غزة.. صوتُ الحق في مواجهة الظلم وتحوُّل الوعي العالمي
د. شعفل علي عمير*
على الرغم من انعدام الضغوطِ من الشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ، إلا أنَّ تأثير تظاهُراتِ الشعوبِ الغربيةِ كان له وَقْعٌ عميقٌ في فضحِ الجرائمِ التي يرتكبها الاحتلال الصهيونيُّ في غزة، ودفعه -بالتالي- إلى الانخراط في مفاوضاتٍ مع حركات المقاومة.
في إطار هذا التحولِ في السياسةِ الأمريكيةِ والصهيونيةِ، الذي جاء نتيجةَ تحَرّك جماعيٍّ للشعوبِ الغربيةِ وقطاعاتٍ من اليسارِ العربيِّ، يتبيَّن أنَّ الشعوبَ قادرةٌ على إحداثِ فارقٍ حقيقيٍّ، وأنَّ الصوتَ الجماعيَّ بات وسيلةً فعّالةً في التصدّي للظلم.
إنَّ كفاحَ غزةَ يُسلّطُ الضوءَ على أهميّة الجهودِ الراميةِ إلى تحقيقِ حلولٍ عادلةٍ ودائمةٍ للقضيةِ الفلسطينيةِ، وهذا يتطلّب إرادَة دوليةً حقيقيةً تُدركُ خطورةَ المعاناةِ الإنسانيةِ.
لذا، تبقى غزة -رغمَ جراحِها وأوجاعها- تُنادي بإعادة تقييمِ الأولوياتِ على الساحةِ الدوليةِ؛ مِن أجلِ إرساءِ السلامِ والعدالةِ والأمنِ في المنطقة، مُؤذنةً بجيلٍ جديدٍ يُبرزُ الوعيَ والنشاطَ في النضالِ؛ مِن أجلِ حقوقِ الإنسان.
فالدماءُ التي أُريقَت في غزة ليست فداءً لها فحسب، بل كانت دليلًا على وحشيةِ وهمجيةِ الاحتلال، لتُظهرَ للعالمِ حقيقةَ هذا الكيانِ.
إنَّ قولَ الرئيسِ الأمريكيِّ دونالد ترامب: "إنَّ (إسرائيل) لا تستطيعُ محاربةَ العالم" يُعبّرُ عن التحوّلِ الكبيرِ في الوعيِ العالميِّ حيالَ القضيةِ الفلسطينيةِ، وما يُجسِّده الاحتلال من أزمة إنسانيةٍ وأخلاقيةٍ.
حتى الدولُ التي كانت تُعَدُّ حليفةً للكيانِ الصهيونيِّ اعترفت بأنَّ الاحتجاجاتِ العالميةَ والضغطَ الدوليَّ قد أصبحا عاملين لا يمكن إغفالهما في مواجهةِ الإبادة الجماعيةِ التي يتعرّضُ لها الشعبُ الفلسطينيُّ.
إنَّ السياساتِ الصهيونيةَ المعتمدةَ على القوةِ دونَ اعتبار للأبعادِ الإنسانيةِ بدأت تواجهُ تحدياتٍ غيرَ مسبوقةٍ، وقد أضحت وسائلُ الإعلامِ الحديثةُ -ولا سيما منصّاتُ التواصلِ الاجتماعيِّ- دافعًا قويًّا لتغييرِ الرأيِ العامِّ العالميِّ.
لم يَعُد بالإمْكَان إخفاء انتهاكاتِ حقوقِ الإنسان أَو تجاوزُ معاناةِ سكانِ غزةَ اليوميةِ.
أصبحت الصورُ الحيّةُ والشهاداتُ المباشرةُ جزءًا من وعيِ الجماهيرِ؛ مما أَدَّى إلى تأثير كبيرٍ لا يمكن تجاهلُه.
وهنا يكفي أن نقولَ إنَّ صبرَ ومقاومةََ أهلِنا في غزةَ قد حوّلا الكَيانَ الصهيونيَّ إلى كيانٍ يُنبَذُ عالميًّا.
ترامب، الذي كان يعتزُّ بإنجازاتِه الدبلوماسيةِ، وجد نفسَه مضطرًّا للاعتراف بأنَّ العالمَ لن يبقى مكتوفَ الأيدي إزاء ما يحدث.
بدأ الدعمُ الأمريكيُّ التقليديُّ للكيانِ يُعيدُ تقييمَ نفسه، ليس فقط من منظورِ تغيّرِ القيمِ، بل نتيجةً لضغوطِ الرأيِ العامِّ العالميةِ التي أصبحت تُدرِكُ أنَّ السلامَ الحقيقيَّ لا يمكن تحقيقُه دونَ الاعتراف بحقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ واستعادة حقوقِه المغتصبةِ.
وفي خضمِّ هذا الوضعِ، تُدرِكُ الشعوبُ قدرتَها على إحداثِ فرقٍ، وأنَّ الصوتَ الجماعيَّ بات أدَاة فعّالةً في مواجهةِ الظلمِ والطغيانِ.
من الواضحِ أنَّ غزة، بطرُقٍ مختلفةٍ، قد جعلت العالمَ كلَّه يناضلُ ضدَّ كيان الاحتلال، ليس بالصورةِ التقليديةِ للصراعِ، بل من خلالِ الجهودِ المُستمرّةِ والدعواتِ المتواصلةِ لتحقيقِ حَـلّ عادلٍ ودائمٍ للقضيةِ الفلسطينيةِ.
إنَّ التحدياتِ التي تواجهُها غزة لا يمكن حلُّها دونَ إرادَة دوليةٍ حقيقيةٍ تُدرِكُ المخاطرَ الإنسانيةَ والمعاناةَ اليوميةَ لشعبِها.
تظلُّ غزة -رغمَ آلامِها- تدعو إلى إعادة التفكيرِ في ترتيبِ الأولوياتِ على الساحةِ الدوليةِ، لتحقيقِ السلامِ والعدالةِ والأمنِ في المنطقة.
من خلالِ دروسِ التاريخِ، لا يمكن الاعتماد على أنَّ العدوّ الصهيونيَّ سيخضَعُ لضغوطِ الشعوبِ الحرّةِ في العالم، فهو معروفٌ بعداوتهِ للإنسانيةِ ولكلِّ ما يُمثّلُ القيمَ الإنسانيةَ، مما يستوجبُ التحلّي بالحذرِ من استمرار نهجِهِ العدوانيِّ.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت

