محمد محسن الجوهري*

على مدار عقودٍ طويلة، عملت الصهيونية العالمية بكل ما أوتيت من نفوذ على إبقاء الأمة الإسلامية في حالة خمولٍ ذهني وتشرذم سياسي، لأن أي يقظةٍ حقيقية في الوعي الجمعي الإسلامي كفيلة بأن تُسقط مشروعها من جذوره. هذه الصحوة التي تبدأ بالوعي وتنتهي بالفعل هي أخطر ما يمكن أن يواجه العدو، إذ لا يمكن للنظام الاستعماري أن يستمر في ظل نهضة أخلاقية وثقافية وسياسية تؤمن بحقها وتعرف عدوها وتحدد بوصلتها بوضوح.

لقد راهن الكيان لسنوات على تفتيت الهوية العربية والإسلامية تحت ذرائع القومية والطائفية والتحرر الزائف، معتقدًا أن هذا التمزق سيفسح له المجال للتمدد دون مقاومة. لكنّ المشهد الذي بات يطل برأسه اليوم يفضح فشل تلك الرهانات، فكلما ازداد القمع وارتفعت وتيرة الإبادة في فلسطين، زاد معها سؤال الوعي في أذهان الشعوب الإسلامية: من المستفيد؟ ولماذا يُقتل المسلم أينما وقف ضد الهيمنة؟ وما سر الإجماع الدولي على معاقبة المقاوم ومكافأة الجلاد؟

إنّ الصحوة الإسلامية هي تلك التي تؤمن بالقرآن الكريم ومن خلاله تقيم الواقع وتعرف العدو من الصديق، وهذا كفيل بخلق تحوّل معرفي عميق يعيد للأمة ثقتها بذاتها ويكشف حقيقة مشاريعها المضادة. ولهذا تحديدًا ترتعد المؤسسات الصهيونية كلما لاح صوتٌ قرآني يستعيد سردية الحق في فلسطين ويُبطل سردية الاحتلال، لأن الصراع في جذوره فكري قبل أن يكون عسكريًا، وما دامت عقول المسلمين نائمة، ظل العدو آمنًا في كيانه المصطنع.

ومن هنا نفهم حجم الهجمة الإعلامية على كل من يحمل خطاب وعي قرآني أو يقاوم ثقافة الاستسلام، إذ باتت المنابر الصهيونية تدرك أن الكلمة التي توقظ الجماهير أخطر من الرصاصة. ولعل ما نراه من محاولات شيطنة كل حركة تحرر في العالم الإسلامي ليس إلا خوفًا من تسلسل الوعي وانتقاله عبر الحدود السياسية التي صنعها الاستعمار كي يفصل جسد الأمة الواحد.

واللافت أن هذه الصحوة لا تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل تمتد إلى مجالات الاقتصاد والثقافة والهوية، فكلما أدركت الشعوب أن قوتها في استقلالها الحضاري والروحي، انكمش المشروع الصهيوني القائم على إضعاف العالم الإسلامي وتغذيته بالصراعات.

وبينما يستنفر العدو أدواته الإقليمية لصناعة الفوضى في السودان واليمن وسورية وليبيا، فإن ذلك ليس إلا محاولة يائسة لإغراق الوعي الإسلامي بالمآسي وإقناعه بأن قضيته الأساسية ليست فلسطين. والمفارقة أن هذه الجرائم نفسها صارت وقودًا للصحوة، لأن الشعوب باتت تدرك الترابط بين يدٍ تقتل في غزة وأخرى في الفاشر وثالثة في عدن، فالفاعل واحد والهدف واحد.


إنّ أكثر ما تخشاه الصهيونية اليوم ليس فصيلًا مسلحًا ولا جيشًا نظاميًا، بل تخاف من فكرة تعود إلى الشارع الإسلامي تقول: فلسطين ليست قضية دولة أو فصيل، بل قضية أمة. فإذا عادت هذه الحقيقة للوعي الشعبي، وارتفعت الأصوات من جاكرتا حتى طنجة، فلن تجد الآلة الإعلامية ولا السياسية ما يغطي على حقيقة الاحتلال وجرائمه.

وما إن تتجذر هذه الصحوة حتى تسقط أوهام التطبيع وتتهاوى أساطير الردع العسكري وينعدم مفعول الخداع الثقافي. وفي اللحظة التي يستعيد فيها المسلم ثقته بقدراته ينهار البناء النفسي الذي يقوم عليه الكيان، لأن مشروعه في جوهره قائم على إقناع ضحاياه بأنهم عاجزون. فإذا تلاشى هذا الوهم انهار كل شيء.

إن الصحوة الإسلامية مسار تاريخي يُعاد تشكيله اليوم أمام أعين العالم جوهره القرآن الكريم الذي عرف لنا حتى نفسية العدو ووسائل كسره. وكلما قاوم الكيان هذه اليقظة، ازداد انكشافه أمام الإنسانية. ولعل الأيام المقبلة ستبرهن أن الشعوب حين تصحو تصبح أقوى من الحكومات وأصدق من الإعلام وأعمق من الدعاية؛ وأن الأمة التي تعرف اتجاهها لا تُهزم.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب