيئة الآثار - مشرف المشروع المهندس محمد الشميري، أن المرحلة الأولى من المشروع شملت بناء السور الخارجي للركن الشمالي الشرقي بعد أن ظل عرضة لخطر السقوط، وكشفت أعمال الحفر عن مدافن وجدران وأساسات قديمة، تجاوزت الحفريات فيها 600 متر مكعب، ليعاد ترميمها بالنمط التقليدي باستخدام مادة القضاض اليمني.
وأشار إلى أن الاكتشافات شملت أيضًا قناة مائية قديمة ممتدة من وادي خنوة بذي سفال كانت مهددة بالاندثار، جرى ترميمها.
وأفاد الشميري بأن الجامع تعرض لهبوط جزئي نتيجة غياب قنوات فعالة لتصريف المياه، ما استدعى فتح مجرى جديد يربط الحمامات بالقنوات الأصلية، وأسهم ذلك في معالجة نسبة كبيرة من الرطوبة.
ولفت إلى وجود بركة قديمة في الجهة الجنوبية كانت قد حُوّلت إلى غرفة مجاري بالخرسانة، ما تسبب في 90 بالمائة من أضرار الرطوبة، مبينًا أنه بفضل إشراف مكتب الأوقاف، ورفع الخطط الفنية، تم استخراج القنوات المدفونة وتنظيف 170 متراً من الجسور، والعثور على 15 غرفة بعمق يتراوح بين 3 إلى 4.5 متر، وأعيد بناؤها وتصحيح مسارات الصرف.
وبين أن الفرق بدأت بإزالة الخرسانة التي غطّت البركة التاريخية لإعادتها إلى طابعها الأصلي، إلى جانب إعادة تأهيل الحمامات بما يتوافق مع قيمتها التراثية.
استعادة الطابع المعماري
اعتبر مدير فرع هيئة الآثار الرواق الشرقي من أهم أجزاء الجامع، مشيراً إلى أن واجهاته تعرضت لتحديثات عشوائية أضرت بنمطه الأصلي.
وقال "خلال أعمال التكسير والتنظيف، تبين أن بعض الياجور القديم قد تفتت بالكامل، فتم ترميم العقود وتقوية قواعد الأعمدة الأسطوانية، إلى جانب تنفيذ أعمال دقيقة لمعالجة المنارة التي تعرضت لانهيارات سابقة".
وأكد المهندس الشميري، أن فريق الآثار اكتشف الواجهة الأصلية للجامع، وجدارٍ قديم مبني بالحجر المهندم المغطى بالقضاض، يعود إلى البناء الأول، إضافة إلى عمود من الياجور من العصر الأيوبي، وبقايا ساقية كانت تجمع مياه الأمطار من الأسقف.
وذكر أن الجامع تعرض سابقاً لأسوأ عملية تحديث شملت استبدال جدرانه الأصلية بأحجار مشقلبة، تمت إزالة تلك المخالفات وإعادة بناء الجدران بالقضاض، فيما تتواصل الأعمال لاستعادة مظهر الجامع التاريخي.
حماية الوقف
أشاد مدير فرع هيئة الآثار، بدعم هيئة الأوقاف والإرشاد ومكتبها بمحافظة تعز وتسهيله لمتطلبات المشروع، منوهًا بقرار مكتب الهيئة بإغلاق الحمامات الجنوبية وفتح الحمامات الشرقية، والذي أسهم في اكتشاف غرف المجاري القديمة وإعادة تفعيلها.
سبأ

