السياسية - تقـــرير :

لم تكن الصدمة المروعة التي تلقاها الدكتور محمد أبو سليمة مدير مجمع الشفاء في غزة، باستقباله 5 جثامين لعائلته في المستشفى الذي يديره، هي الأولى من نوعها، ولا حتى الأخيرة، فقد سبق أن فُجعت طبيبة الأطفال الفلسطينية، آلاء النجار، بوصول جثامين 9 من أطفالها إلى مجمع ناصر الطبي.

"في كل بيتٍ طبيبٌ فقد عائلته، وفي كل مشفى كادرٌ يعمل بيدٍ ويُشيّع أحبته بالأخرى. إنها حرب لم تكتفِ بقتل الجرحى تحت القصف، بل سعت إلى إطفاء آخر بصيص أمل للنجاة".

يأتي حادث استهداف عائلة الدكتور أبو سلمة، ضمن سلسلة استهدافات ممنهجة للمدنيين في مدينة غزة، التي تشهد قصفًا عنيفًا وأحزمة نارية وتفجير ابراج ومبان سكنية منذ عدة ايام، مما أدى إلى سقوط مئات الشهداء معظمهم من الأطفال والنساء.

الكوادر الطبية

يعيش الأطباء في غزة تحت ضغط نفسي هائل بين الخوف على أسرهم ومحاولتهم إنقاذ الأرواح علاوة على ما يعانوه تحت ويلات القصف والاعتقال والتعذيب، وما يفقدوه من أرواحهم منذ بدء العدوان.

وأكدَّ مدير عام وزارة الصحة بغزة، منير البرش، أن العدو الاسرائيلي قتل 1723 من الكوادر الطبية منذ بداية الحرب.

وللاقتراب أكثر من صورة معاناة الكوادر الطبية في القطاع المحاصر؛ كشف مركز فلسطين لدراسات الأسرى، وهو مركز مستقل مقره بيروت، الأحد، أن قوات العدو الإسرائيلي اعتقلت أكثر من 360 من الكوادر الطبية والصحية في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، مشيرًا إلى استشهاد أربعة منهم داخل السجون نتيجة التعذيب والإهمال الطبي.

وأضاف المركز، في بيان، أن سلطات العدو الإسرائيلي لا تزال تحتجز نحو 3500 أسير من القطاع، بينهم عشرات العاملين في المجال الصحي، من أطباء ومسعفين وإداريين، على رأسهم مدير مستشفى كمال عدوان شمال غزة الدكتور حسام أبو صفية، والدكتور محمد عبيد، رئيس قسم الجراحات الترميمية وجراحة العظام، والدكتور محمد ظاهر من المستشفى ذاته.

وأشار البيان إلى أن قوات العدو اقتحمت عدداً من المستشفيات خلال عملياتها العسكرية، منها مستشفيات "كمال عدوان" و"الشفاء" و"الإندونيسي" و"العودة" و"ناصر"، حيث تم اعتقال بعض المرضى والعاملين في المجال الطبي وإخلاء أقسام كاملة. كما اعتُقل مسعفون أثناء أداء مهامهم في إنقاذ الجرحى ونقلهم بسيارات الإسعاف.

ولفت المركز إلى أن من بين الكوادر الطبية الذين استشهدوا داخل السجون: الدكتور عدنان أحمد البرش، رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، والدكتور إياد الرنتيسي، رئيس قسم الولادة في مستشفى كمال عدوان، إضافة إلى المسعف حمدان حسن عناية من خان يونس، والممرض زياد محمد الدلو من مستشفى الشفاء.

وشدّد المركز على أن استهداف العاملين في القطاع الصحي يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والاتفاقيات الإنسانية التي تحظر استهداف الطواقم الطبية أثناء النزاعات.

بدوره، وصف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، المشهد بأنه "انتهاك صارخ لمبدأ الحياد الطبي".

وأوضح أن "استهداف الأطباء وعائلاتهم يرتقي إلى جريمة حرب، ويقوّض القدرة على تقديم الرعاية الصحية لمئات الآلاف من المدنيين".

وأكدَّ أن العدو دمّر أو استهدف مئات المنازل التابعة للطواقم الطبية، ما أسفر عن آلاف الشهداء وتهجير العاملين الصحيين، الأمر الذي أدى إلى انهيار كبير في الخدمات الطبية.

وأطلق الهلال الأحمر الفلسطيني، خلال مايو، نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي بضرورة توفير الحماية الفورية للطواقم الطبية والإغاثية العاملة في الأراضي الفلسطينية، في ظل التصاعد الخطير في استهداف العاملين بالمجال الإنساني.

فيما أكدّ المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، كاظم أبو خلف، أن الكوادر الطبية في قطاع غزة تعمل تحت ضغط شديد، في ظل نقص حاد بالأدوية والمستلزمات الطبية، إضافة الى انقطاع الكهرباء وشح الوقود اللازم لتشغيل الأجهزة والمعدات الطبية في المستشفيات.

وقال "إذا تركت غزة في هذا الوضع، فإننا نواجه كارثة إنسانية لن تمحى آثارها لعقود".

