مبارك حزام العسالي*

خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية، شهد العالم جملة من التطورات المتسارعة التي تعكس حجم الاضطراب في المشهد الدولي، وتكشف عن تغيّرات جذرية في موازين القوى والصراعات. هذه التطورات الأربعة، وإن بدت متفرقة جغرافيًا، إلا أنها ترتبط بخيط واحد: تحولات عميقة في السياسة الدولية، تنذر بصدامات غير مسبوقة.

1- كولومبيا تعلن التعبئة ضد الكيان الصهيوني

في خطوة مفاجئة وصادمة لواشنطن، أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عن فتح باب التطوع للقتال ضد الكيان الصهيوني من أجل تحرير فلسطين، مؤكّدًا أنه سيكون أول المسجلين.
ولم يكتفِ بذلك، بل شارك في مظاهرة مناهضة للكيان في قلب نيويورك مرتديًا الكوفية الفلسطينية، وألقى خطابًا ناريًا دعا فيه الجنود الأمريكيين إلى عدم الانصياع لأوامر الرئيس ترامب "التي تدفعهم لارتكاب جرائم بحق المدنيين"، مطالبًا إياهم بالإنصات لصوت الإنسانية.
الرد الأمريكي جاء سريعًا وحادًا: السلطات ألغت تأشيرته نهائيًا وأعلنت أن ذلك إجراء انتقامي بسبب "تحريضه ضد الدولة والجيش". لكن بيترو صعّد الموقف أكثر، فأعلن أن بلاده ستوقف شراء السلاح الأمريكي، وستتجه إلى روسيا والصين وتركيا، في سابقة تاريخية تُخرج كولومبيا – الحليف التقليدي لواشنطن في أمريكا اللاتينية – من العباءة الأمريكية.

2- خطة أمريكية لوقف حرب غزة

أمام هذا الضغط الدولي والعزلة المتفاقمة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة متكاملة لوقف إطلاق النار في غزة، تضمنت 21 بندًا أبرزها:

إطلاق سراح جميع الرهائن خلال 48 ساعة.

مقابل ذلك، تفرج تل أبيب عن مئات الأسرى الفلسطينيين.

انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة بالكامل.

وقف عمليات ضم الضفة الغربية.

إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا لإنهاء المجاعة.

تشكيل إدارة انتقالية تكنوقراطية (من دون حركة حماس) لإدارة القطاع، تمهيدًا لقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

المفاجأة أن حركة حماس وافقت على الخطة وألقت الكرة في ملعب نتنياهو، الذي يُرجّح أن يرفضها خشية أن يُنظر إلى ذلك كاعتراف صريح بهزيمة "إسرائيل" في الحرب، الأمر الذي قد يؤدي إلى سقوط حكومته ومحاكمته بتهم الفساد وجرائم الحرب.
وفي خطابه أمام الأمم المتحدة، تجاهل نتنياهو الحديث عن الخطة، وبدلًا من ذلك أعاد خطاب "محور الشر الإيراني" و"الحرب مع الإسلام"، لكن المفارقة أن معظم الوفود انسحبت من القاعة، في مشهد وصفته الصحافة العالمية بأنه "تأكيد على انهيار صورة إسرائيل عالميًا".
أما دوافع ترامب لطرح الخطة، فترتبط بهدفين رئيسيين:

محاولة استعادة جزء من شعبيته قبل انتخابات منتصف المدة عام 2026.

التفرغ لملف آخر أشد خطورة: التحضير لغزو عسكري محتمل لفنزويلا.

3- بوادر غزو أمريكي لفنزويلا

خلال اليومين الماضيين، نشرت البحرية الأمريكية أسطولًا ضخمًا في البحر الكاريبي قبالة سواحل فنزويلا، يضم ثماني سفن حربية وغواصة نووية. ورغم أن التبرير المعلن هو "محاربة شبكات تهريب المخدرات"، إلا أن الهدف الحقيقي – بحسب مراقبين – هو السيطرة على أكبر احتياطي نفطي في العالم ومنع فنزويلا من تصديره إلى روسيا أو الصين.
الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو رد بإعلان حالة طوارئ شاملة، داعيًا المدنيين للتدريب على السلاح والانخراط في تشكيلات "الميليشيا الشعبية" للدفاع عن البلاد، مع تجهيز المدارس والمستشفيات كملاجئ ومراكز طوارئ. وأكد أن أي ضربة أمريكية ستُعتبر إعلان حرب مباشر، وهو ما قد يفتح الباب أمام تدخل روسي استنادًا إلى اتفاقيات الدفاع المشترك بين موسكو وكاراكاس.

4- أوكرانيا وتكتيكات "العملية الخداعية"

على الجبهة الأوروبية، تتراجع القوات الأوكرانية بشكل متسارع أمام الروس، ومع عجزها عن الصمود، بدأت تقارير أوروبية تتحدث عن نية كييف تنفيذ عمليات "راية كاذبة" (False Flag) تهدف إلى جرّ الناتو إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.
وبحسب هذه التقارير، يجري تجهيز طائرات مسيّرة روسية استولى عليها الجيش الأوكراني سابقًا، لتحميلها بالمتفجرات وتوجيهها نحو قواعد للناتو في بولندا ورومانيا، بحيث يظهر الأمر كأنه هجوم روسي مباشر.
هذا السيناريو يزداد خطورة مع وقوع هجمات مجهولة المصدر مؤخرًا على مطارات في أوسلو وكوبنهاغن، نفت موسكو أي علاقة لها بها. المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أكدت بدورها أن "أوروبا لم تكن يومًا بهذا القرب من حرب عالمية ثالثة كما هي الآن".

ختامًا.. المشهد العالمي يتغير بسرعة غير مسبوقة: رئيس كولومبيا يتحدى واشنطن والكيان الصهيوني، أمريكا تُعيد حساباتها في غزة لتفتح جبهة جديدة في فنزويلا، نتنياهو يترنح سياسيًا وأخلاقيًا، وأوكرانيا تبحث عن طوق نجاة ولو عبر إشعال حرب عالمية.. الساعات القادمة قد تحمل تحولات أعمق.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت