السياسية: تقرير//
بينما كان قطاع غزة ولا يزال يرزح تحت القصف الصهيوني وينتشل الشهداء من تحت الأنقاض، ظهرت معطيات جديدة تكشف وجها آخر من وجوه التواطؤ الإقليمي مع الاحتلال، إذ أفصحت قناة "نيوز 24" العبرية عن استمرار التحضيرات لإنشاء خط سكة حديد يربط ميناء حيفا في الأراضي المحتلة بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، في مشروع لم يتوقف رغم حرب الإبادة، بل تقدم بوتيرة متسارعة خلف ستار الدخان المتصاعد من غزة.
هذه المعلومات تعيد فتح ملف الدور الإماراتي الذي لم يعد يقتصر على التطبيع السياسي، بل تحول إلى شراكة اقتصادية ولوجستية مع الاحتلال في لحظة تُعد الأكثر دموية في تاريخ الفلسطينيين الحديث.
زيارة سرية تحت غطاء إعلامي خادع
التقرير الذي بثته القناة العبرية مساء الاثنين أوضح أن الأعمال المرتبطة بالمشروع واصلت التقدم منذ السابع من أكتوبر، وأن زيارة سرية قامت بها وزيرة النقل لدى الاحتلال ميري ريغيف إلى أبو ظبي نهاية الأسبوع الماضي كانت مخصصة لمناقشة ترتيبات المشروع، رغم أن الغطاء الإعلامي تحدث فقط عن مشاركتها في عرض جوي في دبي.
هذا الإخفاء لم يكن عبثيا، بل يعكس حساسية التوقيت ومحاولة تفادي إظهار الإمارات وكأنها تعمّق تعاونها مع الاحتلال بينما العالم يوثق جرائم الحرب والإبادة في غزة.
مسار تجاري يضع الاحتلال في قلب الخليج
المعطيات التي كشفتها القناة، تشير إلى تصميم الإمارات على الدفع بالمشروع ليصبح جزءاً من شبكة تجارة إقليمية تبدأ من ميناء موندرا في الهند، ثم تنقل البضائع بحراً إلى الإمارات، قبل أن تعبر سككاً حديدية عبر السعودية والأردن وصولاً إلى ميناء حيفا المحتل، ليعاد تصديرها إلى أوروبا وأسواق أخرى. وفق هذه الهندسة يصبح الاحتلال مركزا محوريا في حركة التجارة الخليجية، ويتحول ميناء حيفا إلى منفذ إقليمي رئيسي بدعم إماراتي مباشر.
هذا التحول لا يحمل فقط دلالات اقتصادية، بل يعيد رسم خرائط الممرات التجارية والطرق الاستراتيجية في الشرق الأوسط بطريقة تجعل الاحتلال داخل الجسد الاقتصادي العربي، لا على أطرافه.
امتداد لمشروع أمريكي أوسع لإعادة تشكيل المنطقة
التقرير أشار أيضا إلى أن المشروع امتداد لفكرة “طريق السلام” التي طرحتها الولايات المتحدة عام 2018، ثم توسعت لاحقاً لتصبح ممرّا اقتصاديا يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، بحيث يتضمن إضافة إلى التجارة مرور كابلات الاتصالات وخطوط أنابيب الطاقة. هذه التفاصيل تكشف أن المشروع ليس مجرد مسار نقل بضائع، بل رافعة هندسية لبناء نفوذ استراتيجي يمنح الاحتلال دور الوسيط القسري في كل ما يتدفق عبر المنطقة، من التجارة إلى البيانات إلى الطاقة.
هنا تظهر أبو ظبي ليس فقط ككيان مطبع، بل كذراع تنفيذي لمشروع جيوسياسي أوسع يعيد تشكيل المنطقة وفق مقاسات مصالح الاحتلال والولايات المتحدة.
سباق دولي لإقصاء الاحتلال والإمارات في خط الدفاع عنه
اللافت في التقرير أيضا هو ما ورد بشأن مخاوف الاحتلال من مساع فرنسية وتركية لإقصائه من المشروع عبر الدفع باتجاه مسار بديل يبدأ من الأردن ويمر عبر سوريا وصولا إلى ميناء لبناني، بحيث يتجاوز الأراضي المحتلة بالكامل. ووفق القناة، فإن هذه المعلومات دفعت الوفد الذي قادته ميري ريغيف إلى مغادرة أبو ظبي بسرعة. هذا يشير إلى أن المشروع بات جزءا من تنافس دولي وإقليمي على التحكم في خطوط الإمداد، وأن الإمارات تلعب دورا حاسما في ترجيح كفة الاحتلال داخل هذا الصراع.
السعودية بين الانتظار والتهيئة للتطبيع عبر الاقتصاد
ورغم أن تنفيذ الخطة لا يزال بحاجة إلى موافقة سعودية رسمية، إلا أن مصادر عبرية نقلت توقعات قوية بأن هذا القبول سيأتي في المستقبل القريب، ما يعني أن المشروع قد يتحول إلى ممر قاري جديد يفتح الباب أمام اندماج اقتصادي بين الرياض والاحتلال من بوابة النقل والتجارة، لا من بوابة الإعلان السياسي المباشر. في هذه الحالة يصبح التطبيع مسارا متدرجا يبدأ من سلاسل الإمداد قبل أن يصل إلى العلن الدبلوماسي.
خاتمة تكشف المفارقة الأخلاقية الفاضحة
السياق الأخلاقي هنا لا يمكن تجاهله. ففي الوقت الذي كانت فيه الأمم المتحدة تتحدث عن كارثة إنسانية، والمنظمات الحقوقية توثق المجازر، كانت الإمارات تمضي في مشروع يعزز مكانة الاحتلال ويكرّسه داخل المنطقة.
هذا التناقض يطرح أسئلة حول طبيعة الأولويات التي تحكم السياسة الإماراتية، وحول مدى استعداد أبو ظبي للتضحية بصورة العالم العربي في مقابل الحصول على مكانة داخل المعادلات الاقتصادية الجديدة.
وبهذا يكشف التقرير أن الإمارات لم تعد مجرد دولة مطبّعة، بل منصة لتطبيع الاحتلال اقتصاديا، وتمهيد الطريق لمنحه عمقا جغرافيا داخل النظام الإقليمي، بينما الدم الفلسطيني لم يجف، ما يجعل الخبر ليس مجرد كشف صحفي، بل وثيقة إدانة لمشهد عربي يهتز تحت وقع الإبادة، بينما بعض العواصم تفتح السكك والجسور نحو يافا "تل أبيب".
* المادة نقلت من موقع "تطبيع ميتر"