المنظومة الصحية

إلى ذلك، حذّر مدير عام وزارة الصحة في القطاع، البرش، اليوم الثلاثاء، من توقف كامل للمستشفيات خلال 48 ساعة نتيجة النقص الحاد في الوقود.

وأكد البرش، أن التوقف ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، موضحًا أن الكيان دمّر أو عطّل 38 مستشفى منذ بدء الحرب، ولم يتبق سوى 13 تعمل بشكل جزئي وسط عجز عن تلبية احتياجات آلاف المرضى والجرحى، وفقا لوكالة "شهاب" الفلسطينية.

وفي سياق استمرار الاستهداف الإجرامي الممنهج، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الاثنين، خروج مستشفى الرنتيسي للأطفال ومستشفى العيون عن الخدمة جراء الاستهداف الصهيوني المستمر لمحيط المستشفى، بالإضافة إلى تدمير مركز صحي للإغاثة الطبية في مدينة غزة.

وأشارت الوزارة، في بيان إلى أن مستشفى الرنتيسي تعرض للقصف المباشر قبل أيام مما ألحق أضرارا جسيمة به، وأن مستشفى العيون هو المستشفى العام الوحيد الذي يقدم خدمات العيون في محافظة غزة، وكذلك مستشفى الرنتيسي بما يحتويه من خدمات لا تتواجد إلا في هذا المستشفى.

وكمثال صارخ على معاناة المنظومة الصحية اليومية على امتداد القطاع، حذر مدير جمعية الإغاثة الطبية في قطاع غزة، محمد أبو عفش، اليوم الثلاثاء، من وقوع كارثة صحية نتيجة نقص الوقود في مستشفيات القطاع.

وأشار أبو عفش في تصريح لـ"القاهرة الإخبارية"، إلى أن الوضع الإنساني في القطاع يتفاقم بشكل كبير منذ أكثر من 14 يوماً بسبب منع العدو الإسرائيلي إدخال المستلزمات الطبية والأدوية ووقود السولار إلى غزة.

كما أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، اليوم الثلاثاء، عن توقف محطة الأكسجين في مستشفى القدس التابع لها بحي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، بعد تعرضها لإطلاق نار من قوات العدو الإسرائيلي.

وأوضحت الجمعية، في بيان، أن المستشفى بات يعتمد على أسطوانات أكسجين معبأة مسبقًا تكفي لثلاثة أيام فقط، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المرضى، وفقا لوكالة "وفا" الفلسطينية.

وبحسب إحصاءات فلسطينية، استهدف جيش العدو الإسرائيلي 162 مؤسسة صحية، و136 سيارة إسعاف.

وبيّن تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن 94 بالمئة من مستشفيات غزة تضررت.

ودعت المنظمة بشكل عاجل إلى رفع الحصار المفروض على المعونات، وحماية الرعاية الصحية، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق عبر غزة، والاستئناف الفوري لعمليات الإجلاء الطبي اليومية والوقف الفوري لإطلاق النار.

كما أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، مستهل أغسطس، عن صدمته البالغة وغضبه الشديد إزاء استمرار استشهاد العاملين في مجال الطوارئ والإغاثة الإنسانية في قطاع غزة، نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع .

وقال المكتب في منشور عبر حسابه على منصة "إكس": إن "جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف، يوم 3 أغسطس، منشأة تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ما أسفر عن استشهاد أحد الموظفين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح".

وأشار إلى أن الحصيلة الإجمالية حتى تاريخه بلغت49 شهيدًا من طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، و136 شهيدًا من عناصر الدفاع المدني، ممن قضوا أثناء تأديتهم مهامهم الإنسانية في ظروف بالغة الخطورة.

وفي هذا السياق لا يمكن تجاوز الإشارة إلى مجزرة المسعفين التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في رفح خلال مارس الماضي.

ما تعرض له التقرير ليس سوى نزر يسير من معاناة الكوادر الطبية والمنظومة الصحية على امتداد قطاع غزة جراء العدوان الاسرائيلي المستمر منذ أكتوبر 2023.



وتُعاني المنظومة الصحية في قطاع غزة من انهيار شبه كامل منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر الماضي، وسط حصار خانق يمنع دخول المعدات الطبية والوقود والأدوية، إلى جانب تعطيل مستمر لتحويل الحالات الحرجة للعلاج خارج القطاع.

وبحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فإن أكثر من 70% من المرافق الصحية خرجت عن الخدمة نتيجة الاستهداف المباشر أو نفاد الموارد، في حين يُقدّر عدد الجرحى الذين يحتاجون إلى علاج عاجل خارج غزة بعشرات الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء ومرضى السرطان والأمراض المزمنة.

وتفرض سلطات العدو قيودًا مشددة على سفر المرضى عبر معبر رفح أو كرم أبو سالم، وغالبًا ما تماطل في إصدار التصاريح، أو ترفضها دون مبررات، ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية أو استشهادهم.

وبدعم أمريكي وأوروبي، يواصل جيش العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، ارتكاب جرائم إبادة جماعية وحصار وتجويع في قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 65,382 مدنيا فلسطينيا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 166,985 آخرين، حتى اليوم، في حصيلة غير نهائية، حيث لا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.